نجح النظام السوري، بدعم رئيسي من حليفه الروسي، في التحايل على مسار اللجنة الدستورية، المصاب بالفشل بعد خمس جولات وحوالي عام وثلاثة أشهر على انطلاقته، من خلال اللعب على عامل الوقت بالمماطلة والتعطيل بزج مواضيع ونقاشات غير دستورية خلال اجتماعات الجولات، ما أدى إلى انعدام النتائج بالمطلق، والتي كان من المتوقع أن تتمخّض عن هذا المسار.
ومع تلويح المعارضة خلال الجولة الأخيرة التي انتهت نهاية الشهر الماضي باللجوء إلى خيار تعليق مشاركتها باللجنة، في حال لم ينصع وفد النظام المشارك في العملية لبحث المضامين الدستورية الأساسية، لم يكن للأخير إلا الكشف عن نواياه الحقيقية بكونه جاء إلى المسار لمناقشة القضايا الدستورية، لكن دون أن يشارك في وضع صياغات ونصوص دستورية. كل ذلك ترافق مع عجز المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسن، المشرف المباشر على المسار، وعدم قدرته على إقناع وفد النظام وحليفيه الروسي والإيراني، بالضغط على وفد دمشق للانخراط جدياً بالعملية، بغية إحداث خرق حقيقي في أعمال اللجنة.
ومع نجاح روسيا في دعم النظام بالتعطيل، تسعى اليوم من خلال المبعوث الأممي لفرض واقع جديد للعملية السياسية، انطلاقاً من رؤيتها للحل السوري، وكي لا يكون بعيداً عن حضور الأمم المتحدة متمثلاً ببيدرسن، في محاولة لتجنب الانتقادات الغربية والأميركية على وجه الخصوص.
وفي هذا الإطار، بحث نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، مع بيدرسن، يوم أمس الجمعة، قضايا التسوية السياسية في سورية، بحسب ما نقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية، عن وزارة الخارجية الروسية. وجاء في بيان للوزارة نشر على موقعها الإلكتروني ونقلته الوكالة حول مباحثات فيرشينين – بيدرسن، أنه "تمت مناقشة المهام العاجلة للتحرك نحو تسوية سياسية طويلة الأمد ومستدامة في سورية، مع الأخذ بالاعتبار المناقشة المقبلة لهذه التسوية في اجتماع مجلس الأمن الدولي".
ويأتي الطرح الروسي حول "تسوية سياسية طويلة الأمد ومستدامة" في سورية، بالتزامن مع بدء روسيا بالترويج لإعادة انتخاب الأسد لفترة رئاسية مقبلة، خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد حوالي أربعة أشهر من الآن، وتعمل موسكو على التمهيد لتعويم الأسد مجدداً وإعادة انتخابه من خلال فكرة الوصول إلى تسوية شاملة تحاول زج الأمم المتحدة فيها، في ظل غياب للدور الأميركي بعد وصول الإدارة الجديدة للبيت الأبيض برئاسة بايدن.
وتعليقاً على ذلك قالت ربا حبوش، نائبة رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، والمتحدثة الرسمية باسمه، عن الطرح الروسي إنه "لا يمكن أن يكون هناك حل مستدام في سورية إلا برحيل الأسد ونظامه من خلال تطبيق كامل لقرار مجلس الأمن 2254، مشيرة في تصريح لـ "العربي الجديد" إلى أنه "طالما تدعم روسيا هذا النظام، فهذا لا يعني أنهم يبحثون عن حل، وأولى الخطوات يجب أن تكون بالانخراط الكامل بالمفاوضات والحل السياسي، وإطلاق سراح المعتقلين، ووقف الخروقات وقصف المدنيين، وتشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، وصياغة دستور جديد للبلاد".
ورأى الباحث المطلع على الشأن الروسي، محمود حمزة، المقيم في روسيا، أن "المباحثات التي تمت بين نائب وزير الخارجية الروسي فيرشينين وبيدرسن، لا بد أنها تطرقت لفشل مسار اللجنة الدستورية، ولا سيما الجولة الأخيرة منها، ولهذا الغرض ستُعقد اجتماعات بصيغة أستانة من جديد بعد أيام".
من المهم للروس أن لا يتركوا اللجنة الدستورية تموت، وهذه مصلحة مشتركة مع بيدرسن أيضاً، ليحافظ على فعالية منصبه كمبعوث دولي
وخلاف الاتهامات الموجهة نحو روسيا، بمساعدة النظام لتعطيل المسار الدستوري، فإن حمزة يرى في حديث لـ "العربي الجديد" أن "من المهم للروس ألا يتركوا اللجنة الدستورية تموت، وهذه مصلحة مشتركة مع بيدرسن أيضاً، ليحافظ على فعالية منصبه كمبعوث دولي إلى سورية، لكن الحقيقة أن الموقف الروسي لا يحمل أية جدية، فلا يزال المسؤولون الروس يبحثون عن طرق ملتوية لتوليفة سياسية معينة في سورية".
ويعتقد الباحث حمزة أن "هناك تنسيقاً روسياً – أميركياً حيال ذلك، إن لم يكن الآن ففي المستقبل القريب، لإيجاد تسوية سياسية في سورية، وقد لا يكون لها شكل حل سياسي يرضي السوريين وجميع الأطراف، وهذا متوقع لأنه لا الولايات المتحدة ولا روسيا ستضع بحسبانها تطلعات الشعب السوري، غير أنه من المهم بالنسبة للروس والأميركان أن تكون هذه التسوية ترضي إسرائيل بشكل رئيسي، وقد تنخرط فيها تركيا فيما بعد للخروج بتوليفة سياسية للبلاد، وهذا ما يقصده فيرشينين بحديثه عن تسوية سياسية طويلة الأمد".
ويشير حمزة إلى أنه قد يُفهم من الطرح الروسي أن "تكون هناك حكومة وطنية بعد الانتخابات الرئاسية، تشارك فيها بعض الشخصيات من المعارضة، ليوحوا بأن هناك تسوية وإصلاحاً سياسياً معيناً، ومن ثم يأتي موضوع الدستور في مرحلة لاحقة، ربما بعد سنة أو عشر سنوات، وذلك لا يمكن تسميته إلا بذر الرماد في العيون".
ويؤكد حمزة أن "النظام سيبقى دائم السعي لفرض سطوته بالحل العسكري، فلا اللجنة الدستورية هي خياره ولا أي مسار من مسارات الحل السياسي، وروسيا دعمته، وقد حققت عملياً انتصاراً عسكرياً لصالحه، وهو يصر على فرض الخيارات الأمنية والعسكرية، لكن روسيا ستذهب الآن لجهة فرض تسوية سياسية للبدء بمرحلة إعادة الإعمار، الأمر الذي يحتاج لتمويل الدول الأوربية والخليجية ودعمها للبدء بهذه المرحلة، وهذا لن يحصل دون المرور بخطوات سياسية، ولهذا السبب نرى أن الروس ينسقون مع بيدرسن، ويفكرون في طريقة للخروج من الورطة التي أوقعوا أنفسهم بها، حيث تكمن ورطتهم الحقيقية بأن النظام فاشل، ورئيسه الأسد هزيل وليست لديه قوة وكفاءة لإدارة البلاد، والبلاد منهارة وتحتاج لمن ينقذها ويقدم لها الأموال، والروس والإيرانيون غير مستعدين لتقديم المال، وبالتالي هم مجبرون على البحث عن صيغة سياسية جديدة".
وشهدت الجولة الماضية من أعمال اللجنة الدستورية اجتماعات موازية لممثلي الدول الضامنة لصيغة مسار أستانة في جنيف، بعد أن قصدت جنيف وفود عن روسيا برئاسة مبعوث الرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف، وكل من تركيا وإيران، إذ روّج الروس بين وفد المعارضة لضرورة الذهاب لحل الخلافات في أستانة بعد تعثر مسار اللجنة الدستورية، وبالفعل قررت الدول الضامنة بعد اجتماعها مع بيدرسن مواصلة المشاورات حول عدد من المواضيع خلال الجولة المقبلة من مسار أستانة، والتي تم تحديدها خلال الاجتماع في 16 و17 من فبراير/ شباط المقبل.
ويبدو أن الروس سيخرجون المسار من القمقم بعد أكثر من عام على تجميده، باستغلال الانشغال الأميركي عن القضية السورية، بعد أن كانت روسيا قد أطلقت هذا المسار قبل أربعة أعوام عندما كانت الإدارة الأميركية السابقة ترتب أوراقها بعد فوزها بالانتخابات التي أوصلت ترامب للبيت الأبيض للالتفاف على مسار جنيف الأممي للحل السوري، وعمل فريق ترامب طويلاً، فيما بعد، لتعطيل مسار أستانة ومحاولة العودة لمظلة الأمم المتحدة، ونجح بالوصول إلى توافق لإطلاق عمل اللجنة الدستورية، لكن تعطيل النظام وروسيا وإيران، كان حاضراً ما حال دون نجاحها.
وعقب انتهاء الجولة الأخيرة من أعمال اللجنة الدستورية، نهاية الشهر الماضي، وفي تعبير واضح عن فشل هذه الجولة، قال بيدرسن إنه أبلغ أعضاء اللجنة الدستورية بأن الجولة كانت مخيّبة للآمال، لافتاً إلى أن وفد النظام رفض المقترحات التي قدّمها للجنة، ومعلناً أنه لم يتم تحديد موعد للجولة المقبلة من اجتماعات اللجنة. مضيفاً أنه سيزور دمشق كما سيلتقي بمسؤولين روس وإيرانيين للمضي في المفاوضات.