تشهد محادثات اللجنة العسكرية المشتركة، في مقرها الرئيسي في مدينة سرت شرق طرابلس، تقدماً في طريق تنفيذ الاتفاق العسكري، في الوقت الذي لا تزال فيه المحادثات بين أعضاء ملتقى الحوار السياسي في تونس تسير ببطء نحو توافق على اختصاصات السلطة التنفيذية الجديدة.
وفي مواكبة لأعمال الملتقى في تونس، طالب المجلس الأعلى للدولة أعضاء الملتقى بضرورة التمسك بالإعلان الدستوري والاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات كـ"مرجعية ضامنة للحوار".
وأكد المجلس، في بيان اليوم الخميس، وجوب التزام جلسات ملتقى الحوار السياسي بشأن قرارات مجلس الأمن وتوصيات الأمين العام، التي قررت أن اتفاق الصخيرات "ركيزة أساسية تحدد الشرعية السياسية في ليبيا ومستوياتها، لذا لا يجوز القفز عليها أو تجاوزها أو استبدالها بالمجهول".
وشدد المجلس على وجوب اعتماد مخرجات لقاء برلين كمرجعية للاتفاق الليبي، مؤكداً أن الحل في "الاستفتاء على الدستور وإتمام المرحلة الانتقالية بانتخابات رئاسية وبرلمانية وتوحيد المؤسسات وتعديل السلطة التنفيذية طبقاً للاتفاق السياسي".
وكشفت رئيسة البعثة الأممية بالإنابة، ستيفاني ويليامز، عن توصل المشاركين في الملتقى إلى اتفاق تمهيدي من أجل إنهاء الفترة الانتقالية وتنظيم انتخابات على أساس دستوري في فترة لا تتجاوز 18 شهراً.
وفي هذه الأثناء، قالت مصادر حكومية من طرابلس إن لجنة تعديل مسوَّدة وثيقة "البرنامج السياسي الوطني للمرحلة التمهيدية للحل الشامل"، الأممية، انتهت من تقديم تعديلاتها على الوثيقة بشأن فصل صلاحيات مكونات السلطة التنفيذية، بإضافة بند يتعلق بضرورة تولي المجلس الرئاسي تعيين وزيري الدفاع والخارجية بالتنسيق مع رئيس الحكومة، لكون تمثيل البلاد خارجياً من صلاحيات المجلس الرئاسي، ويتعلق منصب وزير الدفاع بمهام مشتركة بين المجلس والحكومة في تنفيذ بنود الاتفاق العسكري، ولا سيما بند إخراج المقاتلين الأجانب.
وكانت ويليامز قد أكدت، في مؤتمر صحافي في ختام جلسة الملتقى أمس الأربعاء، أن محادثات اللجنة العسكرية في سرت تلقت مقترحات من لجانها الفرعية بشأن بند الترتيبات الأمنية، مشيرة إلى أن اللجان ستقدم، صباح اليوم الخميس، خططها بشأن إخراج المقاتلين الأجانب من البلاد.
ونفت ويليامز، الأنباء عن تطرق جلسات الملتقى للأسماء المترشحة لحقائب سيادية وأنها تناولت فقط اختصاصات المجلس الرئاسي، وهو ما صرّحت به مصادر ليبية لـ"العربي الجديد"، في وقت سابق أمس الأربعاء، من أن جلسات الملتقى لم يطرح خلالها أسماء شاغلي مناصب السلطة الجديدة، لكن الجلسات ناقشت صلاحيات السلطة التنفيذية، ومنها تولي المجلس الرئاسي لملف المصالحة، وتولي الحكومة "مهام مساعدة اللجنة العسكرية المشتركة في تنفيذ بنودها المتعلقة بإنهاء النزاع المسلح، بالإضافة إلى مهامها في تحسين القطاع الاقتصادي وعمل مؤسسات الدولة".
وتسير المحادثات العسكرية والسياسية على نحو متواز، ما يؤكد أن الاتفاق الذي سينبثق من ملتقى الحوار في تونس سيوكل إلى السلطة الجديدة تنفيذ بعض بنود الاتفاق العسكري، التي تتطلب اتصالات بأطراف خارجية، بحسب الأكاديمي الليبي خليفة الحداد.
وبحسب تصريحات صحافية لعضو وفد حكومة الوفاق باللجنة العسكرية المشتركة، المختار النقاصة، فإن أبرز ما نوقش، خلال جلسات اللجنة أمس الأربعاء، "سحب الأجانب ونزع الألغام والبدء بعودة القوات إلى معسكراتها وفتح الطريق الساحلي"، كاشفاً عن تشكيل اللجان المسؤولة عن الإشراف على عملية خروج المرتزقة، وأنها مجتمعة لوضع خطة التنفيذ.
وتبقى عملية إخراج المقاتلين الأجانب من البلاد "التحدي الأبرز الذي سيواجه السلطة التنفيذية الجديدة التي ستوكل إليها مهمة الإشراف على اللجان الفرعية المختصة بهذا البند"، بحسب الحداد في حديثه لـ"العربي الجديد".
وفيما يرى الحداد أن صدقية الاتفاق العسكري مرهونة بقدرة السلطة الجديدة واللجنة العسكرية على تنفيذ هذا البند، يرى سالم الورفلي، الصحافي الليبي، أن الصعوبات التي تواجه المرحلة المقبلة عديدة، منها مواقف الأطراف السياسية الحالية، مشيراً إلى أن بيان المجلس الأعلى اليوم يعكس عدم رضاه عن مستجدات تدور في كواليس الملتقى في تونس.
وأشار الورفلي في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن بيان المجلس ركز على ضرورة استناد جلسات الحوار في تونس إلى اتفاق الصخيرات المحصن بقرارات دولية، ما يعني أن هناك محاولات لتجاوز أدوار المكونات السياسية الحالية في البلاد، ومنها المجلس الأعلى، التي تستند شرعيتها إلى الاتفاق السياسي، معتبراً أن الحديث عن منح الملتقى صلاحيات مشابهة لصلاحيات مجلسي الدولة والنواب من خلال استمرار وجوده في المشهد، إحدى تلك المحاولات.
لكنه في ذات الوقت يرى أن البعثة تستند إلى رغبة دولية في تجاوز الوضع السياسي الحالي وخلق مشهد جديد يتجاوز كل الفاعلين الحاليين، وبالتالي إن صدور قرارات دولية جديدة تحصن الاتفاق الجديد أمر وارد.
وفي حين أن الورفلي يرى أن التسريبات القادمة من جلسات الملتقى تؤكد أنه يسير ببطء نحو توافق على تسوية مرتقبة، فإنه في ذات الوقت يشير إلى وجود هوة في عمل البعثة تفصل بين أهداف ومصالح دولية تقف وراءها وبين واقعية الحل في ليبيا، مبيناً أن الاتفاقات والمبادرات السابقة لم تستطع إقصاء أجسام سياسية سابقة، والمخاوف من تزايد عدد الأجسام في حال رفض المتنفذين الحاليين لمخرجات الاتفاق ستنسف كل الجهود الحالية على الصعيد السياسي وأيضاً العسكري.