استمع إلى الملخص
- تمكنت السلطات العراقية من ضبط كميات كبيرة من الكبتاغون واعتقال آلاف المتورطين، خاصة في المحافظات الحدودية، مع تراجع التهريب بعد السيطرة على مصانع الكبتاغون في سوريا.
- يشير الخبراء إلى أن إنتاج الكبتاغون كان جزءًا كبيرًا من اقتصاد النظام السوري السابق، وهناك مخاوف من انتقال الإنتاج إلى العراق تحت نفوذ الفصائل المسلحة.
يستبشر مسؤولون في الأمن العراقي ومختصون، بعد إسقاط نظام بشار الأسد في سورية والسيطرة على مصانع الكبتاغون والمعامل التي كانت تنتشر في مناطق خاضعة لسيطرة النظام السوري السابق، بتخلّص العراق من هذه الآفة، بعدما كانت أزمة الكبتاغون تطاول البلاد، إذ كان هذا المركّب المخدر يدخل العراق من سورية، وسط إعلان قوات الأمن العراقية بين فترة وأخرى مقتل ضباط وعناصر أمن من أفرادها خلال مواجهات مع تجار ومروجي المخدرات، فضلاً عن جرائم يرتكبها مدمنون.
ومنذ الإعلان عن سقوط نظام الأسد، في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الحالي، عُثر في مناطق مختلفة من سورية على كميات كبيرة من أقراص الكبتاغون المكدّسة في مستودعات أو قواعد عسكرية، لتؤكد صحة التقارير حول دور النظام السوري في صناعة هذه المادة المخدرة المحظورة، وتصديرها إلى العالم. وسيطرت فصائل المعارضة السورية على قواعد عسكرية ومراكز توزيع منشطات يدخل في تركيبها الأمفيتامين (محفز قوي للجهاز العصبي) غمرت السوق السوداء في جميع أنحاء المنطقة، كما أعلنت فصائل المعارضة أنها عثرت على كمية هائلة من المخدرات وتعهدت بإتلافها.
تراجع أزمة الكبتاغون في العراق
وفق مسؤولَين عراقيَين في العاصمة بغداد ومحافظة نينوى، فإنه منذ ثلاثة أسابيع تقريباً هناك تراجع كبير في معدلات تهريب شحنات الكبتاغون إلى العراق، ليتوقف كلياً خلال الأسبوع الأخير. ويقول مسؤول عراقي في وزارة الداخلية العراقية، لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم ذكر اسمه، إن "الأسبوع الأخير كان الأنظف منذ سنين طويلة، إذ لم تشهد الحدود أي عمليات تهريب أو تسلل لشحنات المخدرات المتمثلة بأقراص الكبتاغون"، معتبراً أن "المكسب العراقي المهم هو توقف دخول هذه المخدرات للمجتمع العراقي". ويضيف أن هذه التجارة كانت "مدعومة من عناصر في فصائل مسلحة"، لافتاً إلى أن "من يعمل في هذه التجارة على صلة وتنسيق مع نظام الأسد وقواته الموجودة على الطرف المقابل من قواتنا". ووفق المسؤول نفسه، فإن عدد المدمنين بالعراق على هذه المادة التي كانت الأراضي السورية مصدراً رئيساً لها يُقدّر بنحو 300 ألف شخص، متحدثاً عن ارتفاع أسعار أقراص الكبتاغون إلى عشرة أضعاف خلال الأيام الماضية.
وتظهر أحدث الأرقام الصادرة عن مديرية مكافحة المخدرات التابعة لوزارة الداخلية العراقية، ضبط نحو عشرة أطنان من الأقراص والمؤثرات العقلية خلال النصف الأول من العام الحالي، إلى جانب اعتقال أكثر من ستة آلاف متورط بهذه التجارة. وتعد نينوى والأنبار، المحافظتان الحدوديتان مع سورية، الأكثر تضرراً باعتبارهما محافظتي مرور إلى باقي مدن ومحافظات العراق. ويقول مسؤول في قيادة عمليات الجيش العراقي بمحافظة نينوى، لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم الكشف عن اسمه، إن "سورية كانت المصدر الأول لهذه السموم على مستوى العالم، والعراق الأكثر تضرراً منها". ويوضح أن "من بين خمس عمليات تهريب كنا نطيح باثنتين فقط، إذ يستغل المهربون أحوال الطقس على الحدود والأنفاق لتمريرها، وأخرى عبر طرق خبيثة في بضائع وشحنات مختلفة يفتقد العراق الأجهزة الحديثة المتوفرة في دول أخرى لكشفها، كما يتم بعض منها تحت عناوين (باسم) لفصائل مسلحة كانت موجودة في سورية".
ووفق المسؤول نفسه، فإن أزمة الكبتاغون لم تقتصر على العراق، ولم يكن وحده منتهى تلك الأقراص، بل كانت كل من السعودية والكويت هدفاً لدخول الشحنات إلى العراق، ومنه إلى هذين البلدين. ويلفت إلى أنه على الرغم من السيطرة على جميع مصانع الكبتاغون داخل سورية من جهة، وإغلاق الحدود عسكرياً بين البلدين من جهة أخرى، إلا أن الخشية ما زالت قائمة من احتمالات عودة أزمة الكبتاغون والأنشطة المرتبطة بها، خصوصاً في حال لم تفرض السلطات السورية الجديدة سيطرتها على مجمل الجغرافيا السورية وتلاحق القائمين على صناعة هذه الأقراص وتمنعهم من مزاولة أعمالهم مرة أخرى. وفي يوليو/ تموز الماضي، أكد مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أن السلطات العراقية صادرت، العام الماضي، كميات قياسية من أقراص الكبتاغون قد تصل قيمتها إلى 144 مليون دولار. وصادر العراق في العام 2023 نحو 24 مليون قرص كبتاغون، يفوق وزنها 4.1 أطنان.
قطع التهريب عبرالحدود
وحول أزمة الكبتاغون في العراق، يلفت الاستشاري في اقتصاد النقل الدولي زياد الهاشمي إلى أن "سلاسل إمداد وإنتاج ونقل واستهلاك المواد المخدرة التي كانت تنطلق من سورية ولبنان باتجاه منطقة الخليج والعراق والأردن تم كسرها وتحييدها بعد قطع التهريب عبر الحدود السورية، وإيقاف مراكز الإنتاج في سورية". ويوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "نظام الأسد استطاع بمساعدة حلفاء إقليميين إدامة اقتصاده من خلال شرعنة وتوسيع إنتاج المواد المخدرة، لا سيما الكبتاغون، وتصديرها إلى الدول الإقليمية، ما حوّل الاقتصاد السوري إلى اقتصاد كبتاغوني بامتياز".
زياد الهاشمي: هناك مؤشرات إلى وجود بؤر إنتاج الكبتاغون في مناطق بكردستان - العراق
ويشير إلى أن "إنتاج وتصدير الكبتاغون كان يشكل 50% من الناتج المحلي للنظام، بعائدات سنوية تقدر بحدود ستة مليار دولار، أما الأسواق المستهدفة فهي السعودية والإمارات والعراق والكويت وقطر"، معتبراً أن إسقاط نظام الأسد "أسقط معه واحدة من أخطر وأوسع وأكبر سلاسل إمداد المواد المخدرة حول العالم والتي كانت تُدار برعاية حكومات وأجهزة مخابرات وأحزاب ومليشيات مسلحة". لكن الهاشمي يحذّر في القوت نفسه من انتقال أزمة الكبتاغون وتصنيعه إلى مناطق وبؤر داخل العراق تقع تحت نفوذ الفصائل المسلحة، مبيناً أن "هناك مؤشرات إلى وجود بؤر إنتاج الكبتاغون في مناطق بمدينة جرف الصخر وأخرى بمحافظة السليمانية ضمن إقليم كردستان، شمالي العراق".
علي حسن: سقوط نظام الأسد يعني أن العالم تخلص من أكبر جهة مصنعة للكبتاغون
من جهته، يرى الناشط في مجال مكافحة المخدرات علي حسن أن "النظام السوري كان يرعى صناعة الكبتاغون، فيما كان العراق ثم السعودية يمثلان السوق لهذه الأقراص المخدرة"، وأن "سيطرة حكومة جديدة على الوضع في سورية، سيؤدي بكل تأكيد إلى تراجع هذه الصناعة". ويضيف في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "شريحة من الشباب العراقي أدمنت على هذه المادة، كونها رخيصة بالنسبة لبقية أنواع المخدرات"، لافتاً إلى أن "سقوط نظام بشار الأسد يعني أن العالم تخلص من أكبر بلد (جهة) مصنع لهذه المادة".