قبل أيام كتب الصحافي السوداني المقيم في ولاية جنوب دارفور محجوب حسون مقالات ينتقد فيها أداء والي الولاية المكلف من قبل السلطة الانقلابية حامد التجاني هنون، فما كان من الوالي إلا أن رد في واحدة من مجموعات تطبيق "واتساب" موجهاً إساءات عنصرية للصحافي.
تم تصوير تلك العبارات، ووجدت حظها من النشر على مواقع التواصل الاجتماعي، مع سيل من الانتقادات التي طاولت الوالي، والمطالبة بإقالته أو استقالته. وبعدما أعلن حسون تحريك إجراءات قانونية لدى نيابة المعلوماتية ضد الوالي، فإنه سرعان ما تراجع، عقب زيارة من الوالي إلى منزل أسرته، وتقديم اعتذار وطي ملف القضية.
لا أحد يحجر على أي شخص حقه في العفو والصفح، لكن قضايا العنصرية كمرض اجتماعي خطير ليست شخصية، وتصنف ضمن قضايا الحق العام. فالعفو لا يعفي الدولة من مواصلة الإجراءات، وهذا ما لم يحدث، رغم أن السودان، وغيره من البلدان، دفع أثمان العنصرية دماً ودموعاً، ما يفرض على أي سلطة محترمة التعامل معها بكل جدية وحزم.
الغريب في القصة أن السلطة الانقلابية صمتت كلياً عن اتخاذ أي موقف من الوالي المكلف من قبلها، ولم تتكرم حتى بتصريح أو بيان يساند الصحافي ويدين العبارات العنصرية، وخصوصاً أن الإساءة طاولت مكونات اجتماعية وقبلية برمتها، وليس شخص الصحافي ولا أسرته. وخاب أمل من كان يترقب صدور قرار من قائد الانقلاب عبد الفتاح البرهان بإقالة الوالي، كما خابت آمال أخرى في البرهان وسلطته، التي مرت عليها فترة أكثر من عام عجزت خلالها عن القيام بأي أمر إيجابي.
هذه ليست المرة الأولى التي تتغاضى فيها الدولة والمجتمع عن التنابذ العنصري المهدد للمجتمع ككل. ففي إبريل/ نيسان الماضي، سمع السودانيون، في بث مباشر من داخل قاعة محكمة المتهمين بتنفيذ انقلاب 30 يونيو/ حزيران 1989، إساءات عنصرية من أحد المحامين موجهة لمدير التلفزيون الحكومي لقمان أحمد. ورغم مرور كل تلك المدة، لم يُقدم المحامي المعني لمحاكمة، ولم تتحرك أجهزة الدولة، من نيابة وقضاء وشرطة، لفعل شيء حياله.
إن الصمت والتهاون مع العنصرية يعني بوضوح شديد توقع المزيد من الاحتقانات الاجتماعية التي لا يحتملها الوضع السوداني الهش، في تجلياته السياسية والأمنية والاقتصادية، ويعني أن ننتظر المزيد من الاقتتال القبلي، الذي أنتج في العقود السودانية السابقة مئات الآلاف من القتلى، جاءت جل معاركها من مستصغر الشرر.