الجيش اللبناني ضمن بنك أهداف نيران الاحتلال.. الأسباب والغايات

25 أكتوبر 2024
الجيش اللبناني يغلق طريقاً بعد غارة بمسيّرة في الكحالة، 26 سبتمبر 24 (حسام شبارو/الأناضول)
+ الخط -

يطرح تنفيذ جيش الاحتلال هجمات متكرّرة على مراكز وآليات الجيش اللبناني في جنوب لبنان ومواقع تنفيذ مهامه علامات استفهام كثيرة، خصوصاً في الوقت الذي تنصبّ فيه "النداءات الدولية" في خانة دعم المؤسسة العسكرية في لبنان وتعزيز انتشار عناصرها، وزيادة عددهم على الحدود، انطلاقاً من تنفيذ القرار الدولي رقم 1701 لحفظ الأمن والاستقرار في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار.

وأتاح المؤتمر الدولي حول لبنان في باريس جمع 800 مليون دولار من المساعدات الإنسانية و200 مليون دولار لمساعدة القوات الأمنية اللبنانية، وفق ما أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، أمس الخميس، علماً أنّ هذا الدعم أتى "مخيّباً" للآمال، على حدّ قول أوساط وزارية لـ"العربي الجديد"، مقارنة مع حجم الخسائر من جراء العدوان، وحاجات الجيش اللبناني لتمكينه من التعامل مع التحديات، والتي تفوق كثيراً الرقم المرصود، خصوصاً أنّ المبالغ التي كانت تُجمع سابقاً تفوق ذلك في مراحل سابقة، مثل مؤتمر باريس 3 عام 2007، حيث بلغ حجم الأموال التي تقرّرت 7.6 مليارات دولار.

ويتزامن استهداف الجيش اللبناني مع تكثيف الاحتلال منذ بدء "عدوان أيلول" الموسّع ضرباته على مواقع تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة العاملة في الجنوب (يونيفيل)، في مسارٍ ترافق مع انتقاداتٍ إسرائيلية طاولت عمل حفظة السلام، ومطالبات بنقلها خمسة كيلومترات إلى الشمال، "للابتعاد عن الخطر مع اشتداد الصراع"، ومحاولات تقويض مهامها، الأمر الذي وضعته أوساط لبنانية في إطار المخطط المضمر لإنهاء دورها على الحدود، وهو ما يُمكن طرحه أيضاً على مخطط الهجوم الاسرائيلي على العسكريين اللبنانيين.

وتكرّرت الاعتداءات الإسرائيلية المباشرة على الجيش اللبناني خلال قيامه بمهامه الوطنية منذ فتح جبهة الإسناد اللبنانية في الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لتسفر حتى اليوم الجمعة عن استشهاد 13 عنصراً، 3 منهم سقطوا أمس الخميس في خراج بلدة ياطر - بنت جبيل في الجنوب، أثناء تنفيذ عملية إخلاء جرحى، وهم الجنديان محمد بزال وموسى مهنا، والرائد محمد فرحات (كان له تصدٍّ بطوليٍّ العام الماضي بوجه جنود الاحتلال عند منعهم من تثبيت وتَد عند الخط الأزرق مقابل بلدة عيتا الشعب جنوباً، على الجانب اللبناني)، الأمر الذي يطيح بكلّ "تبريرات" الاحتلال لارتكابه جرائم عن "خطأ ومن دون دراية"، تحت عنوان "لم نكن نعلم".

وجاء استهداف إسرائيل للجيش اللبناني، أمس الخميس، على بُعد ساعات من اتصال أجراه وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن بنظيره الإسرائيلي يواف غالانت، أعرب فيه عن قلقه العميق إزاء استشهاد 3 عسكريين في الجيش اللبناني بنيران إسرائيلية، الأحد الماضي، مشدداً على "ضرورة أخذ كلّ التدابير اللازمة لضمان أمن القوات المسلحة اللبنانية وقوات حفظ السلام الأممية العاملة في جنوبي لبنان".

لماذا يستهدف الاحتلال الجيش اللبناني؟

في هذا الإطار، يقول العميد الركن ورئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة الدكتور هشام جابر لـ"العربي الجديد"، إنّ "استهداف الجيش اللبناني يوم الخميس أتى بعد ساعات قليلة من تصريح وزير الدفاع الأميركي، الذي تحدث فيه عن ضرورة ضمان أمن القوات المسلحة اللبنانية، لكن أتى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ليقول إنه يقوم بما يراه مناسباً، ضارباً عرض الحائط بالنصائح والتصريحات والقرارات الأميركية، وأكبر دليل يوم قال العدو إنه يسمع لأميركا ويفعل ما يناسبه، ونحن نقول إن الجيش اللبناني سيبقى حصرماً بعين الإسرائيلي".

ويشير جابر إلى أن "الغرب يتحدث دائماً عن دعم الجيش، لكنه لا يترجم ذلك، فالجيش محرومٌ من كل الإمكانات التي تسمح له بالقيام بدوره، محرومٌ من السلاح والدفاع الجوي وغيرها من اللوازم التي تجعله قادراً على مواجهة إسرائيل، وأي اعتداء عليه"، لافتاً إلى أنّ "الجيش لديه أوامر مسبقة إذا تعرض للاستهداف وكان بمربض مدفعية ومعه سلاحه أن يردّ على أي اعتداء أو قصف، ولكن كيف سيرد إذا حصل قصفٌ مباشرٌ عليه بالطائرات؟ ليس لديه أي دفاع جوي ضد الطائرات، وليست لديه مدافع مضادة للطائرات، ولا صواريخ، ولا نظام دفاعي، وهذا أصلاً مرفوضٌ تأمينه له، حتى الهدية التي أتت من روسيا تم رفضها من لبنان، لأن هناك قراراً بمنع دعمه العسكري، وإلا سيكون لبنان عرضة للعقوبات الأميركية، وهذا منذ زمن وليس بجديدٍ، وهذا للأسف الواقع المرير".

ويضيف جابر "الجيش اللبناني أعاد منذ أكثر من أسبوعين تموضعه في ظل التهديدات الإسرائيلية التي وُجِّهت له ولقوات اليونيفيل، ومع ذلك يتم استهدافهما"، لافتاً إلى أنّ "الجيش كان قد ردّ سابقاً على مصادر النيران الإسرائيلية، وهو يقوم بواجباته لكنه يُستهدف عن قصدٍ، تماماً كحال المدنيين الذين يقصفون يومياً ونسبتهم تتجاوز الـ70%، والأهداف باتت معروفة بالنسبة إلى الإسرائيلي، سواء في الضاحية الجنوبية لبيروت أو غيرها من المناطق اللبنانية، التي يثبت أن لا سلاح فيها لحزب الله ولا مخازن، لكن الإسرائيلي يريد أن يقتل ويدمّر تماماً كما يفعل في غزة، ويريد أن يقلّب الناس بعضها على بعضها ويخلق حالة نقمة في الداخل على حزب الله".

ويتوقف العميد جابر عند استهداف العميد فرحات، الذي تصدّى لجيش الاحتلال سابقاً، معتبراً أنّ ضربه مباشر ومتعمّد، فهو استُهدف بعملية انتقامية وثأرية مقصودة، مشيراً إلى أنّ الجيش اللبناني كان من الأهداف الإسرائيلية أيضاً في حرب يوليو/ تموز 2006، واستشهد العديد من العناصر العسكريين وقتها، وقصف الاحتلال مراكزه حتى في منطقة عكار في الشمال اللبناني، رغم أنه لم تكن له علاقة بالحرب.

تبعاً لذلك يشير العميد جابر إلى أن كل هذا ليس مستغرباً، بل يدخل ضمن بنك أهداف العدوان على لبنان، إذ هناك مسرحان، الأول قتال والثاني القتل، مسرح القتال هو في الجنوب، حيث لم يستطع الاحتلال أن يحقق أيّ انتصار ولا أيّ نتيجة، فيما مسرح القتل والتدمير يتم من قبل العدو في كل لبنان ولا يكلفه شيئاً باستخدامه طائرات مُقدّمة من أميركا مجاناً، وبذخيرة كبرى، ولا يُعرّض فيها أياً من ضباطه وجنوده لاحتكاك أو خطر، ولا طائراته، خصوصاً أن لا دفاع جوياً في لبنان، لافتاً إلى أنّ حزب الله تمكن من تغيير مسرح القتال، وقد عاد ليرفع مستوى الأهداف لديه ونوع الصواريخ التي يطلقها ويضرب فيها قلب إسرائيل، ويسبّب لها الخسائر، وهو ما يثير غضب (رئيس حكومة الاحتلال بنيامين) نتنياهو الذي بدوره ينتقم بالتدمير على مستوى واسع من لبنان، وصل حتى إلى منطقة جبيل (محافظة جبل لبنان)، بحيث لم يترك أي مكان في لبنان آمناً، باعتبار أنه يريد أن يخلق جواً بعدم الأمن والأمان.

ويضع جابر استهداف الجيش اللبناني في الإطار نفسه لضرب الاحتلال قوات اليونيفيل، قائلاً: "الاثنان ليسا ضمن دائرة الصدفة، بل كله عن قصد"، مشيراً في المقابل إلى أن "لا أحد يمكنه معرفة إلى أين يتجه مسار الأمور، لكن باختصار الأمر كله متعلق بالعدوان الإسرائيلي المرتقب على إيران، خصوصاً لناحية حجمه وأهدافه وتأثيره، وكذلك الردّ الإيراني على إسرائيل". ويضيف "لا أحد باستطاعته أن يوقف إطلاق النار، وللأسف فقدنا فرصاً كثيرة لوقف إطلاق النار، وتحدثت بذلك في شهر أغسطس/ آب الماضي، حيث كان يجب التمسك بتطبيق القرار 1701 والسير به، وقلت وقتها إن حزب الله سيقبل به وكنت متأكداً من ذلك، لكننا أضعنا الفرصة، والآن نتنياهو يريد 1701 بلاس (+)، وهذه البلاس خطيرة جداً".

المساهمون