الانتخابات الجزائرية... سؤال النتائج

16 يونيو 2021
تبدأ الآن الحسابات السياسية على أساس نتائج الانتخابات (مصعب رويبي/الأناضول)
+ الخط -

هناك الكثير مما يبرر عدم ذهاب الجزائريين إلى مكاتب التصويت. لكن السؤال الذي يُبحث له عن إجابة، هو لماذا انتهت الانتخابات إلى هذه النتائج والمخرجات التي خالفت كل التوقعات، وأتاحت بقاء الأحزاب التقليدية، وبخاصة أحزاب السلطة، جبهة التحرير الوطني والتجمع الديمقراطي، في الواجهة، بعد حراك مبهر تطلع فيه الجزائريون إلى التغيير واستبعاد ما يعتبرونها "أحزاب النكبة"؟ وماذا تعني هذه النتائج في السياق الجزائري على مستويين، بالنسبة للرئيس عبد المجيد تبون ومشروعه السياسي، وبالنسبة لسقف التطلعات العالي في الحراك الشعبي للتغيير.
يبدو الاستغراب من طبيعة هذه النتائج مبالغا فيه نوعاً ما، بالنظر إلى الظروف التي جرت فيها الانتخابات. لم تسعف الذاكرة المثقوبة الجزائريين لاستدعاء وضع مشابه تماماً، كان سيتيح توقع هذه النتائج بشكل لا يترك للمفاجأة مكاناً. في انتخابات 2012، كان مناخ الربيع العربي وانهيار أحزاب الدولة في عدد من دول الجوار، كتونس ومصر، ذا تأثير مباشر في المشهد الجزائري، سواء من حيث تنامي الاحتجاجات في الشارع أو بروز دعوات للتغيير. نشوة انتصار الأحزاب الثورية والمعارضة في عدد من الدول العربية، قدمت وجبة وهمية للشارع وقوى المعارضة في الجزائر، والتي دخلت تلك الانتخابات بزخم وتضخم في الأنا السياسي، قبل أن تستفيق على فوز "جبهة التحرير" بنصف عدد مقاعد البرلمان (220 مقعداً)، حتى وإن كان هذا الرقم نتاج تزوير فادح.
يبدو أن نفس المناخ الذي ولّده الحراك الشعبي ضد أحزاب السلطة، والمرتبطة عضوياً بالدولة، والهزة العنيفة التي تعرضت لها هذه الأحزاب منذ تظاهرات الحراك، قدم أيضاً مجموعة وهمية من التوقعات بضعف نتائجها في الانتخابات. لكن نفس الانتخابات تحترم المنطق كثيراً والطبيعة لا تحب الفراغ، والمنطق يقول إنه طالما أن نفس الكتلة الناخبة التي تعودت على التصويت، بنفس القناعات والخيارات، هي من تصوت، سواء باعتبارها حاضنات شعبية لأحزاب معينة أو لاعتبارات أخرى، وطالما الكتلة الصامتة و"حزب الكَنَبة" هو الأكبر في الجزائر، فإن نتائج الانتخابات ستبقى هي نفسها على هذا النحو، حتى لو أعيد تنظيمها كل عام.
في منحى آخر تعطي نتائج الانتخابات الجزائرية مؤشراً واضحاً على أن هناك قوة ضاغطة ومؤثرة في صناعة القرار، لم تكن توافق خيار تبون ورهانه على كتلة المستقلين والمجتمع المدني، لتغيير المشهد السياسي والخريطة الانتخابية. وقد ظهر أخيراً أنه كان رهاناً خاسراً تماماً ولم يقدم أي قيمة مضافة للانتخابات، لا على صعيد التعبئة وحشد الناخبين للتصويت، ولا على صعيد تغيير النتائج وإزاحة الأحزاب التقليدية، وخلق كتلة مستقلة موالية للرئيس. وهذا يفسر إلى حد كبير لماذا استبق تبون النتائج بإعلان أنه غير مهتم بنسبة المشاركة.
تبدأ الآن الحسابات السياسية على أساس النتائج التي انتهت إليها الانتخابات. وبصورة الوضع الجزائري، ومعطياته الاقتصادية والاجتماعية والتوازنات السياسية المعقدة خاصة، فإن البلد يتوجه بالضرورة نحو إعادة استنساخ نفس تجربة التحالف الرئاسي الذي أنجز عام 1999، وبنفس الأضلاع السياسية الرئيسية تقريباً (جبهة التحرير والتجمع الديمقراطي ومجتمع السلم وأحزاب أخرى). وبهذا الشكل تكون عقارب الساعة الجزائرية قد تقدمت إلى الوراء كثيراً. يعني ذلك أن الساعة تدور في الفراغ بلا تغيير في التوقيت والمشهد.

المساهمون