على وقع المخاوف المسيطرة في الساحة العراقية من عمليات استهداف جديدة للمصالح الأميركية في البلاد، قد تدفع واشنطن إلى رد فعل عسكري، كانت حكومة مصطفى الكاظمي ترسل وفداً إلى طهران لمناشدتها التدخل لضبط المليشيات العراقية القريبة منها، خصوصاً مع المؤشرات على تصاعد التوتر العسكري، أكان باستمرار استهداف قوافل تابعة للتحالف الدولي ضد "داعش"، أو الأحاديث عن رصد نقل صواريخ في بغداد.
ويُكمل الوفد الحكومي العراقي زيارته إلى طهران، اليوم الثلاثاء، بمخرجات غير مضمونة تماماً، على حد تعبير أحد المسؤولين العراقيين، الذي أبلغ "العربي الجديد" بأن الوفد توجه إلى إيران بحثاً عن حلول وتفاهمات لضبط الأوضاع الأمنية في العراق مع دخول حكومة مصطفى الكاظمي والقوى السياسية فترة حبس الأنفاس، خوفاً من "هجوم فصائلي جديد يفجر رد فعل عسكريا أميركيا بات أقرب من أي وقت آخر". وتوجّه الوفد إلى طهران مساء الأحد، برئاسة المستشار في مكتب الكاظمي، مدير مكتب رئيس الوزراء السابق المستقيل عادل عبد المهدي، محمد الهاشمي، المعروف باسم أبو جهاد الهاشمي، وهو أحد المقربين من طهران، وشغل مناصب عدة في المجلس الإسلامي الأعلى بزعامة عبد العزيز الحكيم خلال تواجده في إيران قبل الغزو الأميركي للعراق. كما ضم الوفد شخصيات أخرى تتمتع بعلاقات جيدة مع المسؤولين الإيرانيين على مستوى وزارة الخارجية وكذلك الحرس الثوري و"فيلق القدس"، من بينهم شخصية مهمة ضمن "هيئة الحشد الشعبي" يدعى أبو علي البصري.
الوفد الذي عقد سلسلة لقاءات مع مسؤولين في الحرس الثوري إلى جانب مسؤولي وزارة الخارجية، سعى إلى شرح خطورة الأوضاع في العراق، والمعلومات المتوفرة بشأن نيّة أميركية الرد على أي هجوم صاروخي آخر على سفارة واشنطن أو معسكر "فيكتوريا" المجاور لمطار بغداد الدولي، والذي تتواجد داخله وحدة مهام أميركية ضمن قوات التحالف الدولي.
وقال مسؤول في مكتب الكاظمي لـ"العربي الجديد"، إن الوفد يسعى لتحقيق تفاهم مع "إيران الدولة"، على حد تعبيره، مشيراً إلى أن الهدف هو أخذ ضمانات واضحة من المسؤولين الإيرانيين بشأن مساعدة الحكومة في فرض القانون والنظام، ومن المؤمل أن ينهي الوفد زيارته (اليوم الثلاثاء) بلقاء مسؤولين في مكتب المرشد الإيراني علي خامنئي للغرض ذاته. وكشف عن مساعي الوفد لضبط تمرد ثلاثة من الفصائل المسلحة على الحكومة العراقية وإخضاعها لقرارات الدولة، وهي "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق" و"النجباء".
يسعى الوفد لضبط تمرد ثلاثة فصائل مسلحة على الحكومة، وهي "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق" و"النجباء"
في السياق، تحدث برلماني، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، عن رسالة من الكاظمي حملها الوفد تشرح الموقف كاملاً للقيادة الإيرانية، لافتاً إلى أن إيفاد الهاشمي جاء كونه محل ثقة من الحرس الثوري وكذلك المسؤولين في إيران، مشيراً إلى أن "الحكومة العراقية تريد التعامل مع طرف واحد في أزمة الفصائل المسلحة، لوجود تباين في مواقف مؤسسة الحرس الثوري عموماً والمسؤولين الإيرانيين الرسميين".
من جهته، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة، في مؤتمره الصحافي الأسبوعي أمس الإثنين، حول زيارة الوفد العراقي، إنه "تم إجراء مباحثات بشأن آخر التطورات"، من دون المزيد من التفاصيل، معتبراً أن "هذه المشاورات بين الطرفين أمر مألوف وعادي". وعلى صعيد متصل، اعتبر خطيب زادة أن تصريحات الرئيس الأميركي الخاسر دونالد ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو حول الهجمات على السفارة والقوات الأميركية في العراق "أمر مشكوك فيه للغاية ومشيطن"، مؤكدا أن إيران "لا تسعى إلى إثارة التوترات". غير أنه حذّر واشنطن من مغبة أي تحرك ضد بلاده، وقال "سندافع عن مصالحنا الوطنية بكل قوة وحزم"، كاشفاً عن إرسال طهران رسالة للولايات المتحدة لتحذيرها من مغبة "أي تصرف وتحميلها مسؤولية ذلك، من دون أي يسمّي الجهة التي نقلت عبرها الحكومة الإيرانية هذه الرسالة. وأكد خطيب زادة أن "إيران ترفض الهجمات على المقرات الدبلوماسية والسكنية".
زيارة الوفد العراقي إلى طهران تزامنت مع استمرار حملة التحشيد العسكري والأمني في مناطق عدة من بغداد، مع نصب حواجز تفتيش ونقاط مراقبة، خصوصاً في محيط المنطقة الخضراء، التي يتوقع أن يتم إغلاق طرق قريبة منها، خلال اليومين المقبلين، بحسب مصادر أمنية. فيما سُجلت، خلال اليومين الماضيين، ثلاث هجمات بعبوات ناسفة استهدفت أرتالاً تحمل معدات للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في مناطق متفرقة من وسط وجنوبي العراق، وتحديداً بابل والديوانية والمثنى وسط وجنوبي العراق. ولم تسجل أي خسائر بشرية في طواقم تلك الأرتال التي تتبع شركات نقل عراقية محلية ولا تضم أي جنسيات أجنبية، كما أن المعدات التي تحملها غير عسكرية، مثل أطعمة ومياه معدنية ومولدات كهرباء.
تحدثت وسائل إعلام محلية عن رصد عملية نقل صواريخ إلى إحدى مناطق شرقي العاصمة
في السياق ذاته، نقلت وسائل إعلام محلية عراقية عن مصادر أمنية في بغداد، أنه تم رصد عملية نقل صواريخ إلى إحدى مناطق شرقي العاصمة، تمهيداً لقصف المنطقة الخضراء في احتفالات رأس السنة. ونقلت وكالة "السومرية نيوز"، المقربة من السلطات العراقية، عن مسؤول أمني قوله إنه "تم رصد معلومات عن قيام مجموعة مسلحة بعملية نقل صواريخ نوع (غراد) إلى منطقة حي المعامل شرقي العاصمة، بغية استهداف المنطقة الخضراء في ليلة رأس السنة"، موضحاً أنه "تم إصدار توجيهات أمنية لمراقبة وتفتيش المناطق التي يحتمل وصول الصواريخ إليها، كما وجهت بمتابعة أي تحركات مريبة".
وتعليقاً على زيارة الوفد الخاص إلى طهران، قال الباحث السياسي العراقي غانم العابد، إن "المفارقة في الوفد إلى إيران أنه لأول مرة يتم استبعاد فالح الفياض من هكذا مهام ذات بُعد أمني تتعلق بالتنسيق مع طهران، بل تم اعتماد أبو جهاد الهاشمي، والذي كان مدير مكتب عادل عبد المهدي، ويعتبر مقرباً من إيران، وكان فاعلاً في ملفات رئيسية خلال فترة حكومة عبد المهدي". وأضاف العابد، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن "الهاشمي توجّه لإطلاع الفاعلين في إيران على خطورة ما تقوم به الفصائل المسلحة المدعومة منها من استهداف المنطقة الخضراء والبعثة الأميركية، والأرتال التي تنقل معدات للتحالف الدولي". ورأى العابد أن التسريبات تؤكد وجود "اتفاق وبشكل ضمني بعدم التصعيد، إذ إن إيران تدرك أن لا الزمن ولا الوضع يسمح لها بالتصعيد في الوقت الحالي، لهذا أبلغت الأذرع المرتبطة بها بوقف تحركاتها، خصوصاً بعد التحشيدات التي قامت بها واشنطن في الخليج العربي ومضيق هرمز".