على الرغم من اتخاذ الحكومة العراقية إجراءات أمنية مشددة، رافقت بدايات الأزمة السياسية التي تفاقمت مع اعتصامات أنصار الصدر في المنطقة الخضراء وسط بغداد وقابلتها اعتصامات الطرف الآخر "الإطار التنسيقي" عند بوابتها، إلا أن المخاوف من انعكاسات أمنية ما زالت قائمة، فيما أكد مسؤولون بإدارة الملف الأمني أن الخطط الموضوعة محكمة ومستمرة حتى إشعار آخر.
وأقدمت الحكومة منذ بدأ الاعتصامات قبل نحو شهر، على إجراءات أمنية مشددة ركزت على داخل وفي محيط المنطقة الخضراء ومناطق العاصمة الأخرى، يرافقها تشديد بالجهد الاستخباري، بالتوازي مع تكثيف العمليات الأمنية في المحافظات الأخرى وتنفيذ ضربات جوية وعمليات إنزال جوي لمنع أي محاولة لاستغلال الأزمة والتأثير على أمن البلاد.
ووفقاً لضابط في قيادة العمليات المشتركة في بغداد، فإن "الوضع الأمني حالياً مستقر، لكن تم أخذ التهديدات التي أطلقت من قبل فصائل مسلحة وأطراف سياسية مع بداية الأزمة بنظر الاعتبار، وقد تم وضع خطط استباقية محكمة لمنع أي محاولة لإرباك الأمن".
وبين الضابط، الذي تحفظ عن ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن "المخاوف من محاولات العبث بأمن البلاد في ظل الظرف الراهن، ما زالت قائمة، وأن الخطط التي وضعت لإفشال ذلك، تضمن التشديد الأمني في المناطق الحساسة من العاصمة، وتحديداً المنطقة الخضراء وبعض المناطق الأخرى المؤشر عليها أمنياً".
ولفت إلى أن "الأوامر صدرت بعدم تحريك أي قطعات أو أي فصائل خاصة باتجاه العاصمة، إلا بأمر مباشر من رئيس الوزراء نفسه"، مبيناً "إعادة توزيع للوحدات وإجراء تنقلات بين القيادات لما يخدم الملف الأمني".
وجدد تأكيده، أن "الخطة محكمة وأغلقت أي محاولة لإرباك الأمن، وستتواصل حتى إشعار آخر"، مشيراً إلى أن "تكثيف العمليات في المحافظات الأخرى يأتي ضمن المعلومات الاستخبارية المتوفرة والتي ترصد تحركات داعش".
من جهته، لم يستبعد تحالف "الإطار التنسيقي" الحليف لإيران، تدهور الوضع الأمني في البلاد، نتيجة للوضع السياسي، وقال عضو التحالف، سعد المطلبي، في تصريح صحافي: "هناك مخاوف وتحذيرات من تدهور الأوضاع الأمنية في مدن وسط وجنوب العراق"، مبيناً أن "غياب الدور الرقابي للبرلمان بالأزمة السياسية الحالية، يصب بصالح التدهور، لا سيما أن الحكومة استغلت ذلك لإجراء تغييرات أمنية".
وأوضح أن "التغييرات الكبيرة في القيادات الأمنية والعسكرية تمت وفق معايير غير مهنية"، معتبراً أنها "وضعت ضباطاً لهم انتماءات وولاءات لجهات سياسية معينة في مناصب حساسة جداً، وأن هذا يمكن أن يؤثر بشكل كبير على الوضع الأمني".
أما سكرتير المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني فاضل ميراني، فقد ذهب إلى أبعد من ذلك، حيث حذر من مواجهات بين القوى السياسية المتصارعة في البلد على غرار المواجهة بين العراق وإيران في ثمانينيات القرن المنصرم، أو الحرب اللبنانية الداخلية في سبعينيات القرن ذاته.
وكتب ميراني في مقال له، اليوم الأحد، أن "هناك من الأمور والتوقعات التي لا يصح أن تغيب عن بالنا (..) وأن نبعد كابوس المواجهة، فإن انقلاباً في المعادلة سيجعلها أصعب من كل التوقعات". مشيراً إلى أن "بعض الراغبين بالمواجهة ربما يعتقدون بإمكانية الفوز، وأن تكون الحرب هي أفضل السبل لإدامة السلطة".
وشدد على أن "الأمن والتعليم والكفاية لا الكفاف حقوق وليست مِنحاً للعراقيين ومنهم شعب كردستان"، داعياً إلى "تفادي منطق المواجهة الذي نشاهده الآن، وما زلنا نديم العمل لنكون عنصر تقوية للعراق مهما بذل طابور التخوين جهداً لحرق الأرض".
يجري ذلك في ظل انسداد الحلول السياسية للأزمة في البلاد، وقد أدت مقاطعة قوى سياسية عراقية بارزة ومنها "التيار الصدري"، لاجتماع كان مقرراً عقده الخميس الماضي، برعاية رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، إلى تأجيله لإشعار آخر، في خطوة تكشف مدى تعثر الحلول.
ويتضاعف القلق في الشارع العراقي من استمرار الأزمة السياسية الأطول في البلاد منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، بعد دخول المليشيات والجماعات المسلحة الحليفة لإيران على خط الأزمة، بالاصطفاف مع قوى "الإطار التنسيقي" ضد "التيار الصدري" بزعامة مقتدى الصدر، الذي تصدّر الانتخابات الأخيرة التي أجريت في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.