الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون دعا الجزائريين، شعباً ونخباً، إلى ممارسة النقد لتصحيح الأخطاء والمسارات، وقال في خطابه الأخير "الانتقاد البناء مرحّب به، ونحن ننادي الشعب والإطارات لتقديم الانتقادات البناءة لنقوم بإصلاح أوضاعنا". لكن السؤال الذي لم يخطر على بال الرئيس هو أين يمكن صب هذه الانتقادات أو التصريح بها؟
في الخطاب نفسه، بدا الرئيس منزعجاً من صورة نشرتها صحيفة لرفوف فارغة في محل تجاري، في سياق الحديث عن أزمة ندرة مواد تموينية كالزيت والحليب.
وإذا كانت هذه الصحيفة قد عبرت عن وضع يعيشه الجزائريون بالفعل، وتنكره السلطة، فإن هذا يعني أن السلطة لا يتسع صدرها لصورة تذكّرها بإخفاقاتها، وتريد من الصحف أن تطربها بما تحب فحسب، وتكون نسخة مكتوبة من نشرة الثامنة في التلفزيون الحكومي، التي تقول إن الزيت متوفر وإن المخازن مملوءة، وقس على منوال "السماء زرقاء والعصافير تزقزق".
منذ أشهر، لم يشاهد الجزائريون معارضاً سياسياً على التلفزيون، لا الحكومي ولا المستقل، وحتى الصحف تتحاشى استضافة النخب التي لها موقف نقدي من السلطة، وتتعامل معها باحتشام كبير.
وإذا كانت الصحف والقنوات مغلقة في وجه النخب التي تنتقد السردية الرسمية وتتحاشى الرأي الآخر، فأين يمكن صب الانتقادات البناءة التي يرغب الرئيس في سماعها إذاً؟
وحتى إذا اتجهت هذه النخب إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي صارت تحت الرقابة، للتعبير عن انتقاداتها، فلا أحد يمكن أن يضمن عدم تحويل النقد هذا إلى تهمة تقود إلى الملاحقة القضائية أو السجن، وهو ما حدث بالفعل مع عشرات الناشطين.
والشارع الذي هو ملك الشعب، وعبّر فيه بكل سلمية في الحراك الشعبي، عن طموحاته السياسية وتطلعاته في جزائر حرة وعادلة وديمقراطية وبعدالة اجتماعية، لم يعد ممكناً التعبير فيه عن موقف أو مطلب. كل محاولة في هذا الإطار، تعني أنها تجمهر يقود إلى السجن أيضاً.
ومقار الأحزاب السياسية التي يفترض أنها معدة بالأساس للنقاش حول السياسات الحكومية، وفحص الخيارات المنتهجة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، لم تعتقها يد السلطة.
قبل أيام، أنذرت السلطات حزباً سياسياً (التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية)، لأنه احتضن لقاءً لأحزاب وناشطين بهدف إنشاء ائتلاف مدني للدفاع عن الحريات، ودانت رئيس حزب (رئيس الحركة الديمقراطية الاجتماعية فتحي غراس)، بسبب خطاب انتقد فيه السلطة قبل نصف عام.
وعلى الرغم من أن مصر راهناً ليست نموذجاً يحتذى به لا في السياسة ولا في الاقتصاد، من الواضح أن هناك إعجاباً من قبل السلطة في الجزائر بتجربة عبد الفتاح السيسي، لناحية تقييد الحريات وغلق كل المنصات التي يمكن أن يطلّ منها الرأي الآخر.
ولذلك، تشعر النخب الجزائرية بأن المستوى الذي بلغته السلطة في التحسس من كل رأي سياسي مخالف أو نقد يوجه لها وللحكومة وللجيش، واعتقال الناشطين والزج بهم في السجون، وتطويع كل المؤسسات السياسية والحزبية والفضاءات الجامعية، ومنع التظاهر وإغلاق الشارع، نابع من محاولة استدعاء للحالة المصرية لاستزراع الخوف وفرض استقرار مصطنع. قد ينجح الأمر لفترة، لكن هل يمكن أن يستمر؟ في ذلك شك.