قرّر رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري في الذكرى السادسة عشرة لاغتيال والده رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، كشف أوراقه وتفاصيل اجتماعاته مع الرئيس ميشال عون، ورفع مستوى الخطاب، فالتحدي، والتمسّك بـ"ثوابته الحكومية" رافضاً خوض غمار التنازلات.
واختار الرئيس الحريري، اليوم الأحد، "مصارحة اللبنانيين" -وفق تعبيره- في كلمة متلفزة بعد إلغاء الاحتفال المركزي من جراء تفشي فيروس كورونا، قائلًا: "بعد كمية الكذب والافتراءات والخرافات التي خرجت منذ تكليفي تشكيل الحكومة، بطريقةٍ لم تعد تُطاق. صبرت وانتظرت لإعطاء الفرص وما زلت أعطي الفرص، لكن الافتراء أصبح كبيراً، والكذب لا يُحتمل"، وذلك في أقوى هجوم للرئيس المُكلَّف على رئيس الجمهورية ومن خلفه رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، و"فريقه" من المستشارين، من دون أن يسمّيهم، لكنّهم حازوا على القسم الأكبر من خطابه واتهاماته لهم بالتعطيل وإضاعة الفرصة الأخيرة أمام لبنان للنهوض والخروج من الانهيار.
وعرض الحريري وقائع الجولات الـ16 من اللقاءات التي جمعته مع رئيس الجمهورية في قصر بعبدا، منذ تكليفه تشكيل الحكومة في 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأكد أنه تسلّم من رئيس الجمهورية في اللقاء الثاني بينهما أسماء المرشحين للحقائب الوزارية مدوّنة بالألوان، خلافاً لنفي سابقٍ للرئيس عون بذلك، يوم بدأت معركة الاتهامات المتبادلة بالكذب والتعطيل بين الرئيسين وفريقيهما السياسي والإعلامي.
وأشار الحريري إلى أنه بعد جولات التشاور الـ14 "قدّمت اقتراحاً بتشكيلة من 18 وزيرا غير حزبيين، اختصاصيين ومن أصحاب الكفاءة قادرين على تنفيذ الإصلاحات لوقف الانهيار وإعادة إعمار بيروت، ولا يمنح لأي فريق سياسي الثلث المعطل أي 7 وزراء"، وهي نقطة يشدد الرئيس المكلف على ألّا تراجع فيها، باعتبار أن "الثلث المعطل، قادر على فتح أبواب التفاوض والمقايضة ومنع النصاب عن الجلسات وحتى إقالة الحكومة"، وهو ما يتّهم الحريري فريق رئيس الجمهورية بأنه يريده في حين يصرّ الرئيس عون على نفي ذلك في كل تصريح أو بيان إعلامي.
وتساءل الحريري: "لماذا تريدون الثلث المعطل؟ ومن ماذا تخافون؟ ما دام الرئيس موجودا ورئيس مجلس النواب؟ إلّا إذا خلف الستارة هناك من يحرّك ويشجّع على ذلك؟"، لافتاً إلى أنّه من أصل 18 وزيراً "اعتبرت أن للرئيس عون 6 وزراء من بينهم وزير لحزب الطاشناق الذي يصوّت مع تكتل لبنان القوي (يمثل التيار الوطني الحر في البرلمان) في مجلس النواب، علماً أن التيار الوطني الحر لم يسمني في الاستشارات النيابية غير الملزمة، و4 منهم أسماء تنطبق عليها كل المواصفات من اختصاص وكفاءة وعدم انتماء حزبي، اخترتها من لائحة الرئيس عون، والخامس شخصية محترمة، غير حزبية مقرّبة من رئيس الجمهورية وسبق أن طلب مني شخصياً دعم ترشيحها لمنصب مرموق".
وأضاف: "في التشكيلة نفسها، اقترحت لوزارة الداخلية اسم قاضٍ معروف، مشهود بكفاءته ونظافته، وسبق وحكم ضد تيارنا السياسي في القضاء، ومقرب من قصر بعبدا، وبدل أن يعطي الرئيس عون ملاحظاته على التشكيلة وفق الدستور، والمنطق، ومصلحة البلد واللبنانيين، أتى الجواب بالإعلام، بالخطابات، والبيانات والتسريبات".
ورفض الحريري اتهامه من قبل الرئيس عون وفريقه السياسي بأنه "يعتدي على حقوق المسيحيين وصلاحيات الرئيس الدستورية"، مؤكداً أنه "ترك له حرية الاختيار، وكان منفتحاً على كلّ اقتراحاته". كما وجه جملة تساؤلات مبطّنة بالاتهامات، حول "تمسّك الرئيس عون دائماً بحقوق المسيحيين والتلطي خلفها لتحقيق مطالبه واللعب على وتر الشارع المسيحي"، غامزاً من قناة تعطيل رئاسة الجمهورية لثلاث سنوات من قبل عون يوم كان نائباً ورئيس تكتل التغيير والإصلاح، والدور الذي لعبه الحريري بوصوله إلى رئاسة الجمهورية.
وأشار الحريري إلى أن الرئيس عون لم يأتِ بجواب مشجع، و"عاد إلى نغمة الـ6 وزراء زائد وزير الطاشناق، وهو ما يعتبر من فريقه السياسي وإن أنكر الرئيس ذلك، أي أنه يريد الثلث المعطل، وهذا أمر مستحيل".
وأبدى الحريري "جهوزيته واستعداده الدائم والتزامه اليوم قبل الغد تشكيل الحكومة وبدء مشوار الإصلاح وفق المبادرة الفرنسية"، جازماً بأنه "لن يتراجع، وجولاته الخارجية، هدفها حشد الدعم وترميم العلاقات مع الدول خصوصاً العربية، وكسب ثقة المجتمع الدولي"، رافضاً تحويل لبنان إلى "منصة للهجوم على الدول العربية والخليجية الشقيقة"، في رسالة واضحة إلى "حزب الله" وصراعاته الإقليمية.
وشدد الحريري، في كلمته أيضاً، على أنّ "الإصلاح يبدأ باستقلالية القضاء وليس بالضغط السياسي عليه، الذي من شأنه أن يبقي على الفساد، ويدمر مصداقية السلطة القضائية"، متهماً من يمنع تشكيل الحكومة اليوم بأنه "يريد خراب البلد لمصالحه الشخصية".
وقال الحريري: "بعد كل محاولات الإصلاح التي تم إفشالها، أصبح كل مستثمر لبناني أو غير لبناني لديه مطلبان: الأول أن يبدأ الإصلاح، والثاني هو تغيير طريقة عمل وعقلية أوصلتنا إلى ما نحن عليه".
وفي سياق اغتيال الرئيس رفيق الحريري، في 14 فبراير/ شباط 2005، قال الحريري: "منذ بضعة أشهر صدر حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان على سليم عياش (ينتمي إلى حزب الله ويحاكم غيابياً)، أحد قتلة الرئيس رفيق الحريري، وهذا الحكم سينفذ، وعياش سيُسلّم، مهما طال الزمن"، في رسالة واضحة إلى "حزب الله" الذي يرفض تسليمه، كما لا يعترف بقرارات المحكمة الدولية.
كما تطرق إلى مسلسل الاغتيالات، وآخر حلقاته اغتيال الناشط والكاتب السياسي لقمان سليم، مؤكداً أنّ "هذا المسلسل يجب أن يتوقف، وسيتوقف، وإلا نكون أمام مشكل كبير في البلد، وغضب الناس الذي انفجر قبل 16 شهرا، سيكبر، ومن حقه أن يكبر ويجب أن يكبر، والحل موجود، وجاهز، والعالم كله مستعد لمساعدة لبنان، ووقف الانهيار وإعادة إعمار بيروت، ولكنه ينتظر كبسة الزر، والزر هو بحكومة اختصاصيين وغير حزبيين، قادرة على تحقيق الإصلاحات التي فصّلتها المبادرة الفرنسية".
وجاء ردّ مكتب رئاسة الجمهورية اللبنانية على الرئيس الحريري مقتضبًا، بالقول: "مرة جديدة استغل رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ذكرى استشهاد والده ليلقي كلمة تناول فيها ملابسات تشكيل الحكومة وضمّنها مغالطات كثيرة وأقوالا غير صحيحة لسنا في وارد الرد عليها مفصلاً لتعذر اختصار 14 جلسة ببيان". وأضاف: "تكفي الإشارة إلى أن ما أقر به الحريري في كلمته، كاف للتأكيد على أنه يحاول من خلال تشكيل الحكومة فرض أعراف جديدة خارجة عن الأصول والدستور والميثاق".
ولا تزال العقد التي تحول دون تشكيل الحكومة الجديدة موجودة رغم زيارة الحريري الأخيرة إلى باريس ولقائه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
ولم يساهم اللقاء الذي عقد أول من أمس الجمعة بين الرئيس ميشال عون ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، في تقريب المسافات، لا بل أتت كلمة الأخير وما تلاها من توضيح من مكتب الرئاسة اللبنانية لتؤكد أن لا تقدّم على المستوى الحكومي، وأن الأجواء مشحونة جداً بين الطرفين.