تتفاوت المبالغ المالية التي تمنحها الأحزاب والتحالفات السياسية في العراق لمرشحيها المشاركين في الانتخابات المحلية (مجالس المحافظات)، المقررة في 18 ديسمبر/كانون الأول المقبل، وهو ما يؤثر على النتائج. وباتت واضحةً قلة الدعم للمرشحين المدنيين المنبثقين من الحراك الشعبي بالمقارنة مع مرشحي الأحزاب التقليدية، التي تمسك بالسلطة، وتدير الهيئات الحكومية والوزارات والمؤسسات المهمة.
ويؤكد ناشطون عراقيون أن المال السياسي يؤدي دوراً حاسماً في إدارة العملية الانتخابية في المرحلة الحالية، فقد منحت بعض الأحزاب التقليدية مرشحيها من الدرجة الأولى، أو "السوبر" كما يطلق عليهم محلياً، مبالغ تجاوزت 200 مليون دينار عراقي (حوالي 130 ألف دولار) للمرشح الواحد.
في المقابل، اكتفت بعض الأحزاب المدنية بالتكفل بطباعة الصور واليافطات، بينما أشار الناشطون إلى أن هذا الإنفاق الكبير على الانتخابات المحلية سيؤدي إلى صناعة حكومات محلية حزبية، أول أعمالها سيكون استعادة هذه الأموال عبر المناصب الجديدة.
وسبق أن أكدت المتحدثة باسم مفوضية الانتخابات جمانة الغلاي أن "مجلس المفوضين صادق على تعليمات الإنفاق على الحملات الانتخابية، بأن يكون للمرشح الفرد 250 دينارا (0.19 دولار) مضروبة في عدد الناخبين، أما بالنسبة للأحزاب والتحالفات فيكون لها 250 دينارا مضروبة في عدد الناخبين". واعتبرت أن تجاوز هذه الضوابط يعني الدخول في المحظورات والوقوع تحت طائلة "العقوبات والغرامات".
تحذيرات السوداني لـ"الفاسدين"
كما حذر رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، في وقت سابق، من غايات "الفاسدين" لغرض الحصول على مزيد من الأصوات في الانتخابات المقبلة، قائلاً إن "الفاسدين يتربصون لسرقة المال العام ويجب التصدي لهم، وأن هذه المجموعة تنتظر الانقضاض على التخصيصات المالية كما فعلت مع الموازنات الانفجارية للدولة سابقاً، وهم من يتحدثون عن العفة ومكافحة الفساد لكنهم فاسدون". ولم يكشف السوداني عن هؤلاء "الفاسدين" بحسب وصفه.
حزب "تقدم" وحركة "دولة القانون" هما الأكثر إنفاقاً على مرشحيهما
وقال عضو تحالف "الإطار التنسيقي" علي الفتلاوي، لـ"العربي الجديد"، إن "الإنفاق على الانتخابات المحلية يشهد تفاوتاً كبيراً، وهناك أحزاب عراقية لا تلتزم بضوابط مفوضية الانتخابات، بسبب صراعها الكبير والمُبالغ فيه للسيطرة على المحافظات".
واعتبر أن "التنافس السياسي واضح، وتوظيف المالي السياسي لخدمة الانتصارات موجود أيضاً، وبصراحة فإن جميع الأحزاب تمارس هذا الوضع، لكن بنسب متفاوتة".
وبحسب مصادر سياسية قريبة من "ائتلاف إدارة الدولة" الحاكم في العراق، فإن "أحزاباً مثل (تقدم) الذي يتزعمه رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ودولة القانون برئاسة نوري المالكي، هي الأكثر إنفاقاً على مرشحيها"، مبينة لـ"العربي الجديد" أن "أحزاباً جديدة مدعومة من تجار وآخرين مقربين من الفصائل المسلحة، تنفق هي الأخرى بشكلٍ كبير على المرشحين".
وأضافت المصادر أن "المبالغ التي منحتها الأحزاب النافذة تجاوزت 200 مليون دينار عراقي، في حين ذهبت أحزاب أخرى إلى منح مبلغ 100 مليون دينار، وأخرى 50 مليونا، وبعض التحالفات مثل تحالف الأساس الذي يقوده نائب رئيس البرلمان العراقي محسن المندلاوي، فقد منحت مرشحيها نحو 25 مليون دينار".
خطر المال السياسي
من جهته، لفت رئيس حراك "البيت العراقي" (انسحب من الانتخابات المحلية) محيي الأنصاري إلى أن "المال السياسي يعد الأخطر على البيئة الديمقراطية في أي بلد في العالم بعد السلاح، فانعدام التكافؤ في الفرص يهدد جوهر التنافس الانتخابي ويؤثر على سلامة الانتخابات ونزاهتها، والمشاكل تبدأ بشراء المرشحين وتفكيك القوائم، ولا تنتهي بإغراق الشارع بالمنافع التي تقوض ما تبقى من الديمقراطية الهشة في البلاد".
وأكد الأنصاري، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "هذه الممارسات غير القانونية، الهادفة إلى السيطرة على الدولة من بوابة مجالس المحافظات، تدفع المدنيين الحقيقيين إلى إعادة تموضعهم، والاستعداد لمرحلة جديدة من الرفض".
علي الفتلاوي: هناك أحزاب لا تلتزم بضوابط مفوضية الانتخابات
من جهته، أشار الناشط السياسي من بغداد وائل البارود إلى أن "المشكلة في الانتخابات المحلية المرتقبة تتلخص في أن الناخب يعتبرها موسماً للفائدة المالية على المستوى الشخصي، بمعنى أن المنافسة في هذا الوقت وبنفس المعطيات وبنفس العزوف، كما انتخابات 2021، لن تستقطب الناخب الواعي لأنه مؤمن بأن التغيير مستحيل في ظل هذه الأجواء"، مشيراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إلى أن "الأحزاب تعرف أن المال هو السبيل الوحيد للحصول على الأصوات، وهذا ما يجعلها تغدق بالإنفاق".
وأضاف البارود أن "كل الأحزاب لديها مرشحيها التي تعول عليهم، وهؤلاء يحظون بدعمٍ مختلف عن بقية المرشحين، إذ يتمتع كل مرشح بامتيازات النائب في البرلمان، ويقدم الوعود الخاصة بالتعيينات في الدولة"، موضحاً أن "مقاعد مجالس المحافظات المقبلة مقسمة وموزعة وفقاً للاتفاقات السياسية، وأن الانتخابات في العراق بهذا الوضع عبارة عن كذبة".
وستُجرى انتخابات مجالس المحافظات في 18 ديسمبر المقبل، للمرة الأولى منذ إبريل/نيسان 2013. وتتولى مجالس المحافظات المُنتخبة مهمة اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين، ولهم صلاحيات الإقالة والتعيين وإقرار خطة المشاريع بحسب الموازنة المالية المخصصة للمحافظة من الحكومة المركزية في بغداد، وفقاً للدستور.
وبحسب بيانات مفوضية الانتخابات العراقية، فإن أكثر من 23 مليون مواطن يحق لهم الإدلاء بأصواتهم في انتخابات مجالس المحافظات، لكن الذين حدّثوا سجلاتهم الانتخابية هم أقل من 10 ملايين عراقي.
وأكدت المفوضية، في وقتٍ سابق، أن 296 حزباً سياسياً انتظمت في 50 تحالفاً ستشارك في الانتخابات، ويتنافس المرشحون على 275 مقعداً هي مجموع مقاعد مجالس المحافظات بشكل عام، وجرى تخصيص 75 منها ضمن كوتا للنساء و10 مقاعد للأقليات العرقية والدينية.