العراق: تصاعد حدة الخلافات الكردية على منصب رئاسة الجمهورية

21 يناير 2022
يتمسك الاتحاد الوطني الكردستاني بصالح رئيساً للعراق (فابريس كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -

بالتوازي مع اتساع حدة الخلافات في بغداد حيال ملف تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، تتفاقم الأزمة بين القوى السياسية الكردية على ملف اختيار رئيس جديد للجمهورية.

وجرى العرف السائد في البلاد عقب الغزو الأميركي للبلاد في عام 2003 على تولي شخصية كردية للمنصب الذي يعتبر تشريفياً، إذ حصر الدستور الجديد للبلاد جميع الصلاحيات التنفيذية بيد رئيس الوزراء.

بين برهم صالح وهوشيار زيباري

ويصر حزب الاتحاد الوطني الكردستاني من معقله التقليدي في مدينة السليمانية بزعامة بافل الطالباني، على تجديد الولاية للرئيس الحالي برهم صالح، وهو ما يرفضه الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في أربيل، بزعامة مسعود البارزاني، والذي طرح رسمياً وزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري مرشحاً منافساً لصالح.

وبحسب مصادر سياسية مطلعة في أربيل والسليمانية، فإن اجتماعاً كان مقرراً أمس الخميس بين الجانبين لبحث الأزمة، تم تأجيله لموعد آخر من دون تحديده، بسبب عدم وجود أي تغيير في موقفي الحزبين، مع تحركات لشخصيات كردية تحظى بقبول من الطرفين في طرح مبادرة توافق.

وقال أحد المصادر لـ"العربي الجديد"، إن "الإخفاق في التوصل لتفاهمات لغاية الآن ناتج عن رفض الحزب الديمقراطي التجديد لبرهم صالح، وطرح اسم آخر من قبل الاتحاد الوطني الكردستاني قد يسرّع في الاتفاق".

وأعلن البرلمان العراقي، في أول جلسة له في 9 يناير/ كانون الثاني الحالي، بعد انتخاب رئاسة المجلس، عن فتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية وأعطى مهلة مدتها 15 يوماً، وهي المهلة المثبتة في الدستور، على أن تعقد في اليوم الأخير للمهلة المذكورة جلسة برلمانية للتصويت على المرشحين لشغل منصب رئيس الجمهورية، ما يعني أن على القوى السياسية الكردية الاتفاق قبل انتهاء هذه المدة التي لم يبق عليها سوى أيام قليلة جداً.


سيُعقد اجتماع حاسم بين الاتحاد الوطني والديمقراطي قريباً

لكن الخبير في الدستور العراقي طارق حرب، قال لـ"العربي الجديد"، إن "المدة الدستورية لعقد جلسة البرلمان المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية الجديدة مجمدة حالياً، وفقاً للأمر الولائي الصادر عن المحكمة الاتحادية العليا، الذي عطّل أمر البرلمان بصورة كاملة، من ناحية التشريع والعمل الرقابي".

وأضاف حرب أن "حسم الإبقاء على المدة الدستورية الحالية أو عدم احتسابها أو تمديد هذه المدة، يعتمد على قرار المحكمة الاتحادية بشأن جلسة البرلمان الأولى، فإذا ردت الدعوى، فالمدة الدستورية تسير كما هي، لكن إذا قبلت الدعوى، فالمدة ستمدد وتعيد هيئة رئاسة البرلمان الجديدة باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية، وتعطي مدة 15 يوماً جديدة".

من جهته، رأى القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني غياث السورجي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الخلافات داخل البيت السياسي الكردي ما زالت قائمة حول مرشح رئاسة الجمهورية، ولا تغيير إيجابياً في الملف".

وكشف عن "اجتماع مهم سيعقد خلال اليومين المقبلين بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، بهدف حسم الخلاف على مرشح منصب رئاسة الجمهورية، والاتفاق على مرشح واحد والذهاب به إلى البرلمان للحصول على ثقة النواب بالأغلبية المطلقة".

وبيّن السورجي أن "الاتحاد الوطني الكردستاني مصر على ترشيح برهم صالح لولاية ثانية لرئاسة الجمهورية وهو مرشحه الوحيد، والحزب الديمقراطي الكردستاني يرفض هذا الترشيح لأن هناك خلافاً شخصياً معه، وهذا هو جوهر الخلاف بين الحزبين، فهناك شبه اتفاق على أن هذا المنصب هو من حصة الاتحاد الوطني الكردستاني".

وختم القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني بالقول إن "إعلان الحزب الديمقراطي الكردستاني ترشيح هوشيار زيباري، هو مجرد مناورة ومحاولة ضغط علينا من أجل تغيير مرشحنا (برهم صالح)، فلا أعتقد أن هذا الترشيح حقيقي، بل هو للضغط علينا لتغيير صالح بمرشح آخر ليس إلا".

الحوار بين الحزبين الكرديين لم يتوقف

من جهته، أكد عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في أربيل مهدي عبد الكريم، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، "استمرار الخلاف مع الاتحاد الوطني الكردستاني حول منصب رئاسة الجمهورية خلال المرحلة المقبلة".

واعتبر أن "الحوارات مع الاتحاد الوطني الكردستاني لم تتوقف، لكن كل هذه الجهود لم تتوصل إلى أي اتفاق حول مرشح موحد للبيت الكردي لمنصب رئاسة الجمهورية، خصوصاً أنه لدينا مؤشرات وملاحظات على برهم صالح".

وأضاف عبد الكريم أن "التفاوض مستمر بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، بهدف الوصول إلى اتفاق نهائي على مرشح منصب رئاسة الجمهورية، قبل موعد جلسة البرلمان العراقي المخصصة لانتخاب الرئيس الجديد".

وتابع: "كما أن الحزب الديمقراطي الكردستاني يستطيع حسم هذا المنصب له من خلال حلفائه من الأطراف السياسية خارج البيت الكردي"، في إشارة إلى التقارب بين مسعود البارزاني ومقتدى الصدر وتحالفي "تقدم" و"عزم"، مستدركاً بالقول إن "الحزب الديمقراطي يريد موقفاً سياسياً كردياً موحداً في بغداد".


ينتمي رؤساء ما بعد عام 2005 إلى الاتحاد الوطني

أما عضو الإطار التنسيقي علي الفتلاوي، فقال في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن "اختيار مرشح رئاسة الجمهورية منوط بالقوى السياسية الكردية، لكن هذا الأمر لا يعني أنهم يفرضون مرشحاً ما على باقي الأطراف السياسية".

وأضاف أن "الأطراف السياسية في بغداد لديها مؤشرات وملاحظات على ترشيح برهم صالح لولاية ثانية، والتجديد له مرفوض خصوصاً من قبل قوى الإطار التنسيقي، كما أن ترشيح هوشيار زيباري لهذا المنصب عليه تحفظات ورفض من قوى سياسية أخرى".

وتابع الفتلاوي: "المرشح الكردي لرئاسة الجمهورية يجب أن يحظى بمقبولية كل الأطراف السياسية العراقية، وليس الكردية فقط، فانتخاب هذا المرشح يحتاج إلى أغلبية في البرلمان، وهذه الأغلبية لا يمكن أن تتحقق دون دعم كل الكتل لمرشح واحد يمثل البيت الكردي ويحظى بموافقة الكتل السياسية، وتحديداً الشيعية منها".

في المقابل، اعتبر المحلل السياسي علي البيدر، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الخلاف داخل البيت الكردي قابل للحل، وهو خلاف لم يصل إلى مرحلة الانسداد، فأطراف هذا البيت يدركون جيداً أن من مصلحتهم الذهاب موحدين إلى التفاوض مع القوى السياسية في العاصمة بغداد".

وأضاف البيدر: "نتوقع توصل الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني إلى حلول ترضي الطرفين في ما يخص مرشح رئاسة الجمهورية، خصوصاً أنهما سيكونان مجبرين على حل الخلافات، لأن هناك مناصب يجب أن تقسم بالتراضي بين الطرفين، سواء في بغداد أو حتى في إقليم كردستان".

ولفت البيدر إلى أن "قضية وجود العامل الخارجي لحل الخلاف داخل البيت الكردي بشأن مرشح رئاسة الجمهورية أمر وارد جداً، فالتدخلات الخارجية، بطبيعة الحال، لا تقتصر فقط على البيت السياسي الشيعي، بل الكردي والسني فيهما تدخل وعامل خارجي يعمل أيضاً على تقريب وجهات النظر بين المتخاصمين داخل المكون الواحد".

ولم يسبق للحزب الديمقراطي الكردستاني أن حصل على منصب رئيس الجمهورية، إذ كان رؤساء العراق الثلاثة بين 2005 و2018 من الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يُعد ثاني أكبر الأحزاب الكردية.