تتسارع وتيرة التوسع الاستيطاني في مناطق جنوب الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حتى طاولت أخيراً أراضي تصل بين بلدات الخضر، وبتير، وحوسان، جنوب بيت لحم، جنوب الضفة الغربية، وذلك عبر سلسلة من الخطوات الإسرائيلية، منها الاستيلاء على الأراضي الريفية، وبناء جدارٍ حديدي جديد، بالإضافة للاستيطان الرعوي، وكل ذلك تحت حجّة عنوانها "دواعٍ أمنية"، في سبيل الوصول لمخطط استيطاني يُعرف بـ"مشروع القدس الكبرى"، الذي يهدف لإنشاء منطقة عازلة ومعبر أمني جديد في الريف الغربي لبيت لحم، بهدف دفع أهالي المنطقة إلى الهجرة.
سجن يطوّق الأهالي
وكانت سلطات الاحتلال قد مدّدت سريان قرار الاستيلاء على 76 دونماً من مناطق البقيعة، وقطعة البطمة، وظهر الدير في بلدة الخضر، وخلة أبو حرت، والحمر في بلدة بتير، وواد أبو حمرا، وأم الشقف في بلدة حوسان، وذلك بهدف توسيع الطريق الالتفافي رقم (60)، الذي يمتد من المدخل الرئيسي للمناطق المعروفة بالريف الغربي في بيت لحم، وصولاً إلى بلدة حوسان التي ستصبح أشبه بالسجن بعد بناء الجدار الذي يخطط له الاحتلال على طول الأراضي المستولى عليها بارتفاع يصل إلى 8 أمتار، وهو جدار حديدي، وفق ما يقول رئيس بلدية حوسان جمال السباتين، خلال حديث مع "العربي الجديد".
ووفق السباتين، فإن إتمام بناء الجدار يعني فصل حوسان عن بلدات جبعة، وواد فوكين، ونحّالين، وسط استمرار إغلاق مدخل حوسان الرئيسي في المنطقة الغربية منذ نحو 6 أشهر، وذلك من شأنه أن يعزل 8500 مواطن عن أراضيهم خلف الجدار، والتي يسعى الاحتلال للاستيلاء عليها، حيث يحرم ملّاكها من الوصول إليها منذ السابع من أكتوبر الماضي، عدا عن التهام الجدار مساحة تقدر بكيلومترين من أراضي البلدة.
وتعمل سلطات الاحتلال على بناء الجدار الاستيطاني منذ أشهر عدة، بحيث غيّرت معالم المكان، ويقول السباتين إنهم يعملون على متابعة القضية قانونياً عبر فريق من المحامين، رغم عدم تفاؤلهم بجدوى الجهد القانوني، حيث إن الاحتلال لم يبلغهم رسمياً عبر ورقة قانونية تشير لإخطار الأراضي، بل تتحجّج بالظروف الأمنية.
أما في بلدة الخضر، فيعمل الاحتلال على عزلها من ثلاث جهات، حيث يقام الجدار على أراضيها الغربية البالغة مساحتها 500 دونم، تزامناً مع توسع مستوطنة "إفرات"، شمالي البلدة، وتسليم أهالي المنطقة الجنوبية مخططاً لطريق استيطاني سيتم العمل به قريباً، من شأنه أن يسرق 70 دونماً من أراضي المزارعين، حسبما يؤكد رئيس بلدية الخضر إبراهيم موسى، خلال حديث مع "العربي الجديد".
ويقول موسى إن "الاحتلال أخطر، منذ نحو ثلاثة أشهر، قرابة 30 منزلًا من أصل 70 في منطقة أم ركبة المحاذية لمستوطنة إفرات، بهدف دفع سكّانها لهجرة المكان، بالإضافة لوسائل أخرى، منها الاستيطان الرعوي في بعض أراضي أم ركبة، أو إقامة مقاعد خشبية للمستوطنين ومطاعم داخل هياكل حافلات قديمة، بحجّة أن المنطقة أثرية تحت الإدارة الأمنية الإسرائيلية".
ويتابع موسى: "في المقابل، يهدم الاحتلال منازل أثرية في منطقتي (جفال وظهر العين)، حيث هدم المستوطنون منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، 15 منزلاً، من بينها منزلان يعود تاريخ بنائهما إلى نحو قرن مضى".
ويسابق الاحتلال الزمن لجعل بلدة الخضر منطقة صغيرة جداً واصلة بمدينة بيت لحم من الناحية الشرقية فقط، بعد عزلها بالجدار الجديد غرباً، وإقامة طريق استيطاني جنوباً، ونهب أراضيها لصالح مستوطنة "إفرات" شمالاً، وبالتالي يعزل مناطق كاملة تعرف بـ"الريف الغربي" في بيت لحم، تمهيداً لتنفيذ مشروع استيطاني يُعرف بـ"القدس الكبرى".
مشروع القدس الكبرى والتهجير
مشروع القدس الكبرى الذي يصل بيت لحم من المقرّر أن يستولي على مساحة تقدر بـ12 بالمائة من مساحة محافظة بيت لحم الغربية، حيث يخطط الاحتلال لفتح طرقٍ استيطانية، وإقامة معبر جديد، ووضع أراضي الريف الغربي بمنطقة معزولة، تمهيداً لتهجير الأهالي طوعياً، قبل وضعهم في مرحلة انتقالية فيها قيود على الحركة، كما يقول الباحث في معهد الأبحاث التطبيقية (أريج)، سهيل خليلية في حديث لـ"العربي الجديد".
اللافت، وفق خليلية، هو محاولة الاحتلال إنجاز المشروع بشكل سريع في هذه المرحلة، وخلال السنتين الماضيتين، تنفيذاً لقرارٍ عسكري صدر قبل نحو 15 عاماً".
ويقول خليلية إن "المشروع تأخر تنفيذه لعدم وجود حاجة أمنية ملحّة له من جانب، ومن ناحية أخرى عوامل مثل الخلافات الداخلية الإسرائيلية وأزمة كورونا، والمواجهات المتكررة مع غزة، ولكن الآن باتت القناعة الإسرائيلية بضرورة تنفيذ المشروع خشية تصعيد محتمل في الضفة الغربية ومناطق غرب بيت لحم".
وخلاصة المخطط، حسبما يوضح خليلية، هو وضع 24 ألف مواطن غربي بيت لحم في منطقة معزولة عليها قيود في الحركة، ولهم ساعات محدّدة للدخول والخروج عبر الحاجز، وألا يتم السماح بالمرور عبرها إلا لمن يحمل تصريحاً شخصياً، أو لمركبته أو لمحله التجاري، وذلك لجعل حياة الناس أصعب، ووضعهم في عزلة اجتماعية واقتصادية، لدفعهم تدريجياً لترك بيوتهم، وإهمال أراضيهم الزراعية، والهجرة نحو مركز مدينة بيت لحم، لتصبح المنطقة الريفية فارغة وتحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة.