أثار إعلان السلطات العراقية في شهر أغسطس/آب الماضي، عن صدور حكم بالإعدام بحق المتهم في قتل مدير بلدية مدينة كربلاء، عبير الخفاجي، وذلك بعد أقل من أسبوعين على حدوث جريمة القتل، تساؤلات بشأن أسباب تأخر محاكمة متهمين آخرين بجرائم اغتيال وقتل طاولت ناشطين ومتظاهرين وصحافيين وكُتّاباً عراقيين، رغم مرور أشهر على اعتقالهم.
وقالت القوات العراقية منتصف يوليو/تموز الماضي إنها تمكنت من القبض على قتلة الخبير والباحث العراقي هشام الهاشمي بعد مرور عام على مقتله. وقبل ذلك، أكدت السلطات في محافظة البصرة، جنوبي العراق، القبض على عناصر مما يعرف بـ"فرقة الموت" المتورطة في عمليات اغتيال طاولت متظاهرين وناشطين وصحافيين وسياسيين، من بينهم الناشطة النسوية ريهام يعقوب، والصحافي أحمد عبد الصمد.
وشهدت الاحتجاجات العراقية التي اندلعت في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019، مقتل أكثر من 700 متظاهر، وإصابة نحو 27 ألفاً آخرين، منهم على يد قوات الأمن ومليشيات مسلحة. كما أن نحو 70 شخصاً جرى اغتيالهم بشكل فردي في مناطق جنوب ووسط العراق والعاصمة بغداد.
الشمري: الفترة المتبقية من عمر الحكومة تعدّ مثالية للكشف عن قتلة المتظاهرين والناشطين
في السياق، تحدث عضو البرلمان العراقي كاظم الشمري عن "ضغوط تحاول أن تعرقل محاكمات قتلة الناشطين والمتظاهرين" مشيراً إلى أن "السلطات العراقية تواجه تلك الضغوط". ولفت الشمري في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن "الجهات التي قتلت هشام الهاشمي والناشطين الآخرين معروفة، وتحاول التأثير على مجريات التحقيق". ودعا مجلس القضاء الأعلى "إلى الإيعاز للجهات المختصة بإكمال التحقيقات، لينال القتلة جزاءهم العادل" مضيفاً "نشد على أيدي الأجهزة القضائية التي أنجزت التحقيق في قضية مقتل عبير الخفاجي خلال وقت قياسي، وفي الوقت نفسه ندعو جهات التحقيق والقضاء إلى سرعة إنجاز القضايا المتعلقة بقتلة المتظاهرين والناشطين، لأن التأخير في محاكمة هؤلاء يمكن أن يؤثر على مجريات العدالة".
وفي العاشر من أغسطس الماضي، قُتل مدير البلدية في محافظة كربلاء عبير الخفاجي أثناء قيامه بتنفيذ حملة لرفع التجاوزات عن الأراضي التابعة للدولة. وفي الثاني والعشرين من الشهر نفسه، أصدر القضاء العراقي حكماً بإعدام القاتل.
وفي هذا الإطار، قال الشمري: "لكل قضية ظروفها، لذلك لا بد من متابعة قضايا القتل، أو تشكيل محكمة مختصة للنظر في الجرائم المتعلقة بالناشطين، وتوفير محققين محترفين لذلك". وأشار إلى أن "الفترة المتبقية من عمر الحكومة تعدّ مثالية لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي للكشف عن قتلة المتظاهرين والناشطين، لأن جميع القوى السياسية ستكون منشغلة بوضعها الانتخابي، وبالتالي سيخف الضغط على الحكومة وأجهزة التحقيق".
وكان إطلاق سراح المتهم الرئيس بالتورط في قتل الناشطين المدنيين في مدينة كربلاء، القيادي في "الحشد الشعبي"، قاسم مصلح، في يونيو/حزيران الماضي بعد أسبوعين على اعتقاله، قد تسبب بخيبة أمل كبيرة لدى المتظاهرين ولجان التنسيقيات التي غادر كثير من أعضائها مدنهم باتجاه إقليم كردستان خوفاً من عمليات تصفية تطاولهم.
الجنابي: بعض الأطراف تمادت بسبب تأخر محاسبتها
من جهته، يرى النائب السابق مظهر الجنابي، أن "الفترة المتبقية من عمر الحكومة لن تمكّنها من حسم جميع القضايا المتعلقة بقتل الناشطين" موضحاً في حديث مع "العربي الجديد" أنّ "الفترة المقبلة ستشهد شيئاً من السكون حتى موعد الانتخابات" التي ستجرى في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول المقبل. ولفت إلى أن "كشف القتلة ومحاسبتهم غير ممكن قبل الانتخابات، لأن ذلك يتطلب وجود قرارات جريئة وإرادة سياسية"، مشيراً إلى "وجود متنفذين يعملون من أجل تأخير إجراءات التحقيق". وبيّن أن "القصاص من القتلة تأخر بسبب ذلك، والسلطات تمتلك معلومات بشأن المتورطين بارتكاب جرائم القتل، ولكن الجميع بانتظار القضاء ليثبت الحقيقة" معتبراً أن "بعض الأطراف تمادت بسبب تأخر محاسبتها".
بدوره، قال مسؤول حكومي عراقي، في حديث مع "العربي الجديد" إن "الحكومة لا تزال جادة في مسألة ملاحقة قتلة المتظاهرين والناشطين ومحاسبتهم، وألزمت نفسها بذلك عند تشكيلها العام الماضي، لكن هناك صعوبات كبيرة تعترض الإجراءات الحكومية لحسم جميع الملفات، أهمها ارتباط كثير من المتهمين بقوى سياسية أو فصائل مسلحة أو هروب بعض المتهمين إلى خارج البلاد، وعدم وجود أدلة قاطعة في بعض القضايا، فضلاً عن الضغوط التي تمارس لعرقلة سير التحقيقات".
مسؤول: هناك صعوبات كبيرة تعترض الإجراءات الحكومية
وحاولت حكومة الكاظمي تسريع إجراءات التحقيق في ملفات قتل المتظاهرين العراقيين خلال الفترة الماضية، وقد استدعت العشرات من الضباط وأفراد الأمن للتحقيق معهم. إلا أن ذلك لا يعدّ كافياً بنظر الناشط محمود التميمي، الذي انتقد مرور سبعة أشهر على الإعلان عن اعتقال عناصر "فرقة الموت" المتهمة باغتيال متظاهرين وناشطين وصحافيين في البصرة، جنوبي البلاد "من دون أن تكون هناك محاكمات، كما يتم التعتيم على مصير قتلة هشام الهاشمي". واعتبر في حديث مع "العربي الجديد" أن هناك "انتقائية في التعامل مع جرائم القتل"، مؤكداً أن "جميع القتلة يجب أن يحاكموا بأسرع وقت". ولفت إلى أن "بعض ذوي قتلى التظاهرات، اضطروا إلى التنازل أو عدم المراجعة لإكمال قضاياهم، بسبب تعرضهم إلى ضغوط من قبل بعض العصابات والجماعات المسلحة".
ووفقاً لإحصائية سابقة لمرصد "أفاد" المعني بالقضايا الحقوقية في العراق، فقد بلغ العدد الكلي لضحايا التظاهرات منذ الأول من أكتوبر عام 2019، ولغاية نهاية ديسمبر/كانون الأول 2020، 762 متظاهراً. كما تم تسجيل إصابة نحو 27 ألف متظاهر، منهم نحو 900 سترافقهم إعاقات دائمة وتشوهات ومشاكل صحية مدى الحياة. وأشار المرصد إلى أن مدن بغداد والناصرية والبصرة تتصدر القائمة لجهة عدد الضحايا الذين سقطوا فيها خلال تلك الفترة.