تواصل المفوضية العليا للانتخابات في العراق، ولليوم الثالث على التوالي، اليوم الجمعة، عمليات إعادة عد وفرز آلاف المحطات الانتخابية التي قررت إعادة فحصها يدوياً، بعد ضغوط واسعة وتهديدات أطلقتها فصائل وجماعات مسلحة وأحزاب حليفة لإيران، اعتبرت نتائج الانتخابات، التي أظهرت خسارتها، بأنها "مفبركة ومرفوضة"، في وقت استخدم تحالف "الفتح"، الممثل لـ"الحشد الشعبي"، في بيان جديد له، مصطلحات أثارت قلقاً سياسياً وشعبياً واسعاً مثل "تهديد السلم الأهلي" و"الاستقرار"، في معرض تأكيده على رفض نتائج الانتخابات.
وقالت مصادر مقربة من مفوضية الانتخابات، التي احتجب مسؤولوها عن الظهور للإعلام مع مواصلة إغلاق المنطقة الخضراء حيث مقر عمليات المفوضية وتجري أيضاً فيها عمليات العد والفرز اليدوي، إنه من المرجح أن تستمر عمليات العد والفرز حتى يوم الأحد المقبل، وقد لا تعلن النتائج الانتخابية حتى نهاية الأسبوع المقبل. ولفتت إلى أن النتائج ستتغير بواقع 5 إلى 6 مقاعد للكتل الكبيرة، زيادة أو نقصانا، بعد الانتهاء منها، وأن هناك مرشحين أعلن فوزهم مسبقاً لن يكونوا في قوائم الفائزين الجديدة التي ستصدر لاحقاً.
خسر عدد من المرشحين المستقلين لصالح تحالف "الفتح"
وكشفت المصادر لـ"العربي الجديد"، عن خسارة عدد من المرشحين المستقلين لصالح تحالف "الفتح"، في جنوب العراق، على الرغم من أن الدوائر التي فاز بها المرشحون كانت المفوضية أعلنت اكتمال احتساب أصوات جميع المحطات الانتخابية فيها.
ونهار أمس الأول الأربعاء، نقلت وكالة الأنباء العراقية (واع) عن مدير دائرة الإعلام والاتصال الجماهيري في المفوضية حسن سلمان، قوله إن "نتائج الانتخابات قابلة للتغيير، ويجب انتظار النتائج النهائية بعد حسم الطعون". وأضاف أن "النتائج حصل فيها تغيير بعد إضافة نتائج محطات انتخابية تم فرز أصواتها"، واصفاً ذلك بأنه "أمر طبيعي"، مشيراً إلى أن "المفوضية لن تتأثر بأي شكل من أشكال الضغوط، والعملية الانتخابية لم يشبها خلل، ولم يتم تسجيل شكاوى حمراء حتى الآن تخص عملية الاقتراع". وبيّن أن "المفوضية لم تُخفِ أي أصوات"، لافتاً إلى أن "هناك 8547 محطة لم ترسل نتائجها وستتم إضافتها".
في الأثناء، تشهد الأجواء داخل بغداد توتراً إعلامياً متصاعداً بين التيار الصدري وعدد من القوى السياسية والفصائل المسلحة الحليفة لإيران، وتحديداً مليشيا "كتائب حزب الله"، لا سيما بعد أن لوّحت الأخيرة باللجوء إلى طرق لم تحددها، لرفض نتائج الانتخابات، خصوصاً عقب حديث المسؤول الأمني في "حزب الله" أبو علي العسكري عن أن القبول بنتائج الانتخابات يعني تهديد السلم الأهلي. واتهم العسكري، في تدوينة تداولتها منصات إعلامية تابعة للمليشيات، رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي وعناصر في جهاز المخابرات العراقية بتغيير نتائج الانتخابات البرلمانية بالاتفاق مع جهات سياسية، لم يسمها. وجاءت هذه التدوينة بالتزامن مع اجتماع ما يُعرف بـ"الإطار التنسيقي"، ويضم غالبية زعماء الأحزاب العربية الشيعية، عدا التيار الصدري، كما يضم قادة الفصائل المسلحة. وجرى التأكيد مجدداً على رفض نتائج الانتخابات، ووصفها بأنها "خطر على السلم الأهلي".
ويبدو أن الصدر، صاحب المركز الأول وفقاً لنتائج الانتخابات حتى الآن بأكثر من 70 مقعداً في البرلمان، يُتابع غضب الفصائل المسلحة، وقد ترك مساعده جليل النوري يتكفل بالرد على تصعيد المليشيات تجاه فوز الصدريين، بالقول، في تغريدة عبر "تويتر": "لا تُتعِبوا أنفسكم، ولا تُضيّعوا وقتكم بانتظار رسائل الخارج، فالأمر حُسم، والصدر ليس علاوي"، في إشارة إلى أن مقتدى الصدر لا يشبه إياد علاوي الذي كان قد حصد نحو 90 مقعداً في انتخابات عام 2010، لكنه لم يُشكل الحكومة آنذاك.
الصدر: الحكومة المقبلة لا شرقية ولا غربية، بل وطنية
ثم عاد الصدر وغرَّد هو الآخر بعد تغريدات العسكري، قائلاً: "لن يتزعزع السلم الأهلي في وطني، فلا يهمني إلا سلامة الشعب وسلامة العراق، وأوصي بضبط النفس، ولن تمتد أيدينا على أي عراقي مهما كان"، واصفاً الحكومة المقبلة بأنها لا شرقية ولا غربية، بل وطنية. في السياق ذاته، أعلن مساعد لزعيم التيار الصدري، عن قرار بتجميد الجناح المسلح للتيار، "سرايا السلام"، في محافظتين عراقيتين. ويرجح أن خطوة تجميد عمل المليشيا في ديالى وبابل كونهما مكان توتر حالي بين الصدريين والقوى والفصائل الخاسرة بالانتخابات، إذ نجح التيار الصدري في خطف دوائر انتخابية في المحافظتين على حساب منافسيه.
وتواصلت "العربي الجديد"، مع قيادي في التيار الصدري في محافظة النجف، والذي قال إن "الصدر تلقى سلسلة من الرسائل حادة اللهجة عبر وسطاء من قبل قيادات سياسية وأخرى من زعماء فصائل مسلحة، تتهمه بتبني خطاب معادٍ للحشد الشعبي، وبالتنسيق مع مكتب الكاظمي وموظفين في مفوضية الانتخابات على تزوير النتائج لصالحه"، متحدثاً عن "تدخل إيراني مكثف لتحقيق ترضية تضع القوى التي تتبنى دعمها في تكتل واحد، يضمن أن يكون أكثر من 80 مقعداً لتشكيل الكتلة الكبرى".
لكن النائب المستقل باسم خشان قال، لـ"العربي الجديد"، إن "آلية الفرز اليدوي أو إعادة تدقيق نتائج الانتخابات لن تؤدي إلى تغييرات كبيرة في النتائج. وقد لاحظنا خلال اليومين الماضيين كيف أن بعض الكيانات الخاسرة حصلت على مقعد أو مقعدين، بالتالي فإن هذا الأمر يؤكد أن عودة الفرز والتدقيق لا يمثل إلا حالة ترضية للخاسرين، فيما ستبقى الكتل التي حصلت على عدد كبير من المقاعد في مواقعها". وأوضح أن "الصراع الحالي بين الفصائل المسلحة والتيار الصدري، ليس جديداً، إذ إن الصدر دائماً ما يشتبك إعلامياً مع قادة الفصائل".
بدوره، أكد رئيس حزب "المواطنة" غيث التميمي، أن "الفصائل المسلحة ضمن الحشد الشعبي، وبعض قادتها وجنرالات إيرانيين كانوا قد هددوا الصدر عقب إعلان نتائج انتخابات 2018، وقد تأثر الصدر بهذا التهديد وتراجع عن تمسكه ببعض القرارات السياسية، وهذا ما يرجح أنه سيحدث خلال الفترة المقبلة". وتوقع، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "يجلس الصدر مع قادة الأحزاب والكيانات السياسية التابعة للحشد الشعبي للاتفاق على شخصية رئيس الحكومة المقبلة، وقد لا يكون صدرياً، كما لن يكون من الفصائل بكل تأكيد، وسيتم اختيار شخص متفق عليه من الطرفين".