تعيش السنغال واحدة من أكثر فترات تاريخها السياسي اضطراباً، فالبلد الذي يعتبر نموذجاً في الديمقراطية والاستقرار السياسي، ليس فقط بمنطقة غرب أفريقيا، بل في القارة ككل، عاد ليدخل دائرة الشكوك والاضطرابات بعد قرار الرئيس السنغالي ماكي سال تأجيل الانتخابات السنغالية التي كانت مقررة في 25 فبراير/ شباط الحالي.
ولعدة أشهر كانت التكهنات تؤكد أن سال يسعى للحصول على فترة رئاسية ثالثة، ما أدى إلى خروج تظاهرات غاضبة، نجمت عنها أعمال عنف وسقوط قتلى، قبل أن يعلن سال في يوليو/تموز الماضي أنه لن يسعى لولاية ثالثة.
وكان الرئيس المنتهية ولايته ماكي سال قد قرر السبت الماضي تأجيل الانتخابات الرئاسية في السنغال إلى أجل غير مسمّى، بسبب وجود خلافات انتخابية بين البرلمان والسلطة القضائية، إثر استبعاد المجلس الدستوري العديد من المرشحين الرئيسيين في الانتخابات السنغالية، بمن فيهم نجل الرئيس السابق عبد الله واد، كريم واد.
إقرار التأجيل بغياب نواب معارضين
وترك الرئيس سال قرار تحديد فترة تأجيل الانتخابات السنغالية للبرلمان، والذي أقرّ مساء أول من أمس الاثنين، في أجواء مشحونة تخللها تضارب بالأيدي بين النواب وفق وكالة "فرانس برس"، مشروع قانون يرمي إلى إرجاء الانتخابات الرئاسية من 25 فبراير الحالي إلى 15 ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
أخرج عناصر الأمن بالقوة نواباً معارضين من قاعة البرلمان
وتمّ إقرار قانون التأجيل بإجماع النواب الـ105 الحاضرين في قاعة البرلمان المؤلف من 165 مقعداً، بدعم من الحزب الحاكم "التحالف من أجل الجمهورية"، وائتلاف لأحزاب معارضة يضم "الحزب الديمقراطي السنغالي"، وسط غياب نواب من المعارضة، وذلك بعد أن أخرج عناصر الأمن بالقوة نواباً معارضين كانوا يعرقلون التصويت.
وقال أحد النواب المعارضين للتأجيل، غاي ماريوس سانيا، وفق "رويترز"، إن "ما تفعلونه ليس ديمقراطياً وليس جمهورياً".
احتجاجات ضد التأجيل
وأطلقت شرطة مكافحة الشغب، أول من أمس، الغاز المسيل للدموع لتفريق احتجاجات خارج البرلمان أثناء مناقشة قانون تأجيل الانتخابات السنغالية.
وتجمع نحو 100 محتج خارج البرلمان، أول من أمس، بعد مواجهات الأحد، هاتفين "ماكي سال ديكتاتور". وطاردتهم الشرطة في الشوارع الجانبية واعتقلت من طاولته منه، كما قطعت السلطات مؤقتاً خدمات الإنترنت عبر الهاتف المحمول، مشيرة إلى وجود رسائل كراهية على وسائل التواصل الاجتماعي وتهديدات للنظام العام.
يُذكر أن السلطات سبق أن قطعت الإنترنت عن الهواتف المحمولة في يونيو/ حزيران الماضي، عندما اشتبك أنصار زعيم المعارضة ورئيس حزب "باستيف"، عثمان سونكو، مع قوات الأمن. وسونكو، المسجون منذ يوليو/ تموز الماضي، هو أحد الزعيمين، إلى جانب واد، الذين استبعدتهما السلطات من القائمة النهائية للمرشحين الرئاسيين.
واقترح مشروع القانون في البداية تأجيل الموعد إلى 25 أغسطس/ آب المقبل، وإبقاء سال في السلطة حتى تنصيب خليفته، علماً أن ولايته تنتهي في 2 إبريل/ نيسان المقبل. وبحلول المساء، وقبل التصويت النهائي مباشرة، جرى تعديل مشروع القانون لاقتراح موعد لاحق للانتخابات في 15 ديسمبر المقبل.
وكان معسكر المعارض كريم واد، المستبعد من الترشّح، قد طالب بتأجيل الانتخابات، وطرح نص القرار، والذي حظي بتأييد معسكر الرئيس ماكي سال. وكانت لجنة تحضيرية أشارت في تقرير، الأحد الماضي، إلى أن الهدف من إرجاء الانتخابات هو "تجنّب عدم الاستقرار في المؤسسات واضطرابات سياسية خطيرة"، والتوصل إلى "الاستئناف الكامل للعملية الانتخابية".
وأظهرت وثائق المجلس الدستوري، وفق "رويترز"، أن ثلاثة على الأقل من المرشحين الرئاسيين العشرين قدموا طعوناً قانونية على التأجيل، فيما تعهد مرشحان آخران بالطعن عليه في المحاكم.
في غضون ذلك أعلن اثنان من المرشحين الرئاسيين، وهما وزير الطاقة وتنمية الطاقة المتجددة السابق تييرنو ألسان سال، والمعارض ديتييه فال، أنهما لن يعترفا بالقرار وسيواصلان حملتهما الانتخابية، والتي كان من المقرر أن تبدأ الأحد الماضي.
دعوات للحوار وإجراء الانتخابات بأقرب فرصة
وأثار قرار تأجيل الانتخابات السنغالية تساؤلات حول جدوى وقوة الديمقراطية في البلاد، ومستقبلها السياسي وسط دعوات دولية بتنظيم الانتخابات في أسرع وقت ممكن، إلى جانب دعوات تدعو لتغليب الحوار.
ودعت منظمة التعاون الإسلامي، أمس، الطبقة السياسية في السنغال إلى مواصلة تحليها بالحكمة وترجيح الحوار لمواجهة التحديات السياسية التي تواجهها البلاد، فيما دعا الاتحاد الأفريقي، أول من أمس، السنغال إلى إجراء انتخابات رئاسية في أقرب وقت ممكن في شفافية، وسلام ووئام وطني.
في هذا الصدد قال الباحث السنغالي يحيى تراوي إن إعلان الرئيس، السبت الماضي، تأجيل الانتخابات الرئاسية "كان بمثابة زلزال سياسي غير مسبوق في تاريخ السنغال، إذ لم يسبق أن تم تأجيل الانتخابات منذ عام 1963"، مضيفاً أن "القرار كفيل بإشعال التوترات السياسية في البلاد وإدخالها دوامة الشكوك والاضطرابات مثلها مثل باقي دول غرب أفريقيا".
ورأى تراوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "لا مبرر لإلغاء التصويت ووقف إجراء الانتخابات قبل يوم من انطلاق الحملة الانتخابية"، لافتاً إلى أنه "رغم تبرير الرئيس الحالي القرار بالخوف على الاستقرار في البلاد ووجود خلاف انتخابي بين البرلمان والسلطة القضائية، إلا أن القرار لا مبرر حقيقي له".
تراوي: إلغاء الانتخابات قد لا يجنب البلاد الاضطرابات
واعتبر أن "الحفاظ على موعد تنظيم الانتخابات كان ضرورياً وأكثر أهمية من أي شيء"، مشيراً إلى أن "إلغاء الانتخابات قد لا يجنب البلاد الاضطرابات التي كان الرئيس يتخوف منها، بل سيدخل البلاد إلى نفق مظلم بسبب غياب رؤية واضحة لما بعد إلغاء الانتخابات".
وفي وقت طالب القوى السياسية السنغالية بالحفاظ على المكتسبات وتغليب المصلحة العامة والاتفاق على خطة واضحة لما بعد إلغاء الانتخابات، قال تراوي إن "القرار أثار سخط الكثيرين من معارضي التأجيل والتمديد"، كما "طرح تساؤلات حول الهدف منه والصيغة الدستورية التي يمكن أن تنجح الطبقة السياسية السنغالية في التوصل إليها من أجل تحقيق الاستقرار السياسي". وتابع: "لذلك لا بد أن تتظافر جهود كل القوى السياسية من أجل التوصل للصيغة التوافقية".
وضع قابل للتطور في السنغال
من جهته، قال الباحث الموريتاني في شؤون غرب أفريقيا، سيد أحمد ولد الغربي، أن السنغال "راكمت تجربة مهمة في العمل السياسي، وشكلت نموذجاً ناجحاً في غرب أفريقيا"، معتبراً أنه على الطبقة السياسية السنغالية حالياً الاتفاق وإعطاء الأولوية "للحوار والتعاون من أجل إجراء انتخابات شفافة، وذات مصداقية يشارك بها الجميع".
ولد الغربي: على السلطات تسريع المساعي لتحديد موعد جديد للانتخابات
وأضاف ولد الغربي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "التظاهرات الغاضبة التي تعيشها السنغال حالياً تؤكد أن الوضع قابل للتطور في أية لحظة، وأن على السلطات تسريع المساعي لتحديد موعد جديد للانتخابات في أقرب فرصة".
وعبّر عن تخوفه من تطور التجاوزات التي قد تحدث في الدعوات للتظاهر ضد ما بات يطلق عليه السنغاليون الانقلاب المؤسساتي. وقال إن الرئيس سال "مسؤول عن كل ما يحدث حالياً من توتر في السنغال، فرغم أن قراره عدم الترشح لولاية ثالثة لقي استحساناً كبيراً، إلا أن قراره الأخير بتأجيل الانتخابات أدخل البلاد حالة من عدم اليقين".
وطالب الباحث السياسيين بأن يتفقوا على إجراء "حوار وطني يتم خلاله وضع خريطة طريق لتنظيم الانتخابات في موعد محدد".