توفي أمير الكويت، الشيخ نواف الأحمد الصباح، اليوم السبت، بعد ثلاث سنوات من الحكم مرّت بالعديد من التحديات الداخلية والخارجية، ودور لافت في مسيرة البلاد الديمقراطية، وفي العفو عن مواطنين وسياسيين.
وأعلن الديوان الأميري، في بيان له، وفاة الشيخ نواف الأحمد عن عمر ناهز الـ86 عاماً، بعد صراع طويل مع المرض، ليُنادى بوليّ العهد، الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، أميراً للبلاد، عملاً بأحكام الدستور والمادة الرابعة من القانون رقم 4 لسنة 1964 في شأن أحكام توارث الإمارة.
وشهد حكم الشيخ نواف الأحمد، الذي استمر لأكثر من ثلاثة أعوام بقليل، عدداً من التحديات الداخلية والخارجية الحرجة، إذ جرت في عهده ثلاثة انتخابات برلمانية، الأولى بعد أشهر من تنصيبه حاكماً للبلاد، في ديسمبر/كانون الأول 2020، والثانية في سبتمبر/أيلول 2022، والأخيرة في يونيو/حزيران 2023، جرّاء أزمات حادة عصفت في العلاقة بين البرلمان والحكومة، وأدت إلى شلل الحياة السياسية التام في الكويت، قبل أن يتدخل الأمير ويفتح مساراً جديداً في العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
ثلاثة انتخابات في الكويت منذ 2020
جاء البرلمان الأول المُنتخب في عهد الأمير نواف الأحمد عام 2020، امتداداً لحالة الاستقطاب السياسي الحاد في الحقبة الماضية بين المعارضة ورئيس البرلمان السابق مرزوق الغانم، بسبب تحالفه مع الحكومة الكويتية. وتخللت فترة العام ونصف العام من عمر مجلس 2020، عدة فصول من التجاذب السياسي بين الحكومة والبرلمان، أدت إلى انسداد أفق العلاقة بينهما، وبدء نواب المعارضة اعتصاماً مفتوحاً داخل البرلمان أطلقوا عليه اسم "اعتصام بيت الأمة"، في 14 يونيو/حزيران 2022، طالبوا فيه بـ"رحيل الرئيسين"، في إشارة حينها إلى كل من رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، ورئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح، إلى أن جاء خطاب أمير الكويت، الذي ألقاه نيابةً عنه وليّ العهد، الشيخ مشعل الأحمد، وأنهى هذه الحالة، بإعلانه الاستجابة لمطالبة النواب بحلّ البرلمان والدعوة إلى انتخابات عامة، ثم عيّن في 24 يوليو/تموز 2022 نجله الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح رئيساً جديداً للحكومة.
لكن انتخابات البرلمان الثاني، في سبتمبر/أيلول 2022، وُصفت، بحسب الخطاب المذكور، بأنها انتخابات "تصحيح المسار" وبدء صفحة جديدة في العلاقة بين البرلمان والحكومة، لكن لم يُكتب لها الاستمرار، حيث قضت المحكمة الدستورية بإبطالها بعد 6 أشهر، وعودة مجلس 2020، بسبب بطلان مرسوم الحلّ والدعوة إلى الانتخابات، الذي قوبل برفض قاطع من المعارضة التي أطاحت مجلس 2020.
وهو الأمر الذي استجاب له أمير الكويت، وأعلن في خطاب ألقاه نيابةً عنه وليّ العهد، في 17 إبريل/ نيسان 2023، حلّ مجلس 2020 للمرة الثانية، واصفاً خطوة الحلّ بـ"الانتصار للإرادة الشعبية"، ومشدداً على "الثوابت والأسس التي تضمنها خطاب 22 يونيو 2022، فما زلنا على العهد باقين، وبالدستور متمسكين، وبالشعب معتزين، باعتباره صاحب الكلمة المسموعة في تقرير مصيره".
تعهّد الشيخ نواف الأحمد بعدم التدخل في الانتخابات
وعليه، جاءت الانتخابات الثالثة في يونيو 2023، استكمالاً للمشهد الجديد الذي دشّنه الشيخ نواف الأحمد، من خلال خطابه في صيف 2022، الذي منح فيه تعهدات وُصفت بالتاريخية في مسيرة الحياة الديمقراطية في الكويت. ومن بين هذه التعهدات عدم التدخّل في الانتخابات وفي التصويت على منصب رئيس مجلس الأمة وبقية مناصب مكتب المجلس، وحتى عدم التصويت على اختيار اللجان البرلمانية، في سوابق جديدة اعتُبرت تنازلات من السلطة ومكتسبات شعبية، وهو ما أكّده أمير الكويت أيضاً في خطابه اللاحق في إبريل/نيسان 2023، وهو ما تحقق بالفعل في مجلسي الأمة 2022 و2023، حيث التزمت الحكومة الحياد في انتخابات مناصب المجلس.
مراسيم عفو عن مواطنين وشخصيات سياسية
وأُطلق لقب "أمير العفو" على الشيخ نواف الأحمد، لما تخلل فترة حكمه من إصداره مراسيم عفو شملت العديد من المواطنين والشخصيات العامة والسياسية من أطياف مختلفة، خصوصاً القضايا في أعقاب الحراك الاحتجاجي المعارض في الكويت (2011)، في مقدمتها العفو في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 عن المُدانين في قضية اقتحام مجلس الأمة عام 2011، التي صدرت بها أحكام على رموز من المعارضة، على رأسهم النواب السابقون، مسلّم البراك، وفيصل المسلم، وجمعان الحربش، وقضية "خلية العبدلي" (التستر على المدانين في قضية الخلية التابعة لـ"حزب الله" اللبناني، التي كُشف عنها في 2015).
تعهّد الأمير الراحل بعدم التدخل في الانتخابات
وجاء هذا العفو عقب جلسات ما عُرف باسم "الحوار الوطني"، التي دعا إليها الأمير في سبتمبر/أيلول 2021، لجمع الفرقاء السياسيين على طاولة واحدة، وتلاه عفو في يناير/كانون الثاني 2023، شمل 34 شخصاً من المدانين على خلفية قضايا رأي وقضية "غروب الفنطاس" (رسائل أرسلت للكويتيين عبر تطبيق واتساب حول مؤامرة تُحاك على الدولة لقلب نظام الحكم والقضاء)، ثم العفو في مايو/أيار 2023 عن قضية إجراء قبيلة شمر انتخابات فرعية قبل انتخابات 2020، شمل 28 مُداناً يقضون عقوبتهم داخل السجن، أبرزهم النائب السابق مرزوق الخليفة.
وأخيراً العفو الصادر في نوفمبر 2023، عن 49 شخصاً، من بينهم النائبان السابقان، سلطان اللغيصم وعبد الحميد دشتي، وعدد من قادة الشباب في الحراك الاحتجاجي عام 2014، وقضية "فرعية قبيلة مطير" (انتخابات فرعية قبل انتخابات 2020)، وقضية "تبرعات سورية" (تبرعات لمسلحين).
كذلك شهدت أعوام حكم الشيخ نواف الأحمد محاسبة لكبار المسؤولين في الدولة المتورطين في قضايا فساد، في مقدمتهم عدد من أبناء الأسرة الحاكمة، وعلى رأسهم رئيس مجلس الوزراء السابق، الشيخ جابر المبارك الصباح، الذي أُدين في قضية "صندوق الجيش"، وألزمته محكمة التمييز في حكمها النهائي في نوفمبر/تشرين ثاني 2023، بردّ مبالغ مالية. وخلال فترات المحاكمة حُبس فترات مختلفة، ومُنع من السفر، إلى جانب وزير الدفاع السابق، الشيخ خالد الجراح الصباح، الذي قررت المحكمة حبسه مدة 7 سنوات مع الشغل في القضية ذاتها، إضافة إلى استمرار احتجاز مدير إدارة الجنسية والجوازات السابق، الشيخ مازن الجراح الصباح، على خلفية تورطه في الاتجار بالبشر، واستمرار حبس نجل رئيس الوزراء السابق، صباح جابر المبارك الصباح، بعد تورطه في غسل الأموال في قضية "الصندوق الماليزي".
التوترات مع الإقليم
أما على الصعيد الخارجي، فقد استكمل الشيخ نواف الأحمد مشوار سلفه، الشيخ صباح الأحمد، وأشرف على اتفاق العلا في السعودية للمصالحة الخليجية بشكل شخصي في 2021. كذلك قررت الكويت سحب سفيرها من لبنان، عبد العال القناعي، وذلك تضامناً مع موقف السعودية بسبب تصريحات وزير الإعلام اللبناني حينها جورج قرداحي، التي اعتبرها السعوديون مسيئة لهم. وحصلت توترات مع العراق إثر حكم المحكمة الاتحادية العراقية العليا، حول عدم دستورية اتفاقية "خور عبد الله" بشأن تنظيم الملاحة بين الكويت والعراق، المُوقعة عام 2012، وأزمة "حقل غاز الدرة" مع إيران، إذ تصرّ الكويت على أنها مع الرياض لهما وحدهما كامل الحق فيه، بينما تراه طهران حقلاً استثمارياً مُشتركاً.
مسيرة سياسية منذ 1962
ووُلد أمير الكويت الراحل الشيخ نواف الأحمد في 25 يونيو 1937، في حيّ الشيوخ، وسط العاصمة الكويت، وهو النجل السادس لأمير الكويت آنذاك الشيخ أحمد الجابر الصباح. قضى طفولته في قصر دسمان، مقرّ الحكم آنذاك، وتنقّل بين عدد من المدارس النظامية في الكويت، من بينها المدرسة المباركية، وهي أول مدرسة في تاريخ الكويت، ودرس فيها شيوخ الأسرة الحاكمة الذين تولوا مقاليد الحكم في البلاد لاحقاً. وقد بدأ الشيخ نواف خدمته العامة وعمله السياسي محافظاً لمحافظة حولي عام 1962، ضمن سياسة أمير الكويت آنذاك الشيخ عبد الله السالم الصباح، في تصعيد الطبقة الشابة من شيوخ الأسرة الحاكمة وتعيينهم في المناصب العامة. وعمل على تنمية محافظة حولي تجارياً، وتحويلها من مجرد قرية يصطاف فيها الكويتيون سابقاً، إلى أهم منطقة تجارية وسياحية في البلاد حالياً.
تولى الشيخ نواف الأحمد حكم الكويت في سبتمبر 2020
وظل الشيخ نواف طوال فترة عمله التي امتدت 16 عاماً في حولي بعيداً عن المشهد السياسي الكويتي الرئيسي، الذي كان يمثله عدد من شيوخ الأسرة الحاكمة الكبار، ومن بينهم أخواه، الشيخ جابر الأحمد والشيخ صباح الأحمد، اللذان توليا منصب الإمارة في ما بعد، إضافة إلى الشيخ سعد العبدالله الصباح والشيخ جابر العلي. لكن وفاة أمير الكويت الشيخ صباح السالم الصباح في أواخر عام 1977، ووصول الشيخ جابر الأحمد لسدة الحكم، عجّلا دخوله إلى المشهد السياسي بقوة، بعد توليه منصب وزارة الداخلية عام 1978 خلفاً للشيخ سعد العبدالله الصباح الذي تولى منصب ولاية العهد ورئاسة الوزراء.
وواجه الشيخ نواف خلال فترة توليه وزارة الداخلية العديد من التحديات، أبرزها حوادث اختطاف الطائرات التي نفذتها منظمات فلسطينية ولبنانية، والتفجيرات التي ضربت الكويت على يد منظمات موالية لإيران، تحديداً حزب "الدعوة" العراقي و"حزب الله" اللبناني، وأبرزها حادثة تفجير المقاهي الشعبية والسفارات الأجنبية ومحاولة اغتيال أمير البلاد، الشيخ جابر الأحمد الصباح في عام 1985. بعدها، انتقل الشيخ نواف في عام 1988 إلى منصب وزير الدفاع، قبل الغزو العراقي للبلاد عام 1990، الذي أدى إلى انسحاب الجيش الكويتي من البلاد، بعدما فشل في مقاومة جحافل القوات العراقية البرية، التي كان عددها يصل إلى أضعاف عدد الجيش الكويتي بأكمله.
وعاد الشيخ نواف إلى التشكيل الحكومي بعد الغزو العراقي، لكن عبر بوابة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وصرّح في حينه بأنه "سيخدم الكويت من أي منصب"، ولم يستمر وجوده طويلاً في هذه الوزارة التي تولاها في إبريل 1991، إذ عين في 16 أكتوبر/ تشرين الأول 1994 في منصب النائب الأول للحرس الوطني التي تشكل النخبة العسكرية المقاتلة. وفي عام 2003 عاد إلى منصب وزير الداخلية، قبل أن يصبح نائباً أول لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للداخلية في آن واحد، ليكون بذلك ثاني أهم مرشح للحكم في البلاد آنذاك بعد رئيس الوزراء الشيخ صباح الأحمد الصباح، الذي أدار الشؤون اليومية للبلاد في ظل الحالة الصحية الحرجة للأمير الشيخ جابر الأحمد الصباح ووليّ عهده الشيخ سعد العبدالله الصباح.
وفي عام 2006 تولى الشيخ صباح الأحمد الصباح منصب الإمارة بعد قرار مجلس الأمة عزل الشيخ سعد العبدالله، بسبب حالته الصحية وعدم قدرته على أداء القسم أمام البرلمان، حينها أصدر الأمير الجديد أمراً بتزكية الشيخ نواف الأحمد الصباح ولياً للعهد، لتبايعه الأسرة الحاكمة، قبل أن يعلن مجلس الأمة موافقته على هذا الاختيار.
ونودي بالشيخ نواف الأحمد أميراً للبلاد في 29 سبتمبر 2020، وأدى مراسم اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة ليمارس صلاحياته التي جاءت في وقت حرج كانت تمر به الكويت من التحديات الناتجة من فيروس كورونا.
وسيكون الشيخ مشعل الأحمد الصباح، وهو أخ غير شقيق للشيخ نواف الأحمد، آخر أمراء الكويت من أبناء الشيخ أحمد الجابر، أمير الكويت العاشر، الذي حكم أربعة من أبنائه البلاد، ليُنقل الحكم بعدها إلى جيل جديد من الأسرة الحاكمة.