السودان: مجزرة في سنار والجيش يؤكد مقتل قائد قوات الدعم السريع بالفاشر

14 يونيو 2024
جثث القتلى إثر قصف قرية الشيخ السماني في ولاية سنار، 14 يونيو 2024 (إكس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في ولاية سنار بالسودان، قوات الدعم السريع شنت هجومًا على قرية الشيخ السماني، مما أسفر عن مقتل وإصابة عشرات المدنيين ونزوح مئات الأسر، وسط استخدام الأسلحة الخفيفة والثقيلة ونهب الممتلكات.
- حزب المؤتمر السوداني وحاكم إقليم دارفور يدينان الهجوم، مع تسليط الضوء على استمرار المعارك في الفاشر وتساؤلات حول مصادر تسليح المليشيات، بينما مجلس الأمن الدولي يدعو لوقف القتال وحماية المدنيين.
- الحكومة السودانية تجدد التزامها بإعلان جدة والقانون الدولي الإنساني، فيما تعبر الإمارات عن دعمها للسودان، مؤكدة على أهمية الحلول السياسية ووقف إطلاق النار لاستعادة الحكم المدني.

قال شهود عيان بولاية سنار في السودان إن عشرات المدنيين، بينهم أطفال، قتلوا وأصيبوا على يد قوات الدعم السريع بقرية من قرى الولاية الواقعة جنوب البلاد. ووقعت المجزرة الجديدة، مساء أمس الخميس، بقرية الشيخ السماني، شرق ولاية سنار، حينما هاجمت قوة من قوات الدعم السريع القرية وأطلق عناصرها وابلا من الأسلحة الخفيفة والثقيلة على الأهالي ونهبوا العربات والمنازل، فيما غادرت مئات الأسر القرية ونزحت إلى مناطق قريبة.

ونشر ناشطون مقاطع فيديو لأعداد من الجثث الموزعة في ردهات مستشفى قريب، مع بكاء ونحيب من الأهالي.

وأصدر حزب المؤتمر السوداني بولاية سنار بيانا، قال فيه إن قوات الدعم السريع شنت قصفًا مدفعيًا على منطقة الشيخ السماني بمحلية شرق سنار، استخدمت فيه مسيّرات، وأسفر ذلك عن سقوط 20 قتيلًا من المدنيين، والعشرات من المصابين بجروح متفاوتة، ونزوح الآلاف من أهالي المنطقة. وأكد الحزب إدانته للمجزرة الواقعة على المدنيين الأبرياء، والتي حمّل مسؤوليتها بشكل كامل لقوات الدعم السريع، كما استنكر الحزب "مواصلة الأطراف المتحاربة في توسعة رقعة العمليات العسكرية لتشمل المناطق الآمنة نسبيًا".

ولم يصدر الجيش السوداني ولا الدعم السريع بيانات حول الحادثة، فيما ذكر حاكم إقليم دارفور مني أركو ميناوي أن المجزرة في سنار استخدمت فيها قوات الدعم السريع المسيّرات والمدفعية، وأن هناك ضحايا من الأطفال والأمهات. وعدّ ميناوي ذلك "إرهابا تمارسه المليشيا ضد العزّل"، متسائلا: "من يزود تلك المليشيات بالأسلحة والمعدات المتطورة؟ ألا يحق للعالم أن يبدأ إدانته للدولة الداعمة؟".

وفي مدينة الفاشر، غرب البلاد، تستمر المعارك العنيفة بين الجيش والحركات المتحالفة من جهة، والدعم السريع من جهة أخرى، وهي المعارك الممتدة منذ العاشر من شهر مايو/أيار الماضي. وقال الجيش السوداني، اليوم الجمعة، إنه قتل علي يعقوب جبريل، قائد قطاع وسط دارفور في قوات الدعم السريع، خلال معركة في الفاشر، وفقا لـ"رويترز". ولم يصدر تعليق بعد عن قوات الدعم السريع التي تواصل قصفها على الأحياء الجنوبية للمدينة في محاولة للتوغل إلى داخلها. 

وعلي يعقوب واحد من أبرز القادة الميدانيين لقوات الدعم السريع، ويقود قطاع ولاية وسط دارفور، وأُلحق أخيرا بالعمليات العسكرية في مدينة الفاشر، وأصدر مكتب مراقبة الأصول التابع لوزارة الخزانة الأميركية في حقه عقوبات مالية لقيادته عمليات عسكرية شهدت انتهاكات واسعة في إقليم دارفور، بما في ذلك الهجمات الأخيرة التي شنتها قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر في شمال دارفور.

وفي تطور لاحق، قال الجيش السوداني في تعميم إن ما أسماها "مليشيا آل دقلو الإرهابية" جددت صباح الجمعة الهجوم على مدينة الفاشر في تحدٍّ جديد لأحدث دعوة وقرار من مجلس الأمن الداعي لوقف الهجوم وحصار مدينة الفاشر. 

وأوضح التعميم الصحافي أن القوات المسلحة والقوة المشتركة "أحبطت الهجوم وكبدتهم خسائر كبيرة تمثلت في مئات القتلى والجرحى، من ضمنهم قائدهم المجرم علي يعقوب، الذي لقي مصرعه في محاولة الهجوم الفاشلة، كما دمرت واستلمت القوات عشرات العربات القتالية من المتمردين الذين لاذوا بالفرار".

وفي بيان من القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح التي تقاتل إلى جانب الجيش في الفاشر، قالت: "لما يقارب شهراً من الزمن ظل علي يعقوب، قائد مليشيا الجنجويد، يدير حملة بربرية انتقامية وحشية للهجوم على مدينة الفاشر والقرى المجاورة".

وأشار البيان إلى أن "القوات المشتركة وقوات الشعب المسلحة والقوة الشعبية للدفاع عن النفس، والمقاومة الشعبية، وضعت خطة عسكرية محكمة للقضاء على كامل تحركات قوات العدو في المحور الجنوبي والمحور الشرقي للفاشر، فكبدت العدو خسائر كبيرة وفادحة في الأرواح والعتاد، وتم القضاء على أكثر من ألف منهم، على رأسهم علي يعقوب، القائد والمشرف علي محرقة الفاشر والقائد الفعلي لمليشيات الجنجويد بدارفور والسودان بعد هروب واختفاء دقلو وإخوانه". كما كشفت عن تدمير أكثر من 60 آلية عسكرية والسيطرة على أكثر من 40 آلية عسكرية ذات الدفع الرباعي، و7 من المدرعات، وثلاث حافلات للمؤن والذخائر، وأسر أكثر من 43 من أفراد قوات الدعم السريع.

وكان مجلس الأمن قد أصدر، أمس الخميس، قرارا دعا فيه قوات الدعم السريع لفك حصارها على الفاشر بما يسمح بخروج المدنيين إن رغبوا في ذلك. ونص القرار الذي ضم 14 عضوا من أعضاء المجلس وامتناع روسيا عن التصويت، على مطالبة قوات الدعم السريع بوقف حصارها للمدينة، داعيا إلى وقف فوري للقتال وخفض التصعيد في المدينة ومحيطها، وسحب جميع المقاتلين الذين يهددون سلامة وأمن المدنيين بدعم من آليات الوساطة المحلية.

وطالب المجلس جميع أطراف النزاع بضمان حماية المدنيين، بما في ذلك عن طريق السماح للمدنيين الراغبين في الانتقال داخل الفاشر وخارجها إلى مناطق أكثر أمانًا بالقيام بذلك. وأشار القرار إلى وجوب حماية جميع المدنيين وفقًا للقانون الدولي، وطلب من الأمين العام، بالتشاور مع السلطات السودانية وأصحاب المصلحة الإقليميين، تقديم المزيد من التوصيات لحماية المدنيين في السودان، بناءً على "آليات الوساطة والمساعي الحميدة الحالية".

ودعا القرار إلى التنفيذ الكامل لإعلان جدة للالتزام بحماية المدنيين في السودان، وطالب كذلك من أطراف النزاع أن تسمح وتسهل مرور الإغاثة الإنسانية بشكل سريع وآمن ودون عوائق وبشكل مستدام للمدنيين المحتاجين، بما في ذلك عن طريق إزالة البيروقراطية وغيرها من العوائق، وسرعة توفير التأشيرات وتصاريح السفر المطلوبة للعاملين في المجال الإنساني والإمدادات الأساسية.

وفي تعليقه على قرار مجلس الأمن، ذكر حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، في منشور له على وسائل التواصل الاجتماعي، أن "القرار يبدو في ظاهره التعاطف مع الفاشر، إلا أنه لا يعبر عن حقيقة ممارسة الدعم السريع للإبادة الجماعية والتطهير العرقي، واستهدافه مواقع مدنية على رأسها المستشفيات"، مبينا أن الدعم السريع تسلل لمستشفى المدينة فيما تحاول القوات المشتركة من الجيش والحركات المسلحة العمل على إخراجهم منها. وأكد أن "الدعم السريع يستخدم أسلحة متطورة تسبب بأكبر خسائر بشرية"، مبينا أن "كل تلك الممارسات لديها توصيفات محددة في القانون الدولي، إلا أن مجلس الأمن توارى خجلاً أن يسميها بمعانيها"، على حد قوله.

من جانبها، جددت الحكومة السودانية تمسكها بإعلان جدة والتزامها بالقانون الدولي الإنساني وكل ما يضمن حماية المدنيين. وأكد بيان وزارة الخارجية أن "القوات المسلحة تضطلع بمهامها الدستورية في الدفاع عن البلاد وشعبها، وتلتزم التزاماً تاماً بقواعد الاشتباك المعروفة دولياً، المستمدة من القانون الدولي". وأوضح البيان الذي صدر اليوم الجمعة على خلفية قرار مجلس الأمن أن الحكومة "تؤكد التزامها بتيسير منح تأشيرات الدخول لمنتسبي المنظمات الأممية والعاملين في المجالات الإنسانية، وهو ما ظلت تقوم به".

وأضاف البيان أن "فظائع المليشيا في الفاشر والجنينة وود النورة وعشرات القرى في الجزيرة وشمال وجنوب وغرب كردفان والخرطوم، تثبت استهدافها المتعمد للمناطق السكنية والمرافق العامة والمستشفيات، وأنها هي مصدر التهديد للمدنيين والعاملين في المجالات الإنسانية"، مضيفا أنه "كان واجباً أن تكون هناك إدانة واضحة للمليشيا على تلك الجرائم".

وأكدت الحكومة ترحيبها بدعوة مجلس الأمن لكل الدول إلى الامتناع عن التدخل في الشأن السوداني وتأجيج الحرب، مبدية استغرابها لـ "صمت مجلس الأمن عن إدانة الدول التي تأكد أنها السبب الرئيسي لاستمرار الحرب بإصرارها على مواصلة إمداد المليشيا الإرهابية بالأسلحة الفتاكة والمتقدمة لمواصلة ارتكاب فظائعها ضد المدنيين، وقد تلقى المجلس ما يكفي من معلومات حول دور تلك الدول".

ونفى البيان الحديث عن مجاعة وشيكة في السودان، إذ إن "مخزون البلاد الغذائي وفق تقارير منظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة (الفاو) ووزارة الزراعة كافٍ لسد حاجة المواطنين".

إلى ذلك، أكد أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي، أن "موقف الإمارات من الأحداث في السودان واضح ومؤمن بالحلول السياسية، ولا يحتمل التشويه أو الجهل بالحقائق، فلا بديل عن وقف فوري لإطلاق النار بين الأطراف المتحاربة والشروع بمسار استعادة الحكم المدني الدستوري"، مضيفا: "سنبقى داعمين للسودان وشعبه انطلاقاً من أخوّتنا الراسخة ومسؤوليتنا الإنسانية".

من جهته، يستبعد المحلل السياسي آدم مهدي استجابة الدعم السريع لقرار مجلس الأمن بإيقاف حصار الفاشر، إلا في سياق اتفاق يحظى بموجبه بضمان خروج الجيش والحركات التي تقف إلى جانبه من المدينة. وأوضح مهدي لـ"العربي الجديد"، أن "قوات الدعم السريع ترى أنها في طريقها إلى حسم المعركة قريباً، وبالتالي تكون قد أنهت مسألة الفاشر برمتها، ومن جهة أخرى ترى أن القرار أتى لإنقاذ الجيش وحلفائه، وليست فيه نصوص تطالب الأطراف الأخرى أو تلزمها بشيء"، موضحا أن "القرار الأممي جاء متأخراً ولم يراع الحلول السياسية المطلوبة، ولا الأوضاع الإنسانية التي كان يمكن تجنبها بموت مئات المدنيين وفرار الغالبية العظمى من سكان المدينة ومخيمات النازحين".