وجّه رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، بإعادة العمل بلجنة تقصي الحقائق للكشف عن قتلة المتظاهرين وتعويض الجرحى، إثر التظاهرات الدامية الأخيرة التي شهدتها مدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار، جنوباً، وسط تحذيرات من تسويف النتائج.
وسقط 3 قتلى ونحو 23 جريحاً، الأربعاء، إثر اشتباكات بين الأمن العراقي ومتظاهرين في الناصرية طالبوا بإسقاط التهم عن الناشط حيدر الزيدي، الذي أصدر القضاء قبل أيام حكماً عليه بالسجن ثلاث سنوات بتهمة الإساءة إلى "الحشد الشعبي"، كما طالبوا بإسقاط التهم "الكيدية" عن المتظاهرين.
ووفقاً لبيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء صدر اليوم الجمعة، فإنه "استناداً إلى توجيهات السوداني، تمت إعادة العمل بلجنة الأمر الديواني (293)، الخاصّة بتقصّي الحقائق عن قتلة المتظاهرين وتعويض جرحى التظاهرات"، مشيراً إلى أنّ "اللجنة باشرت أعمالها فعلياً مطلع الأسبوع الماضي".
استناداً إلى توجيهات رئيس مجلس الوزراء @mohamedshia ... تمت إعادة العمل بلجنة الأمر الديواني (293)، الخاصّة بتقصّي الحقائق عن قتلة المتظاهرين وتعويض جرحى التظاهرات. وقد باشرت اللجنة أعمالها فعلياً مطلع الأسبوع الماضي. pic.twitter.com/mUevejMwpP
— المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء 🇮🇶 (@IraqiPMO) December 9, 2022
وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قد وجّه، ليل الأربعاء، بإرسال لجنة أمنية عليا إلى محافظة ذي قار لإجراء التحقيق في سقوط ضحايا من المتظاهرين، فيما باشرت اللجنة عملها منذ الأمس.
ووسط حالة من التوتر، شهدت مدينة الناصرية، أمس الخميس، خروج عشرات من المتظاهرين في ساحة الحبوبي، معبرين عن رفضهم العنف الذي يستخدمه العناصر الأمنيين، وقطعوا عدداً من الطرق والجسور وحاولوا اقتحام مبنى المحافظة، وحدثت صدامات مع الأمن، الذي أطلق عناصره النار في الهواء لتفريقهم.
الوضع في #ذي_قار_الناصرية 🔥 pic.twitter.com/CvViAUEwxi
— احمد الادهمي (@AHMED_ADHAME) December 8, 2022
قيادة شرطة ذي قار وجهت نداء الى القوات العسكرية، أكدت فيه أنه "في حال وجود أي تجمع أو أي تظاهرة، يمنع منعاً باتاً حمل السلاح وإطلاق العيارات النارية الحية أو المطاطية"، مشددة على أنه "في حالة مخالفة الأوامر، سيحاسب المقصر بشدة".
لجنة حقوق الإنسان البرلمانية، دعت من جهتها إلى حفظ السلم والأمن في تظاهرات الناصرية، وقالت اللجنة، في بيان: "نتابع بقلق بالغ تصاعد وتيرة الأحداث في مدينة الناصرية، التي شابها استخدام القوة لمواجهة المحتجين من جرحى تشرين الذين لم يستلموا حقوقهم"، مؤكدة أنها تدين "بشدة استخدام العنف بين الطرفين واستخدام الرصاص ضد المتظاهرين الذي نتج عنه سقوط عدد من القتلى والجرحى من المدنيين الأبرياء والقوات الأمنية، وإثارة الفوضى وعدم استتباب الأمن".
وحمّلت السلطتين المحلية والمركزية "مسؤولية حماية المواطنين واحتواء الموقف بالطرق السلمية من دون اللجوء إلى العنف الذي قد يجر الأوضاع إلى ما لا تحمد عقباه وتزايد وتيرة الفوضى"، مطالبة بـ"محاسبة المقصرين ومن كان سبباً في إرباك الأوضاع، وبإعلان نتائج التحقيق من قبل اللجنة المشكلة من الحكومة"، مؤكدة: "سنتابع مجرى التحقيق في القضية".
من جهته، عدّ المتحدث باسم محافظة ذي قار، أبو الحسن البدري، ما حصل من أحداث في المحافظة أنه "نتيجة خطأ من قبل القوات الأمنية، تسبب بسقوط عدد من الضحايا". وقال في حديث متلفز إنّ "محافظ ذي قار سبق أن وجه كتباً رسمية لقادة الشرطة، حذر فيها من استخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين"، مؤكداً "نحن لسنا مع القتل".
وشدد على أنّ "حكومة ذي قار لن تتهاون مع من يدعم هذه الفوضى، وسيُحاسَب المقصرون"، واعداً بأنّ "نتائج التحقيق ستعلن خلال الـ24 ساعة المقبلة".
النائب عن المحافظة، علاء الركابي، أكد أنّ "إنجاز التحقيق في أحداث التظاهرات في ذي قار، سيتم اليوم قبل عرض النتائج". وقال الركابي لوكالة الأنباء العراقية (واع): "طلبنا من اللجنة أن تستشهد بشهادات الجرحى وعائلات الضحايا الذين سقطوا خلال التظاهرات، وأن تُتابع الكاميرات الموجودة"، مبيّناً أنّ "اللجنة من المحتمل أن تنجز عملها اليوم".
مقابل ذلك، حذر ناشطون في المحافظة من تسويف نتائج التحقيق في الأحداث. وقال الناشط علي الفتلاوي، لـ"العربي الجديد": "حكومة السوداني أمام اختبار لكشف مهنيتها وحياديتها. ننتظر نتائج التحقيق ومحاسبة المقصرين"، مؤكداً: "هناك شهود عيان، كما أن كاميرات المراقبة تثبت استخدام عناصر الأمن الرصاص الحي بمواجهة المتظاهرين وهو ما تسبب بسقوط قتلى وجرحى، وهذه أدلة تحدد الجاني".
وشدد على أنه "في حال لم نر إدانات ومحاسبة لهؤلاء، فإن حكومة السوداني ستكون كالحكومات السابقة، وهذا سيدفعنا للاستمرار بالتظاهر لأخذ حقوقنا".
يشار إلى أن رئيس الحكومة السابقة مصطفى الكاظمي كان قد شكّل لجنة لتقصي الحقائق، لمتابعة ملف سقوط قتلى وجرحى من المتظاهرين، إلا أنّ اللجنة لم تحقق نتائج ملموسة.
وتعد مدينة الناصرية مركزاً رئيساً لـ"احتجاجات تشرين"، التي انطلقت في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 احتجاجاً على تردي الواقع الخدمي، واتسعت لتشمل غالبية المحافظات العراقية، وانتهت باستقالة حكومة عادل عبد المهدي، التي كانت قد قمعت التظاهرات، وسقط حينها نحو 800 قتيل وأكثر من 27 ألف جريح.
يُشار إلى أن عشرات الناشطين العراقيين اضطروا إلى مغادرة بلدهم، بسبب التهم الكيدية والأحكام القضائية التي لحقت بهم غيابياً، فضلاً عن ملاحقة الفصائل المسلحة لهم، بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2019، إضافة إلى مواقفهم السياسية الرافضة تحكّم ما يُعرف بـ"قوى السلاح" بالعمل السياسي.