يوم الثالث عشر من يناير/كانون الثاني الماضي، لقي العميد شرطة علي بريمة، مصرعه أثناء عملية للقوات الأمنية السودانية، لتفريق موكب احتجاجي رافض للانقلاب العسكري في العاصمة الخرطوم.
وفي التاسع من مارس/آذار، لحق بالعميد بريمة، الرقيب في الحرس الجمهوري ميرغني الجيلي، والذي قُتل خلال موكب آخر، كان ينوي التوجّه إلى القصر الرئاسي لإجبار العسكر على التنحي عن السلطة وتسليمها للمدنيين. علماً بأن الضابط والرقيب هما الضحيتان الوحيدتان لكل القوات الأمنية التي تتعامل مع الاحتجاجات الشعبية منذ أكثر من 7 أشهر.
في المقابل، فإنه منذ تاريخ وقوع انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وحتى اليوم، لقي ما لا يقل عن 98 شخصاً مصرعهم، إما برصاص السلطة الانقلابية، أو دهساً بسيارة عسكرية، أو اختناقاً بالغاز المسيل للدموع، أو غيرها من أدوات العنف المفرط الذي يقابل به الانقلاب مناوئيه.
بالعودة إلى مقتل بريمة، فإن البرهان هرع أولاً للمشاركة في صلاة الجنازة، ثم ذهب بعد ذلك إلى أسرة الفقيد معزياً، ومتعهداً بالكشف عن الجناة وتقديمهم للمحاكمة. وفي الوقت نفسه، بدأت فرق التحري والنيابة تحقيقاتها بعد ساعات قليلة من مقتل العميد، ونهاية يوم الحادثة، ألقي القبض على مجموعة من المشتبه فيهم.
وفي الأيام التالية، أضيفت قوائم جديدة للاتهام، وتم في النهاية توجيه الاتهام النهائي بالقتل العمد لخمسة من أبرز ناشطي الثورة السودانية، وأوصلت القضية إلى القضاء، أمس الأول الأحد، ليفصل فيها بالإدانة أو البراءة.
وبشأن مقتل الرقيب في الحرس الجمهوري، فإن مجلس السيادة، أصدر يومها، بياناً نعى فيه الفقيد، ولم يتوان عن توجيه الاتهام لبعض المتظاهرين بضرب الرقيب بآلة حادة في رأسه، ما تسبّب بوفاته.
ومن المفارقة أن المجلس وصل إلى تلك النتيجة قبل أن تشرع فرق التحقيق في عملها، وحينما باشرت أجهزة الشرطة والاستخبارات العسكرية مهمة البحث عن قتلة الرقيب، أوقفت بسرعة كبيرة عدداً من المشتبه فيهم، وليس بعيداً أن تحيل الملف للقضاء في أي لحظة.
في المقابل، وبعد مضي أكثر من 7 أشهر على الانقلاب، وسفك دماء المتظاهرين السلميين، لم تعلن سلطات الانقلاب العسكري عن إلقاء القبض على المتورطين في قتل الثوار.
هذا قبل التفكير في تقديمهم للمحاكمة، إضافة إلى عشرات الثوار الذين قضوا أثناء عملية فض اعتصام محيط قيادة الجيش في يونيو/حزيران 2019 أو الشهداء الآخرين الذين قُتلوا أثناء حكم الرئيس المخلوع عمر البشير. مطالب أهالي كل هؤلاء تذهب أدراج الرياح.
المقارنة البسيطة والمبسطة تلك، تفضح ازدواجية معايير العدالة لدى انقلابيي السودان، وتكشف حجم التفريق عندهم، ما بين دم يرونه عزيزاً يُجنّد له الجنود للاقتصاص له، ودم آخر رخيص، يأمن من يهدره في الشوارع عقاب القضاء ويفلت بحصانات وتحصينات السلطة.
ليس مطلوباً من السلطة غضّ الطرف عن ملاحقة قتلة القوات النظامية، ولا عن تقديمهم للمحاكمة، أياً كانت هوياتهم أو مواقفهم، فذلك واجب أخلاقي وإنساني وقانوني وديني. لكن المطلوب من سلطة الأمر الواقع فقط، أن تتحلى بذات الإرادة والقدرة والحماسة للكشف عن قتلة شباب الثورة، وتقديمهم للقضاء. وإذا فشلت في فعل ذلك فستؤكد المؤكد عند الكثيرين، أنها متورطة في كل قطرة دم خلال ثورة السودان.