لم يتبق سوى أسبوع واحد على إغلاق المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق فترة التسجيل الخاصة بالمشاركة في الانتخابات المحلية العامة في البلاد، المقرر إجراؤها في ديسمبر/كانون الأول المقبل، دون أي إعلان أو تعليق من قبل "التيار الصدري" بزعامة مقتدى الصدر حيال المشاركة فيها وإنهاء مقاطعته السياسية، أو الاستمرار بها. ووسط ترقب سياسي وشعبي، خصوصاً من جمهور الصدر، الأكبر على مستوى مدن ومحافظات جنوب ووسط العراق، فإن سيناريوهات تأجيل هذه الانتخابات، التي ستكون الثالثة من نوعها في العراق منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، لا تزال واردة، بحسب مراقبين، وهي فرضية يأخذها التيار بعين الاعتبار.
وكانت المفوضية العليا للانتخابات قد أعلنت موعد تسجيل التحالفات وأسماء المرشحين في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة، من الأول من يوليو/تموز الحالي ولغاية 30 منه. وحتى يوم الجمعة الماضي، قالت المفوضية إن 281 حزباً وكياناً سياسياً سُجلت للمشاركة في الانتخابات المحلية. ومن المقرر، وفقاً للإعلان الرسمي، إجراء الاستحقاق في 18 ديسمبر المقبل، ويحق لأكثر من 25 مليون عراقي من أصل 43 مليوناً المشاركة.
شكوك لدى التيار حول إمكانية إجراء الانتخابات في موعدها
وانسحب "التيار الصدري" من العملية السياسية في البلاد في 29 أغسطس/آب الماضي، بعدما قرّر الصدر سحب نواب كتلته الصدرية من البرلمان واعتزال العمل السياسي، بعد سلسلة أحداث بدأت بتظاهرات لأنصاره وانتهت بالاشتباكات داخل المنطقة الخضراء في بغداد مع فصائل مسلحة منضوية تحت هيئة "الحشد الشعبي".
قرار قيد الدراسة
ورداً على السؤال حول إمكانية مشاركة التيار في الانتخابات المحلية، قال عضو بارز في "الهيئة السياسية" بالتيار، لـ"العربي الجديد"، إن قرار المشاركة "ما زال قيد الدراسة"، وإنه "إذا ما اتخذ فعلاً، فمن الممكن ألا يكون بعنوان التيار الصدري رسمياً، بل من خلال شخصيات صدرية تقود الانتخابات أو دعم لبعض القوائم بصورة غير مباشرة من قبل الصدر أو من خلال المقربين منه".
وبيّن المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن "زعيم التيار الصدري ما زال مُصراً على عدم عودته بصورة مباشرة إلى العملية السياسية في الفترة الحالية، وعدم دعم أي قائمة انتخابية معينة بصورة مباشرة في الانتخابات كما فعل في عام 2021، فهو يريد إدارة المشهد السياسي المُقبل من قبل مقربين منه أو بعض الشخصيات المدعومة من قبله بصورة غير مباشرة".
وأضاف المصدر أنه "من الممكن أن يقوم التيار الصدري خلال الأيام القليلة المقبلة وقبل إغلاق مرحلة تسجيل التحالفات والأحزاب في المفوضية، بتسجيل قائمته الانتخابية أو ربما يدخل بأكثر من قائمة، وهذا الأمر مطروح للنقاش بين الصدر ومساعديه". وتحدث المسؤول عن وجود شكوك حول إمكانية إجراء الانتخابات في موعدها وأنه قد يجرى تأجيلها للعام المقبل.
"التيار الصدري" ورهان تأجيل الانتخابات
عائد الهلالي، أحد أعضاء "الإطار التنسيقي"، التحالف المنافس لـ"التيار الصدري"، رأى في حديث لـ"العربي الجديد" أن موقف الصدر من المشاركة في الانتخابات أو المقاطعة "ما زال غامضاً". وبيّن الهلالي أن "التيار الصدري غالباً ما يحسم قراراته المهمة والمصيرية السياسية في الساعات الأخيرة، ولهذا من الممكن أن يسجل في الساعات الأخيرة للدخول إلى الانتخابات، كما أن هناك إمكانية لتمديد فترة التسجيل من قبل المفوضية، خصوصاً أن هذا التمديد يحصل مع كل انتخابات وهو ليس جديداً، وهذا ربما يكون أبرز أسباب تأجيل الصدريين تسجيل أي تحالف لهم لخوض الانتخابات حتى الساعة".
مسؤول في التيار: زعيم التيار الصدري ما زال مُصراً على عدم عودته بصورة مباشرة إلى العملية السياسية في الفترة الحالية
ولفت عضو "الإطار التنسيقي" إلى أن "هناك حالة من الترقب السياسي، وحتى الشعبي، للقرار النهائي والرسمي للصدر بشأن مشاركته". واعتبر أن "مقاطعة التيار الصدري للانتخابات لن يكون لها أي تأثير على الاستقرار السياسي، بل على العكس، ربما تكون داعمة للاستقرار كون الجهة المتصدية للمشهد ستكون واحدة، وستعمل على إظهار النجاحات أمام الشارع، كما تفعل ذلك حالياً حكومة محمد شياع السوداني".
في المقابل، اعتبر رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هناك ثلاث قراءات بخصوص مشاركة التيار الصدري في انتخابات مجالس المحافظات". وأوضح أن القراءة الأولى "هي أن يدخل الصدريون بشكل رسمي إلى هذه الانتخابات"، لكنه اعتبر أن "هذا الاحتمال ضعيف، فحتى الآن لا توجد مؤشرات تدل على ذلك".
أما القراءة الثانية، بحسب الشمري، فهي أن يقوم "التيار الصدري" بدعم بعض المقربين منه أو دعم بعض الكيانات السياسية الناشئة، التي يجدها قادرة على أن تقف في وجه الإطار التنسيقي، وفق قوله. ولفت إلى أن القراءة الثالثة والأخيرة، تقوم على "عدم مشاركة الصدريين في الانتخابات، وهذا هو المرجح على اعتبار أن طموح التيار الصدري لا يرتبط بمجالس المحافظات، رغم أن هذا قد يدفع الإطار التنسيقي للسيطرة على الحكومات المحلية"، وفق رأيه.
وبيّن رئيس مركز التفكير السياسي أن "مشاركة التيار الصدري في الانتخابات سوف تؤسس لانطلاقة جديدة للصدريين، للعمل السياسي والسيطرة على مجالس المحافظات، خصوصاً أن التيار الصدري حالياً في أعلى مستوياته من ناحية التأييد الشعبي، في مقابل أن هناك تراجعاً في مستوى تأييد قوى الإطار التنسيقي، كما أن مقاطعة الصدريين الانتخابات ستدفع الإطار التنسيقي للعمل على تكريس إقصاء التيار من المشهد، حتى المحلي، والانفراد بالحكومات المحلية، ثم استكمال استراتيجية تقويض المستقبل السياسي للتيار الصدري".
ورأى الشمري أن "الترقب السياسي وحتى الشعبي موجودان وبقوة لمتابعة القرار الأخير للتيار الصدري بشأن مشاركته في الانتخابات المقبلة، كما أن تأخير تسجيل الصدريين أي تحالف لهم في المفوضية حتى اللحظة، ربما يأتي لوجود معلومات ومعطيات تشير وتؤكد إمكانية تأجيل الانتخابات للعام المقبل تحت أي ظرف كان".
وستكون هذه أول انتخابات محلية تجرى في العراق منذ إبريل/نيسان 2013. وتتولى مجالس المحافظات المُنتخبة مهمة اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين، ولهم صلاحيات الإقالة والتعيين وإقرار خطة المشاريع بحسب الموازنة المالية المخصصة للمحافظة من الحكومة المركزية في بغداد، وفقاً للدستور العراقي النافذ في البلاد منذ عام 2005.