أفادت مصادر عراقية لـ" العربي الجديد" بأن قيادة العمليات العراقية المشتركة، نشرت خلال الأسبوعين الماضيين، لواء مشاة إلى جانب عدة أفواج تابعة لقوات حرس الحدود ضمن المنطقة الثانية المحاذية للحدود العراقية السورية، في مناطق تصفها بغداد بأنها هشة، وتمسك بها من الطرف السوري جهات مسلحة مختلفة، أبرزها "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وفصائل مسلحة موالية لنظام الرئيس السوري بشار الأسد. يأتي ذلك بالتزامن مع التوتر الأمني شرقي سورية عقب الاشتباكات التي اندلعت منذ ما يقارب الأسبوعين بين العشائر العربية و"قسد".
احتمال استغلال "داعش" للأوضاع شرقي سورية
وقال جنرال عراقي رفيع في قيادة العمليات المشتركة لـ"العربي الجديد" إن قرار الدفع بقوات إضافية إلى الحدود السورية، "يأتي في سياق تقارير استخبارية حذرت من التطورات التي تشهدها مناطق شمال وشمال شرقي سورية واحتمالية فرار عناصر من تنظيم داعش من سجون قسد، أو حتى استغلال الأوضاع لتسلل خلايا هناك إلى داخل العراق".
وأضاف أن "لواء مشاة قتالي إلى جانب عدة أفواج من حرس الحدود مدعومة بعربات مصفحة وأجهزة كشف ليلية انتشرت على الحدود ونصبت علامات تحذيرية جديدة، تفيد بأن القوات الموجودة على المنطقة الحدودية مخوّلة بإطلاق النار".
وانتشرت القوات العراقية الجديدة، في المناطق المحاذية للباغوز والزوية والهري، والهول وتل جابر، ضمن دير الزور والحسكة، والتي تقابلها من الجانب العراقي مناطق القائم وحصيبة الغربية والبعاج وفيشخابور، ضمن محافظتَي الأنبار ونينوى غربي وشمالي العراق.
مخافر عراقية جديدة على الحدود مع سورية
هذه المعلومات أكدها مسؤول عسكري عراقي آخر في قيادة عمليات الجزيرة والبادية التابعة لوزارة الدفاع العراقية، والمسؤولة عن أمن الحدود مع سورية. وقال في اتصال هاتفي مقتضب مع "العربي الجديد"، إن "الجهد الهندسي في الجيش بدأ ببناء مخافر جديدة وتوسيع نطاق الخندق الترابي مع سورية"، لافتاً إلى أنه من غير المرجّح أن تستقر المناطق السورية المجاورة خلال السنوات الخمس المقبلة.
مسؤول عسكري عراقي: من غير المرجّح أن تستقر المناطق السورية المجاورة قريباً
وأوضح أن "ما حدث من مواجهات بين العشائر وقسد قد يتكرر مرة أخرى بين الطرفين نفسيهما أو مع أطراف أخرى، لذا وجهت الحكومة العراقية بالاعتماد على الجهد الهندسي بوزارة الدفاع لتعزيز الحدود بخنادق وأسلاك شائكة ونصب كاميرات مراقبة، وهذا الأمر سيفيد أيضاً بمنع تهريب المخدرات والمواد الممنوعة من سورية".
كما وصف المناطق الخاضعة لسيطرة "قسد" داخل سورية، بـ"المضطربة للغاية"، مشيراً إلى أن للفصائل العراقية الموجودة على الحدود "دور إيجابي في ضمان أمن الشريط الحدودي من جهة الأنبار تحديداً"، وفقاً لقوله.
تحديات أمنية على الحدود العراقية-السورية
ويُمثل ملف الحدود العراقية السورية البالغة نحو 620 كيلومتراً، أحد أبرز التحديات الأمنية للعراق، وتمتد من محافظة الأنبار غربي العراق التي تقابلها بلدة البوكمال من الجهة السورية، وصولاً إلى محافظة نينوى التي تقابلها أيضاً من الجانب السوري محافظة الحسكة.
ويقدر عدد القوات العراقية التي تنتشر على طول الحدود بأكثر من 50 ألف جندي موزعين بين قوات حرس الحدود والجيش والشرطة الاتحادية، إضافة إلى فصائل "الحشد الشعبي".
وسبق أن أفاد معاون رئيس أركان الجيش العراقي الفريق قيس المحمداوي، في مارس/ آذار الماضي، بأن قيادة عمليات الجيش العراقي، تتجه إلى إنشاء جدار صد جديد على الحدود العراقية السورية من جهة الغرب، وذلك بعد أسابيع قليلة من إعلان السلطات الأمنية في بغداد اكتمال حفر خندق حدودي مع سورية من جهة محافظة نينوى، التي تقابلها منطقتا الحسكة ودير الزور.
وأشار في تصريح صحافي حينها إلى أن القيادة تواصل عملاً جباراً منذ سنتين لتأمين الحدود، لا سيما الغربية مع سورية، فضلاً عن توفير منظومات مراقبة متطورة إضافة إلى طائرات مسيّرة ومناطيد وكاميرات حرارية للمراقبة.
كما ذكر قائد قوات حرس الحدود في العراق، الفريق محمد السعيدي، الشهر الماضي، أن "الحدود تعتبر الأهم والأكثر تهديداً على أمن البلد خصوصاً الحدود مع سورية، لا سيما المنطقة الممتدة من شمال نهر الفرات وهي القائم إلى شمال ربيعة، بسبب الوضع الأمني غير المستقر في الجانب السوري ووجود قوات قسد الماسكة للحدود وللمنطقة السورية بدل القوات النظامية".
وأضاف السعيدي، في حديث نقلته وكالة الأنباء العراقية (واع)، أنه تم وضع جدار إسمنتي، الذي هو عبارة عن كتل كونكريت بارتفاع 3 أمتار و75 سنتيمتراً يعلوها سياج منفاخي (أسلاك حديدية)، في المنطقة الحساسة بالحدود التي تمتد من جبل سنجار باتجاه تل الصفوك ووادي العجيج، وأُنجز هذا التحصين "بنحو 67 كيلومتراً طولاً لحد الآن".
ورغم أن الشهر الماضي شهد تحركات غير معهودة للقوات الأميركية في مناطق مختلفة من العراق أثارت تحفظ أطراف سياسية وفصائل مسلحة، إلا أن السفيرة الأميركية في بغداد ألينا رومانوسكي قالت في 23 أغسطس/ آب الماضي، إن التحركات كانت جزءاً من عمليات تبادل للقوات المنتشرة في البلاد، والتي تقدر بـ2500 عسكري أميركي، فضلاً عن أعداد أخرى من المستشارين.
من جهتها أعلنت القيادة المركزية الأميركية في بيان الجمعة الماضي، أن قواتها لم تنفذ أي عملية عسكرية بشكل منفرد، لكنها شاركت في 28 عملية مشتركة (مع التحالف الدولي والشركاء الآخرين) بالعراق، أسفرت عن مقتل 6 من عناصر تنظيم "داعش"، واعتقال 18 آخرين.
استراتيجية عراقية على الحدود مع سورية
وفي السياق قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، ياسر وتوت، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الانتشار العراقي الجديد على الحدود مع سورية يأتي بعد أن تفاهمت بلاده مع الحكومة السورية".
وأضاف أن "الوضع الأمني حالياً على الشريط الحدودي مع سورية، آمن، خصوصاً بعد الاستراتيجية التي اتخذت من قبل القيادة العراقية، من خلال المخافر الحدودية المدعومة بكاميرات حرارية واستطلاع مع أبراج وخنادق يرافقها انتشار قطعات الجيش في محاور مهمة تجعله الأقرب إلى أي دعم مع التشكيلات الساندة (فصائل الحشد الشعبي وطيران الجيش وجهاز مكافحة الإرهاب وجهاز الأمن الوطني)".
ياسر وتوت: العراق على تفاهم مع الحكومة السورية
وأوضح وتوت أن "العراق على تفاهم مع الحكومة السورية، وأن الحكومة العراقية تنظر بقلق إلى الأحداث المقلقة أمنياً في دير الزور وغيرها من المناطق، لكن لا يوجد أي مخاطر تستهدف أمن العراق".
من جهته، بيَّن الخبير بالشؤون الأمنية في العراق أحمد الشريفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الحدود العراقية السورية، تمثل أكبر التحديات الأمنية بالوقت الحالي للعراق، وهي بمثابة شباك مشاكل متواصل". وأرجع هذه التحديات إلى "حوادث تسلل عناصر تنظيم داعش، أو شبكات التهريب، والمشاكل الأمنية في المناطق التي تسيطر عليها قوات قسد".
واعتبر الشريفي أن "الانتشار العراقي الجديد، الذي يترافق أيضاً مع التحركات الأميركية الأخيرة داخل سورية أو العراق، يشير إلى وجود تحسب من أي تطور أمني، وبالتالي فإن التعزيزات الأمنية (العراقية) على الحدود مع سورية، هي أمر طبيعي". ورأى أن هذه الإجراءات "تقلل من فرص القصف الإسرائيلي على الشريط الحدودي العراقي- السوري بذريعة استهداف فصائل مسلحة هناك كما حدث في مرات سابقة".