أوقفت الحرب بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع" العملية السياسية بين العسكر والمدنيين التي كانت قاب قوسين أو أدنى من نهايتها، وأدخلتها في مصير مجهول.
وكانت العملية السياسية قد بدأت في أغسطس/آب الماضي برعاية لجنة رباعية على رأسها الولايات المتحدة، وتضم في عضويتها المملكة المتحدة والسعودية والإمارات، وسهلت عملها آلية ثلاثية تضم كلا من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية إيغاد.
وتمكن الوسطاء خلالها من جمع العسكريين وقوى إعلان الحرية والتغيير في اجتماعات هي الأولى من نوعها منذ انقلاب الجيش والدعم السريع معا، وإطاحتهما بحكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في 25 أكتوبر/تشرين الأول. وتطور التواصل بين الطرفين لحين توقيعهما في الخامس من ديسمبر/كانون الأول الماضي على اتفاق إطاري "مبدئي" ينص على إعادة المؤسسة العسكرية لثكناتها وإبعادها عن العمل السياسي وإجراء إصلاح أمني وعسكري يقود لجيش وطني مهني واحد بدمج قوات الدعم السريع وجيوش الحركات المسلحة فيه، على أن تشكل حكومة مدنية كاملة بكل مستوياتها.
ثم عقدت ورش ومؤتمرات خاصة ناقشت مقترحات حول إكمال عملية السلام في البلاد وحل مشكلة الشرق وتجديد خريطة تفكيك نظام البشير. فيما انعقدت ورشة أخرى حول الإصلاح الأمني والعسكري ولم تكمل توصياتها الختامية نتيجة انسحاب ممثلي الجيش احتجاجا على عدم مناقشة القضايا الجوهرية، وفي مقدمتها تفاصيل دمج الدعم السريع في الجيش.
بعد ذلك انعقدت اجتماعات فنية خاصة بين الجيش والدعم عبر لجان فنية اتفقت من حيث المبدأ على وضع سقف زمني مدته عشر سنوات كحد أقصى لإكمال عملية الدمج، وعلى تكوين قيادة مشتركة من 6 أعضاء، 4 منهم من الجيش واثنان من الدعم السريع، بينما برز الخلاف الأقوى والذي فجر الموقف عندما رفض قائد قوات الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي) مقترحا بأن يكون البرهان رئيسا للقيادة المشتركة، واقترح لذلك رئيس مجلس السيادة المدني والذي سيتم تعيينه بموجب الاتفاق النهائي.
في الخامس عشر من إبريل/نيسان، وفي ظل انسداد أفق الحل بين الجيش والدعم السريع، اندلعت المواجهات بين الجانبين في وقت كانت فيه الأطراف المدنية تعمل ليل نهار على صياغة الاتفاق النهائي والدستور الانتقالي استناداً إلى الاتفاق الإطاري وتوصيات الورش والتفاهمات الموقع عليها بين العسكريين في 15 مارس/آذار الماضي تحت عنوان "أسس ومبادئ الإصلاح الأمني والعسكري".
وبعد توسع دوائر المواجهة العسكرية، لم يعد يسمع إلا دوي المدافع وأزيز الطائرات الحربية، ليختفي صوت التسوية تماما.
ويقول القيادي بقوى اعلان الحرية والتغيير محمد عبد الحكم، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن تحالفهم وكل القوى المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري مشغولة الآن بوقف الحرب وحل الأزمة بين العسكريين وتحقيق الأمن والاستقرار كأولوية قصوى ومن بعدها تأتي خطوة الجلوس للتفاوض، مبينا أنهم بدأوا خطوات فعلية لتكوين أوسع جبهة مدنية لوقف الحرب، تتألف من الأحزاب والتحالفات السياسية والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني بهدف تحقيق ضغط شعبي على الأطراف.
وأشار عبد الحكم إلى أن الأزمة في حقيقتها المطلقة هي أزمة سياسية، وأن العملية السياسية التي قطعتها الحرب هي الأساس لحل الخلافات وإنهاء الفتنة "لأن كل دقيقة تمر على البلاد تعني استمرار النزيف والدمار والخراب"، مستبعداً إلغاء الاتفاق الإطاري والبدء في تفاوض جديد "لأن الإطاري شيد على أساس متين، وحقق اجماعا واسعا ويقود نحو تطلعات الشعب السوداني في تسليم السلطة للمدنيين، ويفتح الباب لبناء وتنمية السودان".
ويتفق محيي الدين جمعة، الناطق الرسمي باسم الحرية والتغيير في الكتلة الديمقراطية، وهو تحالف يضم أحزابا سياسية وحركات مسلحة رافضة للعملية السياسية تلك، مع ما ذهب إليه محمد عبد الحكم من أن جوهر الأزمة سياسي امتدت آثاره للتداعيات الأمنية الراهنة، وقال لـ"العربي الجديد"، إن المطلوب أولا هو وقف إطلاق النار وفتح ممرات إنسانية آمنة وحماية المدنيين وممتلكاتهم، ثم الجلوس على طاولة حوار سوداني - سوداني لا يستثني أحدا ويشارك فيه العسكريون للوصول لصيغة جديدة لإدارة الفترة الانتقالية وصولا للانتخابات العامة.
لكن جمعة اعتبر أن العملية السياسية السابقة وتحديدا الاتفاق الإطاري هو السبب الأساسي لاندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، قائلا: "يجب إلغاؤه اليوم قبل الغد لأن الغالبية العظمى من أبناء الشعب رفضته، وكذلك معظم القوى السياسية".
وشدد على أهمية أن يكون الحوار سوادنيا خالصا بتنسيق مع المبادرات الإقليمية والدولية، مبينا أن المبادرة الأفريقية ومبادرة منظمة الإيغاد هي الأكثر دراية بطبيعة المشكلات السياسية في القارة.
من جهته، قال عضو لجان المقاومة السودانية بمدينة الأبيض عبد الله بشير لـ"العربي الجديد"، إن لجان المقاومة في كل السودان متفقة على أن الخطر الأكبر هو الحرب الدائرة بين الجيش والدعم السريع، وأن الخطوة الأولى يجب أن تكون لصالح إنهائها بجلوس قادة القوتين للاتفاق على وقف الحرب والسماح بتقديم المساعدات لملايين السودانيين الذين تضرروا منها دون إبطاء أو تأخير.
وأضاف بشير أن الحرب أحدثت تغييرا كبيرا في المعادلات السياسية وموازين القوى، بالتالي فإن أي رؤية سياسية يجب أن تصطحب كل تلك المعطيات مع إعادة ترتيب الأولويات، مشيرا إلى أن الاتفاق الإطاري وجل العملية السياسية انتهت صلاحياتها بقيام الحرب.
وكانت اللجنة الرباعية المكونة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسعودية والإمارات قد أصدرت بيانا بالاشتراك مع الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية، قالت فيه إن المرحلة الأولية من التحركات الدبلوماسية تهدف إلى إنشاء عملية تساهم في تحقيق وقف دائم للأعمال العدائية ووضع ترتيبات إنسانية، والعمل على تطوير خطة لخفض التصعيد على النحو المبين في بيان الاتحاد الأفريقي الصادر في 20 إبريل الماضي، والذي أقرته جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي والترويكا والشركاء الآخرون.
ورحب البيان بوقف إطلاق النار الحالي لمدة 3 أيام أخرى، مشدداً على ضرورة الالتزام به بالكامل، وأشاد باستعداد الطرفين للدخول في حوار من أجل التوصل إلى وقف دائم للأعمال العدائية وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.