فشل البرلمان اللبناني مرّة ثانية بانتخاب رئيس جديد للبلاد خلفاً للرئيس ميشال عون الذي تنتهي ولايته في 31 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وذلك في ظل عدم تأمين نصاب الثلثين المطلوب لانعقاد الجلسة، أي 86 نائباً من أصل 128، ما دفع رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى إرجائها حتى يوم الخميس المقبل في 20 أكتوبر/ تشرين الأول.
وعند الساعة الحادية عشرة صباحاً، قرع رئيس البرلمان جرس انطلاق الجلسة لانتخاب رئيس جديد، بيد أنّ عدد النواب الذين دخلوا القاعة اقتصر على 71. ورغم مطالبة بعض النواب الحاضرين لرئيس المجلس نبيه بري بعقد الجلسة بمن حضر واستدعاء من بقي في الخارج للدخول، إلا أن الأخير تمسك بنصاب الثلثين من أصل مجموع النواب لانعقاد الجلسة.
وكان عدم انعقاد الجلسة اليوم من السيناريوهات المطروحة، خصوصاً في حال تضامنت كتلة "حزب الله" (الوفاء للمقاومة) مع حليفها "تكتل لبنان القوي" برئاسة النائب جبران باسيل بمقاطعة الجلسة، علماً أن نواب "حزب الله" حضروا إلى المجلس النيابي دون دخولهم قاعة الجلسة، في حين ساهم أيضاً غياب بعض النواب لأسباب مختلفة بعدم تأمين النصاب.
وأعلن تكتل "لبنان القوي" (برئاسة رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل)، مقاطعة جلسة اليوم اعتراضاً على الموعد الذي اختاره لها بري، ويصادف ذكرى أحداث 13 أكتوبر/ تشرين الأول 1990، ما اعتبره "دليل عدم جدية واستهتاراً بالشهداء". ورفض بري تعديل التاريخ، مكتفياً بتصريح إعلامي قال فيه: "هل 13 تشرين الأول عيد رسمي؟ ليس على حدّ علمي". يشار إلى أن تكتل باسيل أطلق ورقة الأولويات الرئاسية رغم تأكيد الأخير عدم ترشحه، وجال فيها على المرجعيات السياسية والدينية في الأيام الماضية.
ولتاريخ 13 تشرين الأول 1990 رمزية خاصة عند "التيار الوطني الحر" بالدرجة الأولى، يوم هجم جيش النظام السوري على قصر بعبدا وسقط عشرات العسكريين والمدنيين، فانتقل عون وعدد من مساعديه إلى السفارة الفرنسية طالباً اللجوء السياسي. كذلك طلب من الجيش أخذ الأوامر من الرئيس الأسبق إميل لحود، وغادر عون منفيّاً إلى باريس قبل عودته عام 2005، وسط انقسامات في لبنان حول مقاربة هذه الأحداث، مع اتهامات وُجّهت إلى عون بأنه هرب تاركاً وراءه الجيش اللبناني.
وقال النائب ميشال معوض، مرشح الأحزاب المعارضة التقليدية: "القوات اللبنانية" برئاسة سمير جعجع، "التقدمي الاشتراكي" برئاسة وليد جنبلاط، و"الكتائب اللبنانية" برئاسة النائب سامي الجميل، إنّ "هذه المشهدية مؤسفة وليست على قدر المسؤولية التي يجب أن نتحملها، فهذا الاستحقاق يجب أن يكون مدخلاً جدياً للإنقاذ".
ولفت، في تصريحات للصحافيين، إلى "أننا نطرح خياراً وخريطة طريق ومشروعاً، بينما على الضفاف الأخرى لا نرى أي خيار أو مشروع أو خريطة طريق"، مضيفاً: "أريد أن أستفيد من هذه المناسبة لأقول لكل أطياف المعارضة المتنوعة إنّ الطريق الوحيد للوصول إلى الإنقاذ ولرئيس سيادي إصلاحي إنقاذي يكمن في توحيد الصفوف، وخارج ذلك سنكون أمام لعبة رمي الأسماء، ما يأخذنا إلى مسار تدحرجي ونصل إلى رئيس تسوية بلا قرار وبلا لون وبلا مواقف وبلا مشروع".
من جهته، قال النائب عن تكتل "الجمهورية القوية" (يمثل حزب القوات برلمانياً)، جورج عدوان، في تصريحات للصحافيين، إنّ ما حصل اليوم يؤكد "أنه بقدر ما هناك أشخاص جاهزون كل دقيقة لانتخاب رئيس للجمهورية، هناك أكثر من فريق بسبب الخلافات والنزاعات الموجودة لديه ليس جاهزاً لانتخاب رئيس"، داعياً الكتل إلى "ألا تكون خياراتها رمادية بل واضحة وتكون لديها الجرأة لمواجهة الرأي العام بخياراتها".
بدوره، قال النائب عن كتلة "التغييريين" مارك ضو إنّ البلد لا يحتمل إيصاله لفراغ على مستوى المؤسسات كلها، معرباً عن أسفه لما حصل اليوم، إذ "ليس فقط لم ينتخب رئيس، بل لم يتأمن النصاب لانعقاد الجلسة، فهناك فريق سياسي أعلن مقاطعته الجلسة لأسباب محددة، لكن ما السبب وراء عدم حضور الآخرين، ما يفسّر بأن لا توافق حتى لديهم على اسم معين".
وأبدى ضو، في تصريحات للصحافيين، الاستعداد الدائم لعملية توافقية تنقذ لبنان ورئاسة الجمهورية التي هي المدخل الرئيسي للحل، مشيراً إلى أن "المطلوب هو عملية إنقاذية وإصلاحية حقيقية نحافظ من خلالها على سيادة بلدنا، من دون تمرير اتفاقات بلا مناقشتها مع مجلس النواب"، غامزاً بهذا الإطار من عدم عرض اتفاق ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان وإسرائيل على البرلمان.
وكما بات معروفاً، فإنّ معوض مرشح الأحزاب المعارضة، بينما لم يتفق "حزب الله" و"حلفاؤه" بعد على مرشح واحدٍ، ما يدفعهم إلى اختيار الورقة البيضاء، رغم أن الكفّة تميل أكثر لمصلحة رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية مقابل باسيل، في حين لا يتمسك النواب التغييريون بأي اسم نيابي رغم اختيارهم في الجلسة الأولى اسم سليم إده، (رجل أعمال ونجل الوزير الراحل ميشال إده)، بينما يترقب نواب مستقلون الأجواء لتحديد خياراتهم، ومنهم من ينتظر التوافق السياسي للسير في هذا المسار.
مواقف سابقة للجلسة
وكان عضو "تكتل الجمهورية القوية" النائب رازي الحاج قد توقع في حديث مع "العربي الجديد"، أن يكتمل النصاب للدورة الأولى، في ظل حضور غالبية الكتل النيابية، على أن نشهد السيناريو نفسه بطبيعة الحال في الدورة الثانية، بحيث ستعمد الأطراف ذاتها إلى عدم تأمين النصاب ليصار إلى "تطيير" الجلسة.
وأكد أنّ "مرشح القوات لا يزال ميشال معوض، الذي يمتلك الموقف السياسي الواضح من مختلف الأمور والقادر على أن يحكم لصالح البلد لا أن يكون محكوماً عليه بتوازنات سياسية"، على حد تعبيره.
الحاج رجح أن يكتمل نصاب الدورة الأولى، في ظل حضور غالبية الكتل النيابية على أن نشهد السيناريو نفسه بطبيعة الحال في الدورة الثانية، بحيث ستعمد الأطراف ذاتها إلى إفقاد النصاب ليصار إلى تطيير الجلسة
وأشار الحاج إلى أنّ "أصوات معوض قد تتحسّن عن الجلسة الأولى بشكل طفيف في ظل الاتصالات التي حصلت منذ ذاك التاريخ، ولكن هناك أطراف كثيرة لن تغيّر موقفها الآن باعتبار أنها تتوقع السيناريو سلفاً، وتريد أن تحافظ على بعض تميّزها، وقد تلجأ في المرات القادمة إلى اعتماد طريقة أخرى في التصويت".
وأعرب عن أمله بالوصول إلى "مرحلة يكون فيها الاستحقاق الرئاسي لبنانياً صرفاً، حيث تمارس الكتل اللعبة الديمقراطية من دون أن تتكل على كلمة سرّ تحدد مسارها".
من جانبه، رجّح النائب في "كتلة التنمية والتحرير" (يرأسها بري) محمد خواجة، في حديث مع "العربي الجديد"، ألا يختلف المشهد عن الجلسة السابقة، "سواء تأمّن أو لم يتأمن إن تضامنت كتل سياسية مع التيار (الوطني الحر)". وقال إنّ "كتلة بري ستشارك في الجلسة. ففي الحالة الأولى ستنعقد الدورة ولن يحصل أي مرشح على غالبية الثلثين، ومن ثم يسقط النصاب في الدورة الثانية، ونذهب باتجاه تأجيل جديد، يحدد بعده الرئيس بري موعداً ثالثاً".
وأضاف خواجة: "لو دعا بري إلى عشرين جلسة، لن ينتخب رئيس إن لم يحصل توافق ما على شخصية رئاسية، فلا غالبية في البرلمان قادرة على إيصال مرشحها، ولا يمكن فريقاً وحده أن يوصل مرشحه، ما يضعنا حتماً أمام تسوية، التي ظروفها حتى الساعة ليست متوافرة".
وأشار خواجة إلى أنّ "البلد مقسوم سياسياً ولن يسلِّم أحد، معوض في النهاية من صقور أحد الفرق السياسية، ولن ينتخب من فريق ثانٍ، حتى التغييريون لم يدعموا ترشيحه، من هنا ضرورة التسوية"، مضيفاً: "نتمنى أن ينتخب الرئيس قبل 31 أكتوبر/ تشرين الأول، فالفراغ الرئاسي الطويل يجب أن لا يكون ظاهرة طبيعية، لكن حتى الساعة لا شيء يشي بأننا ذاهبون باتجاه انتخاب رئيس، علماً أنّ المتغيرات عندما تحصل، تتم فجأة وتقلب كل المعادلات".
وفيما اعتبر خواجة أنّ حظوظ قائد الجيش العماد جوزاف عون "طبعاً تصبح أقوى مع مرور الوقت، وسقوط المهل، بحيث إنه بعد 31 أكتوبر/ تشرين الأول يمكنه الترشح عندها"، أشار في المقابل، إلى أنّ "كتلة التنمية والتحرير" رغم أنّ رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، "صديق وحليف لها، إلا أنه لا مرشح معلناً لديها حتى الآن، وعندما يحصل ذلك ستعلن عنه".
خواجة: لا غالبية في البرلمان قادرة على إيصال مرشحها، ولا يمكن فريقاً وحده أن يوصل مرشحه، ما يضعنا حتماً أمام تسوية، التي ظروفها حتى الساعة ليست متوافرة
من جانبه، قال عضو كتلة "الاعتدال الوطني" النائب سجيع عطية، لـ"العربي الجديد": "حسب معلوماتنا، النصاب سيتأمّن، لكن السيناريو نفسه سيتكرر لناحية الأصوات للورقة البيضاء، وميشال معوض، وغيرهما من الأسماء، ونحن كتكتل مؤلف من 12 نائباً، سنصوّت لـ"لبنان"، وذلك من باب التريث، إلى أن نرى طرح ومشروع وبرنامج المرشحين". ويعتبر عطية أنّ سليمان فرنجية "شخصية ممتازة"، ولا يمانع التصويت له في حال التوافق عليه.
وأشار عطية إلى أنّ "الاتفاق على شخص واحد لم ينضج بعد بين الجميع، وهناك مشاورات بين الكتل، وقد تتضح المعالم أكثر مع الوقت وتتوحّد الآراء، لكن المشكلة في أنّ الاستحقاق في لبنان تبعاً للقانون اللبناني يحتاج إلى غالبية الثلثين، وهذا النصاب يكرس التوافق لا الانتخاب الديمقراطي".