كانت الأجواء ما بين الرياض وطهران قد بدأت تصفو في الربيع الماضي، حينما انعقدت أول جولة مفاوضات بين الطرفين على مستوى عالٍ برعاية الحكومة العراقية في بغداد، من أجل عودة العلاقات الدبلوماسية، والتوصل إلى تفاهمات ثنائية، وأخرى تخص القضايا الإقليمية. ولكن المؤشر عاد إلى ما كان عليه، عندما فجّر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة، يوم الإثنين من الأسبوع الماضي، مفاجأة حدد فيها ثلاثة شروط على السعودية الالتزام بها، كي يتم عقد الجولة الخامسة التي كانت مبرمجة في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، وتنتظر إشارة من الطرف العراقي الذي انشغل بتداعيات الانتخابات التشريعية. وحيال تعقيدات الوضع في العراق جرت مداولات بنقل المفاوضات إلى بلد آخر، إلا أن تصريح خطيب زادة عقّد المسألة، وأعاد خطاب ما قبل المفاوضات إلى الواجهة. وفي أول إشارة استفزازية، طلبه من الرياض أن تبدي المزيد من الجدية في المفاوضات، واشتراطه تخفيف الضغوط السعودية في لبنان. وذهب أبعد حين طلب من السعودية وقف حرب اليمن، قبل أي مفاوضات بشأن المنطقة.
تحدثت طهران بعد الجولة الرابعة عن حصول اتفاقات أولية مع الرياض
إلى وقت قريب كانت النبرة الإيرانية مختلفة كلياً، وبعد الجولة الرابعة التي انعقدت في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، أدلى المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بتصريحات مختلفة، تنحو باتجاه التهدئة والتوافق، وقال في ختام الجولة "أعتقد ان الكلمة التي يمكن وصف أجواء المفاوضات بها بصورة جيدة هي أنها محترمة". وكشف عن حصول "اتفاقات أولية" مع السعودية خلال أربع جولات من الحوارات بين البلدين في بغداد، غير أنه قال في الوقت ذاته إن "هناك مسافة حتى إعادة فتح السفارات". وعلى ذلك رد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان بأن المحادثات مع إيران كانت "ودية" ووصفها بـ"الاستكشافية". وقال "نحن جادون بشأن المحادثات... الأمر ليس تحولاً كبيراً بالنسبة لنا، فدائماً ما نقول إننا نريد إيجاد سبيل لتحقيق الاستقرار في المنطقة".
وجرى النظر إلى تصريحات الطرفين باهتمام شديد، كون الجولة الرابعة هي الأولى بين الطرفين بعد وصول الحكومة الإيرانية الجديدة إلى الحكم بقيادة إبراهيم رئيسي، وسبقها لقاء بن فرحان في بغداد مع نظيره الإيراني حسين عبد الأمير عبد اللهيان، على هامش المؤتمر الإقليمي الذي نظمه العراق في 28 أغسطس/آب الماضي.
الحوار بين إيران والسعودية بدأ في إبريل/نيسان الماضي، بعد أن تكللت جهود الحكومة العراقية بالنجاح لجمع الطرفين على طاولة واحدة. وعقدت طهران والرياض حتى الآن أربع جولات، ثلاث منها في عهد الحكومة الإيرانية السابقة، والجولة الرابعة هي الأولى في عهد رئيسي. ومن أجل إنجاح هذه المبادرة شكّل رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي لجنة مصغرة ترتبط بمكتبه لمتابعة الحوار بين طهران والرياض، وفق مسؤول حكومي عراقي، أكد أن أهم الجولات هي الرابعة التي انعقدت في مطار بغداد الدولي بين وفدين كبيرين من المتخصصين بالشؤون الأمنية والسياسية والاقتصادية. وتحدثت أوساط عراقية قريبة من المفاوضات عن ملفات ثنائية على رأسها إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى ما كانت عليه قبل الأول من يناير/كانون الثاني 2016، عندما قطعت السعودية علاقاتها مع إيران. وتفيد مصادر عراقية واكبت المفاوضات بأن الملف اليمني على قائمة أولويات الحوار الثنائي. ومن الجانب السعودي، فإن الرياض طالبت طهران بالتوقف عن تهديد أمنها، والتدخل في الشؤون الداخلية لمنطقة الخليج، ووقف دعم المليشيات التي تهدد أربع دول عربية، لأن ذلك يعني تهديد سيادة المنطقة. وتعتبر السعودية نزع فتيل الأزمات يعود بإيجابيات على الجميع، وبالتالي فإن تقدم مفاوضات فيينا بين إيران ومجموعة 5+1 يجب أن يشجع إيران، في حين أن بقاء طهران على موقفها القديم من فرض نفوذها وسياساتها على المنطقة، لا يتماشى مع بنود الاتفاق الجديد لجهة الدور المزعزع للاستقرار.
المواجهة الاقليمية بين الطرفين في تصاعد من اليمن إلى لبنان وسورية والعراق، ولا يستطيع طرف واحد أن يحسمها لصالحه، وبالتالي يمكن بناء مصلحة ثنائية وإقليمية ودولية لوقف النزاع. على هذا الأساس سارت الجولات الأربع من أجل إعادة بناء الثقة، وكانت السعودية تعتبر أن المرحلة الاستكشافية انتهت، وبعد الجولة الرابعة ستكون هناك مسارات سياسية-أمنية-ثقافية، وسيقود ذلك إلى انفراج اقتصادي. وشروط الرياض لإعادة بناء الثقة، التزام طهران بالتعهدات والشروط الواردة في الاتفاق النووي لجهة عدم تهديد الاستقرار، ووقف دعم المليشيات الطائفية وعلى رأسها الحوثيون. وبعد أكثر من 7 سنوات على الحرب، تحاول السعودية إيجاد مخرج منها عبر تسوية سياسية، ولذلك لم ترد على التصريحات الإيرانية الجديدة، وأعلن بن فرحان يوم السبت الماضي أن المحادثات مع إيران ستستمر، و"من المتوقع إجراء جولة إضافية من المفاوضات قريباً".
تفاؤل حذر بأن التفاهم السعودي الإيراني، يمكن أن يقود إلى تفاهم أوسع بين القوى الكبرى في المنطقة
هناك تفاؤل حذر بأن التفاهم السعودي الإيراني، يمكن أن يقود إلى تفاهم أوسع بين القوى الكبرى في المنطقة، إيران، السعودية، مصر، وتركيا. وعلى الرغم من أنه من غير المنتظر أن تؤدي جولات الحوار بين السعودية وإيران إلى تفاهمات سريعة، ولكن سيكون من شأنها على الأقل، تخفيف الحملات الإعلامية المتبادلة، ومستوى العنف مرحلياً، واحتمالات تقديم تنازلات متبادلة، إيرانية في الملف اليمني، وسعودية في الملف السوري. وكان اللافت أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أوصلت رسائل واضحة أنها تريد الوصول إلى تهدئة وتفاهمات بين الطرفين. وفي أعقاب الجولة الرابعة قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس "نعتقد بالتأكيد أن الحوار البنّاء يمكن أن يكون أداة مفيدة لتهدئة التوترات الإقليمية. نحن نؤيد الحوار بشكل عام. ونؤيد الحوار في هذه الحالة". وكان واضحاً أن الموقف الأميركي يشجع على فتح المجال للتفاهم على صيغة تحمي العراق وترضي إيران والسعودية، ولكن الشروط الجديدة التي طرحتها إيران على السعودية من شأنها أن تعقّد الموقف قبل وقت قصير من الجولة السابعة لمفاوضات فيينا نهاية الشهر الحالي، ومن غير المعلوم متى سيتم عقد الجولة الخامسة من المحادثات الإيرانية السعودية، قبلها أم بعدها، إلا أنه بات من المؤكد وجود ترابط بين المسارين.