استهدفت طائرات، يُعتقد أنها تابعة للجيش الإسرائيلي، بعد منتصف ليلة الإثنين ـ الثلاثاء، مرفأ مدينة اللاذقية، على ساحل البحر المتوسط، غربي سورية، في موقع غير بعيد عن قاعدة حميميم الروسية الأكبر والأهم في سورية، في خطوة هي الأولى من نوعها، ما يؤكد وجود تنسيق عالي المستوى ما بين الإسرائيليين والروس للحد من نفوذ الإيرانيين في سورية.
ونقلت وكالة أنباء النظام الرسمية "سانا"، عن مصدر عسكري لم تسمّه، أنه "في حوالي الساعة 1:23 فجراً (الثلاثاء) بتوقيت دمشق، نفّذت طائرات إسرائيلية عدواناً جوياً بعدة صواريخ من اتجاه البحر المتوسط، جنوب غربي اللاذقية، على ساحة الحاويات في ميناء اللاذقية التجاري، ما أدى إلى اشتعال عدد من الحاويات". وأكدت عدم مقتل أو إصابة أي شخص في القصف الاسرائيلي.
وائل علوان: الأهداف كانت صواريخ ومواد أولية للتصنيع الحربي
من جهته، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن الطيران الإسرائيلي استهدف "شحنة أسلحة تابعة للمليشيات الإيرانية"، لافتاً إلى أن "الانفجارات كانت عنيفة وخلفت خسائر مادية فادحة".
انفجارات عنيفة في مرفأ اللاذقية
وذكرت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، أن "انفجارات عنيفة هزت مرفأ اللاذقية، نتجت عنها حرائق شملت عدداً كبيراً من الحاويات"، بينما نشرت صفحات محلية على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو وصوراً أظهرت اندلاع حرائق في الميناء.
ولفت الباحث السياسي في مركز "جسور" للدراسات وائل علوان، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "الاستهداف الإسرائيلي لميناء اللاذقية تم بخمسة صواريخ جو ــ أرض، أطلقتها المقاتلات الإسرائيلية من أجواء البحر المتوسط قبالة الشواطئ السورية".
وبيّن أن "الأهداف كانت في ساحة الحاويات 1 و2، وكانت صواريخ ومواد أولية للتصنيع الحربي، ضمن عدة حاويات، تم شحنها ضمن حاويات أخرى تجارية تحوي مواد غذائية".
وأشار علوان إلى أنها "المرة الأولى التي يتم فيها استهداف ميناء اللاذقية، والذي تديره وتشرف عليه القوات الإيرانية بشكل كامل، مع وجود مجموعات تابعة للفرقة الرابعة في الميناء تعمل لصالح القوات الإيرانية".
وأضاف: "تدير شركات إيرانية، وشركات سورية موالية لإيران، الميناء في عمليات التبادل التجاري. كما يتم عبر الميناء تهريب المخدرات، بشراكة إيرانية مع حزب الله اللبناني والفرقة الرابعة، التي يقودها ماهر الأسد. كما أن نقل الأسلحة والذخائر يجري بشكل قليل من السفن الإيرانية إلى الأراضي السورية".
متابعة إسرائيلية لطرق نقل الأسلحة
وأشار علوان إلى أن "الاستهداف يؤكد متابعة إسرائيل لجميع طرق نقل الأسلحة والذخائر النوعية، واستمرار إسرائيل في استهدافها ضمن مساراتها على الأراضي السورية".
وبيّن أن استهداف ميناء اللاذقية يأتي "ضمن التنسيق الروسي الإسرائيلي"، مشيراً إلى أن "طهران تعلم أن هناك تنسيقاً روسياً إسرائيلياً، وتتعامل معه بشيء من الواقعية طالما أن الاستهداف الإسرائيلي يطاول جانباً محدوداً من نشاطها الأمني والعسكري في سورية".
وكثّف الطيران الإسرائيلي من عملياته في عموم سورية خلال العام الحالي، والتي تطاول أهدافاً لمليشيات إيرانية. وبيّن المرصد السوري أن هذه هي المرة الـ27 التي تستهدف خلالها إسرائيل الأراضي السورية منذ مطلع العام الحالي.
وضرب الطيران الإسرائيلي العديد من الأهداف الإيرانية في شرق سورية، حيث تسيطر مليشيات إيرانية على جانب كبير من محافظة دير الزور. وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، استهدف الطيران الإسرائيلي مطار التيفور العسكري في ريف حمص الشرقي، الذي تحول إلى قاعدة إيرانية في قلب البادية السورية.
وفي منتصف العام الحالي، عاود الطيران الإسرائيلي قصف معامل الدفاع في منطقة السفيرة في ريف حلب الجنوبي الشرقي، والتي تضم قواعد للحرس الثوري الإيراني، إضافة إلى مركز بحوث عسكرية، في خطوة تؤكد أن الوجود الإيراني مستهدف في كل الجغرافيا السورية، وأن القصف الإسرائيلي لا يقتصر فقط على أهداف في الجنوب.
ويؤكد الاستهداف الإسرائيلي لأهداف من المرجح أنها إيرانية في ميناء اللاذقية ليل الاثنين - الثلاثاء وجود تنسيق عالي المستوى بين الروس والإسرائيليين، غايته الحد من نفوذ طهران المتعاظم في سورية، خصوصاً أن الميناء لا يبعد عن قاعدة حميميم الروسية، التي تعد الأكبر والأهم في سورية، سوى نحو 20 كيلومتراً.
وكانت مصادر إسرائيلية قد أكدت أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت اتفق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في لقاء جمعهما في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في سوتشي الروسية، على مواصلة منح الجيش الإسرائيلي الحق بالعمل بحرية في سورية. وقال وزير الإسكان الإسرائيلي زئيف إلكين، الذي رافق بينت في زيارته لروسيا، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي عرض على الرئيس الروسي تصوره لآليات التصدي للوجود الإيراني في سورية.
دلالات استهداف إسرائيل لميناء اللاذقية
وفي هذا الصدد، رأى الباحث السياسي في مركز "الحوار السوري" أحمد القربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن للقصف الإسرائيلي على ميناء اللاذقية دلالات عدة، الأولى: مستوى التنسيق العالي مع الروس، فمثل هذه الضربة ما كانت لتتم لولا التنسيق مع الجانب الروسي، الذي يعتبر أجواء الساحل منطقة نفوذ خالصة له.
أحمد القربي: للقصف الإسرائيلي على ميناء اللاذقية دلالات عدة
وتابع: ولعل هذا الأمر تحقق بعد الزيارة الأخيرة لبينت إلى سوتشي، وهو يشير إلى أي مدى يمكن أن تصل إليه التفاهمات الروسية الإسرائيلية في سورية. وهذا يمكن أن يرسل رسالة واضحة إلى طهران بأن الروس قد يقدمون الكثير من الهوامش لإسرائيل لضرب الأهداف الإيرانية.
وبيّن القربي أن الدلالة الثانية "هي قدرة الإسرائيليين على استهداف أي هدف يهدد مصالحهم، حتى ولو كان في مناطق تعد في نظر نظام بشار الأسد وإيران محرمة". وأضاف: "بالتالي أعتقد أن القصف هو رسالة في هذا الاتجاه لإيران ونظام الأسد بأنه لا توجد منطقة مستثناة من الاستهداف الإسرائيلي، خصوصاً أن التقارير تشير إلى أن الاستهداف كان لمنطقة المرفأ التجارية، وليس لهدف عسكري واضح".
وأشار إلى أن إسرائيل "ليست عابئة بالتبعات الإعلامية والإنسانية والاقتصادية التي يمكن أن تترتب على مثل هذه الضربات، طالما أنها تمثل تهديداً لها". وأضاف: اتخاذ إيران ونظام الأسد المؤسسات المدنية كغطاء لصفقاتهم وتمركزاتهم العسكرية، لن يقيهم من الضربات الإسرائيلية.