طرح توقيت الغارة الجوية الأميركية أمس على منشآت مليشياوية محسوبة على طهران عند الحدود العراقية - السورية، عشية الجولة السابعة لمفاوضات فيينا النووية، أكثر من سؤال في واشنطن. الإدارة تقول إنها كانت عملية "دفاعية"، وأتت ردّاً على هجمات بطائرات مسيّرة قامت بها هذه الجماعات على قوات أميركية في المنطقة. لكن هذه الهجمات مرّ عليها بعض الوقت، وليست جديدة. فلماذا الردّ الآن؟ هل لردع هذه الجهات لأن عملياتها تكررت أخيراً، أم لأن الحسابات الأميركية اقتضت عند المفصل الراهن، وبعد انتخاب الرئيس إبراهيم رئيسي، توجيه رسالة إلى إيران؟ هل تزامنها مع ما تردّد عن تعثر في المفاوضات كان صدفة؟ ولماذا لم يجرِ التشاور المسبق مع الكونغرس؟ ثم لماذا إحراج الحكومة العراقية في هذه اللحظة العراقية الدقيقة؟
البيت الأبيض، كما البنتاغون، اكتفى في تسويغه للغارة خلال المؤتمر الصحافي اليومي، بأنها كانت ضرورية "لحماية القوات الأميركية"، وأن غرضها كان "قطع الطريق على التصعيد هناك"، نافياً أن تكون لها علاقة بزيارة الرئيس الإسرائيلي ولقائه أمس الاثنين، الرئيس جو بايدن. وفي هذه المناسبة، كرّر بايدن التزامه منع إيران من امتلاك السلاح النووي ما دام هو رئيساً. وفي هذا السياق، تقدم الجمهوريون في مجلس الشيوخ بمشروع قانون يقضي بأن يحصل الرئيس بايدن على موافقة الكونغرس قبل توقيع أي اتفاق نووي مع إيران، وإن كان من المستبعد تمرير مثل هذا القانون على أساس أن الصفقة مع طهران حول النووي ستكون دولية وليس فقط أميركية.
لكن هذه الحيثيات أثارت شيئاً من الارتياب، حتى من جانب بعض محازبي بايدن الديمقراطيين في الكونغرس، مثل السناتور كريس مورفي، الذي أعرب عن عدم ارتياحه لتفرد الرئيس بقرار عسكري، متجاهلاً دور الكونغرس ووجوب تشاور وتوافق الرئيس معه بموجب "قانون الحرب" الذي يقضي بذلك، قبل استخدام القوات العسكرية في الخارج. ويذكر أنها المرة الثانية في غضون نحو شهرين التي يقرر فيها الرئيس القيام بضربة من هذا النوع.
ومن التفسيرات أن الإدارة أرادت من العملية توجيه رسالة تحذير إلى طهران، بأن استعانتها بأذرعها الإقليمية لتحسين وضعها التفاوضي في فيينا، لن يثمر. وفي هذا الصدد جرى الربط بين تزايد التشدد والتصعيد في الساحات الإقليمية المتنفذة فيها إيران، وتزايد التعقيد في مفاوضات فيينا، مع دخولها في طور البحث بالبنود الحاسمة المتعلقة بالقيود النووية والعقوبات.
في تفسير آخر، إن الضربة أملتها اعتبارات عسكرية بالدرجة الأولى، في ضوء تحذيرات أطلقها قائد قوات المنطقة الوسطى الجنرال مارك ماكينزي. فمنذ فترة، وهذا الأخير يلفت النظر إلى "المخاطر والتهديدات التي تشكلها الطائرات المسيّرة صغيرة الحجم" في الهجمات التي تُستخدَم فيها. المشكلة، كما يقول، أن "شبكات الدفاع الجوي والرادارات الأميركية مصممة لرصد أجسام أكبر واعتراضها، مثل الصواريخ العابرة وصواريخ كروز، والطائرات المسيّرة الكبيرة، لا المسيّرات الصغرى التي استُعمِلَت "خمس مرات منذ إبريل الماضي ضد القوات الأميركية" في العراق، "من ضمن المحاولات الجارية لحملها على مغادرته" مثلما خرجت من أفغانستان.
الحذر أن تتطور المطاردة هذه، بحيث يتحول التصعيد إلى مسلسل من الردود المتبادلة، وبما يفتح الباب لتوسيع دائرة الاحتكاك والصدام، خصوصاً إذا ما استجدت العقبات بالمفاوضات وحالت دون القدرة على تجاوز نقاط الخلاف. وهذا ما حمل السناتور مورفي على التحذير ضمناً من مغبة الدخول في هذه الطريق، ولو أن ضربة إبريل الماضي المشابهة لم تنتهِ إلى تصعيد، ولا أدّت إلى غلق باب العودة إلى مفاوضات تشكل حاجة للجانبين.