أعلنت جمعية القضاة التونسيين، اليوم الاثنين، أنها ستقوم بتبليغ المقررة الخاصة لاستقلال القضاء والمحاماة لدى الأمم المتحدة وكل المنظمات الدولية في مجال استقلال القضاء بما جاء في بيان باماكو حول "تواصل أزمة السلطة القضائية في تونس"، الذي أصدرته المجموعة الأفريقية للاتحاد الدولي للقضاة خلال اجتماعها في مالي في 22 فبراير/شباط الجاري.
وذكرت المجموعة أن القضاء التونسي يواجه أزمة عميقة ومستمرة، من خلال انتهاكات جسيمة للقواعد الأولية التي تميز سيادة القانون، بالإضافة إلى الاعتداء على مبدأ الفصل بين السلطات.
وعادت إلى قرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد، عزل 57 قاضيا عبر مرسوم، مستغربة رفض السلطة "تنفيذ الأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية لصالح القضاة المفصولين، في ازدراء تام لسيادة القانون والمعايير الدولية لاستقلال القضاة، ولجوء السلطة التنفيذية إلى التهم الجنائية ضد القضاة المفصولين من أجل التمويه على عدم احترام القرارات القضائية"، بحسب البيان.
وأعربت الاتحادات المنضوية في المجموعة الأفريقية للاتحاد الدولي للقضاة المنعقدة في باماكو عن تضامنهم مع القضاة التونسيين، مستنكرين ما وصفوه بـ"الانتهاكات المختلفة المرتكبة".
وحث البيان "السلطة التنفيذية على احترام التزامات تونس بموجب المعاهدات المصادق عليها فيما يتعلق بمبادئ استقلال القضاء"، داعيا "الدولة التونسية إلى احترام الأحكام القضائية الصادرة لصالح القضاة المفصولين، والامتناع عن أي إجراء يهدف إلى تمويه عدم احترام هذه الأحكام".
ودعا أيضا إلى "الوقف الفوري للإجراءات الجنائية التي لا أساس لها، والتي بدأت بحق القضاة المفصولين إثر إعلان أحكام وقف التنفيذ"، مطالبا "السلطة التنفيذية بوقف الإجراءات التأديبية والجنائية ضد القضاة بسبب الممارسة السلمية لحقوقهم النقابية والقضاة الذين يناضلون من أجل سلطة قضائية مستقلة".
وأكد القاضي محمد العفيف الجعيدي، في حديث مع ''العربي الجديد" أن "أزمة السلطة القضائية تفاقمت، ومنطلقاتها بدأت بضرب الضمانات الأساسية للقضاء، عبر الحل التعسفي للمجلس الأعلى للقضاء، ومن خلال الادعاء بأن القضاء وظيفة ونزع صفة السلطة عنه (دستور 2022)، ومن خلال حجب الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة والإعفاءات التي طاولت 57 قاضيا، والتي جرى بها ترهيب القضاة الذين تمسّكوا باستقلاليتهم وشرف مهنتهم وهي متواصلة إلى اليوم".
وأضاف أن "المحكمة الإدارية أصدرت أحكاما تخص القضاة المعفيين، ولكن السلطة التنفيذية لم تنفذها، وإلى حد الآن لم تصدر الحركة القضائية السنوية، وهو ما يؤكد تواصل الأزمة الهيكلية التي يعيشها القضاء".
وبيّن الجعيدي أن "هذه الأزمة ستلقي بظلالها على أداء القضاء الوظيفي وعلى الثقة العامة في القضاء"، داعياً القضاة إلى "التمسك بشرف مهنتهم ورفض تدخل السلطة التنفيذية".
وحول تأخر إجراء الحركة القضائية، قال الجعيدي "إن هذا الأمر لا يمكن تفسيره، ووحدها السلطة والجهة المسؤولة عن ذلك يمكنها ذلك"، مستدركا "هذا يؤكد أنه تم المس بالضمانات الأساسية لاستقلال القضاء".
وأشار إلى أن "المواطن يحتاج قضاء عادلا ناجزا، وهناك شروط لذلك، أهمها توفر ضمانات استقلالية القضاء، ونحن نفتقر إلى ذلك في تونس اليوم، وبالتالي ما يطلب اليوم من القضاء من نزاهة وحياد واستقلالية هو صعب المنال، حتى لا نقول مستحيل، لأن هناك قضاة يدافعون عن شرف مهنتهم وعن استقلاليتهم".
من جهتها، دعت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير نشرته اليوم الاثنين، "السلطات التونسية أن تعيد فورا القضاة ووكلاء الجمهورية الذين عزلهم الرئيس قيس سعيّد تعسفا في إطار حملة أعلن عنها ضد الفساد، وأن تلغي جميع الإجراءات المتخذة لسحق استقلال القضاء".
وبينت أن "وزارة العدل رفضت إعادة 49 قاضيا ووكيلا للجمهورية رغم أمر بالقيام بذلك صادر عن محكمة إدارية في 9 أغسطس/آب 2022، وهو حكم لا يمكن للسلطات استئنافه". وقالت إنه بدلا من ذلك، أعلنت وزيرة العدل، ليلى جفال، المعينة من قبل سعيّد "عن التحضير لقضايا جنائية ضد القضاة المعزولين". ووصف أربعة منهم قابلتهم "هيومن رايتس ووتش" بشكل منفصل "التعسف في عزلهم وجهود السلطات لتبرير ذلك بتوجيه اتهامات جنائية ضدهم بعد حكم المحكمة الإدارية".
وقالت مديرة شؤون تونس في "هيومن رايتس ووتش" سلسبيل شلالي، "تعكس هذه الضربات لاستقلال القضاء تصميم الحكومة على إخضاع وكلاء الجمهورية والقضاة للسلطة التنفيذية، على حساب حق التونسيين في محاكمة عادلة أمام قضاة مستقلين ونزيهين. ينبغي ألّا تُستخدم مكافحة الفساد لأغراض سياسية وأن تتم في إطار الامتثال لسيادة القانون".