يتحدث مسؤول في بغداد عن هدنة أو تهدئة جديدة غير معلنة، وراء وقف قصف المنطقة الخضراء في العاصمة العراقية، وتحديداً مبنى السفارة الأميركية في تلك المنطقة التي تضم سفارات وبعثات دبلوماسية دولية أخرى، فضلاً عن المقار الحكومية. وفيما مرّ أكثر من شهر على آخر استهداف بواسطة صواريخ "الكاتيوشا" للمنطقة، يوضح المسؤول الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، أنّ توقف الهجمات له ارتباط بالجانب الإيراني، الذي تدخّل بطلب من حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، لوقف الهجمات الصاروخية التي تستهدف السفارة الأميركية تحديداً. يأتي ذلك في الوقت الذي ما زالت فيه الهجمات بواسطة العبوات الناسفة، والتي تستهدف الآليات التي تنقل مواد غير عسكرية لصالح التحالف الدولي، مستمرة، علماً أنها لا تسفر في العادة عن أي خسائر. هذا فضلاً عن استمرار ملاحقة المليشيات للعراقيين العاملين كمترجمين أو موظفين ضمن الأنشطة الأميركية المختلفة داخل العراق، متهمة اياهم بـ"الخيانة" و"العمالة للمحتل".
سُجّل آخر هجوم على السفارة الأميركية في 20 ديسمبر الماضي
وسُجّل آخر هجوم عنيف على السفارة الأميركية في بغداد، بواسطة ثمانية صواريخ "كاتيوشا"، في 20 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ما أسفر عن أضرار طفيفة في مجمع السفارة، بعد تصدي منظومة الصواريخ الموجودة في حرمها لعدد من هذه الصواريخ، بينما سقطت أخرى على مجمع سكني، ما تسبب بوقوع جرحى بين العراقيين من سكان حي الكرادة القريب وبأضرار مادية. ونددت السفارة الأميركية، في بيان لها حينها، بالهجوم، داعية المسؤولين العراقيين إلى اتخاذ خطوات لمنع مثل هذه الهجمات ومحاسبة المسؤولين عنها. في حين وصف رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، الهجوم بـ"الاعتداء الإرهابي الجبان"، علماً أنها المرة الأولى التي يصف فيها مسؤول عراقي الهجمات على السفارة الأميركية التي تنفذها الجماعات الموالية لإيران بـ"الإرهابية".
وأول من أمس الأربعاء، تحدث مسؤول في قيادة العمليات المشتركة في بغداد، لـ"العربي الجديد"، عن رفع الكثير من القيود الأمنية في المنطقة الخضراء، والتي كانت القوات العراقية قد فرضتها في ديسمبر الماضي، بالتزامن مع مخاوف من هجمات جديدة تستهدف المصالح الأميركية، في الذكرى الأولى لاغتيال قائد فيلق القدس السابق في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، بغارة أميركية قرب مطار بغداد في 3 يناير/ كانون الثاني 2020.
ووفقاً للمسؤول ذاته، فإنّ "تحرك الكاظمي باتجاه مسؤولين في طهران، نتجت عنه شفاعات إيرانية إزاء ملف القصف على السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء، ما ساهم في توقف الهجمات"، كاشفاً عن إطلاق سراح جميع من تم اعتقالهم في 25 ديسمبر الماضي من أعضاء مليشيا "عصائب أهل الحق"، بمن فيهم القيادي حسام الأزيرجاوي، والمتهمون بالضلوع بالقصف، وذلك "وفقاً لتفاهمات شاملة إزاء ملف تعرض المنطقة الخضراء للهجمات".
وكان وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين قد كشف، في 18 يناير الماضي، عن توجيه بلاده طلباً إلى إيران للمساعدة في إيقاف عمليات استهداف المنطقة الخضراء، موضحاً في تصريحات صحافية، أنّ الحكومة الحالية "تعمل مع البعثات الدبلوماسية لتوفير الحماية اللازمة لها". وقال إنّ "الهجمات الصاروخية على المنطقة الخضراء تحرج الحكومة"، محذراً من أن واشنطن "قد تتخذ إجراءات مشددة" إذا ما تواصل استهداف سفارتها.
تم رفع الكثير من القيود الأمنية في المنطقة الخضراء
وأشار المسؤول العسكري ذاته، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "استمرار الهجمات بالعبوات الناسفة على أرتال الدعم اللوجيستي للتحالف الدولي أو معسكر فيكتوريا الأميركي، ضمن مطار بغداد الدولي، وكذلك تهديد العاملين العراقيين ضمن المنظمات والمصالح الأميركية وكذلك مع قوات التحالف الدولي، كالمترجمين ومتعهدي النقل والخدمات والمقاولين، تتورط فيها جماعة كتائب حزب الله تحديداً. فهي تعتبر أنّ التفاهم الأخير كان متعلقاً بالسفارة الأميركية فقط، على اعتبار أنها بعثة دبلوماسية، لكن الأهداف الأخرى وضعها مختلف".
وشهد العراق منذ مقتل سليماني والمهندس، مطلع العام 2020، تصاعداً لافتاً في الهجمات بالعبوات الناسفة وصواريخ "الكاتيوشا"، والتي تستهدف أرتالاً تنقل معدات تابعة للتحالف الدولي، وكذلك المنطقة الخضراء، حيث مقر السفارة الأميركية، ومطار بغداد الدولي الذي يوجد فيه جزء مخصص للقوات الأميركية ويعرف باسم "معسكر فيكتوريا". وعلى الرغم من عدم إعلان السلطات العراقية عن هوية الجهات المنفذة لتلك الهجمات، إلا أنّ واشنطن تتهم مليشيات مسلحة مدعومة من إيران بالوقوف وراءها، فيما تعتمد السلطات العراقية مصطلح "العصابات الإجرامية"، في الإشارة إلى مثل هذا النوع من الهجمات، في محاولة منها لتمييزها عن الهجمات الأخرى التي يقف خلفها تنظيم "داعش".
من جهته، فسّر السياسي العراقي وائل الحازم توقّف الهجمات على مبنى السفارة الأميركية في الأسابيع الماضية، بأنه "يأتي ضمن حالة الترقب الإيرانية للطريق الذي ستسلكه الإدارة الأميركية الجديدة مع طهران"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الجو العام لدى الفصائل في العراق، هو أن وصول جو بايدن في صالحها، لدرجة أنّ هذه الفصائل باتت تروّج لفكرة أنّ بايدن سيُعيد زعيم حزب الدعوة نوري المالكي إلى السلطة، وسيدعمه ليكون رئيساً للوزراء في مرحلة ما بعد الانتخابات المبكرة" المقررة في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
وأوضح الحازم أنّ "إيقاف الهجمات على المنطقة الخضراء في بغداد، يسمح، وفق وجهة نظر الفصائل الولائية، بعودة الحياة للمفاوضات الإيرانية الأميركية، مع بقاء الهجمات التي تستهدف أرتال الدعم اللوجستي للقوات الأميركية في أكثر من محافظة عراقية، كون الاستهداف البري للوجود الأميركي يخضع لقرارات وإرادة فصائل لا تؤمن بالعمل السياسي والمباحثات. ولذلك، فإنّ هدنة حالية غير معلنة باتت سارية المفعول إلى أن تتضح سياسة بايدن الخارجية".
إطلاق سراح جميع من تم اعتقالهم من أعضاء مليشيا "عصائب أهل الحق"
أما القيادي في جماعة "عصائب أهل الحق" جواد الطليباوي، فقد اعتبر أنّ الهجمات الصاروخية على السفارة الأميركية "بعيدة عن فصائل المقاومة الإسلامية"، في إشارة إلى المليشيات الموالية لإيران والتي تمتلك أجنحة مسلحة أيضاً لها في سورية حيث تقاتل إلى جانب نظام بشار الأسد. وأضاف الطليباوي، في حديثه مع "العربي الجديد"، أنّ "عمليات الثأر للشهيدين سليماني والمهندس لم تنته بعد، وهناك عمليات لها توقيتها وشكلها، لكن الهجمات على السفارة الأميركية ليست من بينها، لأنّ استهداف البعثات الدبلوماسية يعني الإضرار بالأمن العراقي والعلاقات الخارجية بين العراق ومحيطه الإقليمي والدولي".
بدوره، أوضح الخبير الأمني العراقي سرمد البياتي أنّ "تراجع الهجمات على المنطقة الخضراء له أسباب واضحة، من بينها استلام بايدن للحكم في الولايات المتحدة، إضافة إلى محاولات إيران لإعادة علاقاتها مع أميركا والاتحاد الأوروبي، وبالتالي هي لا تريد أن يشتد التوتر في العراق، من أجل العودة إلى ما كان عليه الوضع قبل عهد دونالد ترامب". وأضاف البياتي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "زيارة قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني إلى العراق (في 23 ديسمبر الماضي)، أدت إلى هدنة غير معلنة، التزمت بها بعض الفصائل العراقية، في سبيل بدء طهران مراحل سياسية جديدة ترتبط بعلاقاتها الخارجية".