استمع إلى الملخص
- **تشكيل الشبكة التونسية للحقوق والحريات**: تجمع يضم أحزاباً وجمعيات تهدف للدفاع عن الحقوق والحريات بعيداً عن التسييس الحزبي، ويؤكد الأمين العام للتيار الديمقراطي نبيل حجي على استمرار عملها قبل وبعد الانتخابات.
- **ردود الفعل والتحديات**: شخصيات بارزة مثل حمة الهمامي وشيماء عيسى شددت على أهمية التحرك الجماعي لمواجهة الاستبداد، وأكدت على دور الشارع في إيقاف الشعبوية والديكتاتورية.
خرجت المعارضة التونسية، مساء يوم الجمعة الماضي، مجدداً إلى الشارع، وتظاهرت وسط العاصمة تونس مستعيدة بعض شعارات الثورة: "شغل حرية كرامة وطنية"، و"لا خوف لا رعب، الشارع ملك الشعب"، و"الشعب يريد إسقاط النظام". وتميّزت مسيرة المعارضة التونسية التي جابت عدداً من شوارع العاصمة بأهمية من حيث عدد المشاركين فيها، والذي قدّره مراقبون أنه بالآلاف، ومن بينهم عدد لافت من الشباب.
توقيت دقيق لمسيرة المعارضة التونسية
مسيرة المعارضة التونسية يوم الجمعة الماضي جاءت بدعوة من "الشبكة التونسية للحقوق والحريات"، هذا المولود الجديد في تونس، الذي أُعلن عنه منذ حوالي أسبوعين، ويضم عدداً من الأحزاب والجمعيات، من بينها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، ونقابة الصحافيين، والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومنظمة "أنا يقظ"، وأحزاب العمال والتيار الديمقراطي والتكتل والحزب الجمهوري وآفاق، وغيرها.
قدّر مراقبون عدد المشاركين في مسيرة الجمعة أنه بالآلاف، ومن بينهم عددٌ لافت من الشباب
وجاءت المسيرة في وقت دقيق للغاية، بعد تجاهل هيئة الانتخابات قرارات المحكمة الإدارية بإعادة مرشحين مستبعدين إلى سباق الانتخابات الرئاسية (عبد اللطيف المكي وعماد الدايمي ومنذر الزنايدي)، فضلاً عن هرسلة أحد المرشحين المقبولين، العياشي زمال، واعتقاله وملاحقته بأكثر من 20 قضية، بالإضافة إلى تصاعد اعتقال الناشطين والمدونين والصحافيين على مقربة من موعد انتخابات الرئاسة المقرّرة في 6 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وتطرح مبادرة المعارضة التونسية وولادة "الشبكة" أسئلة عدة مهمة: ما هو أفقها السياسي؟ وما مدى تأثيرها على الأحداث في المدى القريب؟ وهل يمكن أن تغيّر المعطيات في ما يتعلق بالاستحقاق الانتخابي قبل نحو ثلاثة أسابيع على موعده؟
شخصيات سياسية وحقوقية كثيرة خرجت يوم الجمعة الماضي إلى شارع بورقيبة للمشاركة في المسيرة، من بينها الأمين العام للتيار الديمقراطي نبيل حجي الذي أوضح لـ"العربي الجديد" أنه "كانت هناك سابقاً محاولات عدة للتوفيق وتقريب وجهات النظر بين المجتمع المدني والسياسي، ولكن جلّها أخفقت، واليوم فهِم الجميع حساسية وخطورة اللحظة، وتمّ رفع بعض التحفظات لوضع اليد في اليد والعمل من أجل هدف مشترك، فكانت الشبكة التونسية للحقوق والحريات، والتي تم الاتفاق على عدم تسييسها بالمعنى الحزبي، أي أنها لن تخدم مصلحة مرشح ما، أو حزب ما، وإنما مصلحة التونسيين بما يعنيه ذلك من توفير مناخ سياسي سليم". وأضاف الحجي أن "المبادرة قد تكون متأخرة، ولكن بعيداً عن الانتخابات، ستواصل الشبكة العمل قبل 6 أكتوبر وبعده، لأن الحقوق والحريات تحتاج الجميع".
وعن المشهد الانتخابي، رأى الحجي أنه "صحيح أن الاسم هو انتخابات، ولكنها ليست كذلك، فهي مسرحية تحت اسم انتخابات، فالهيئة لم تقبل أي مرشح أعادته المحكمة الإدارية، والقانون الانتخابي أعده (الرئيس التونسي المرشح لولاية ثانية) قيس سعيّد، وسقف تمويل الحملة الانتخابية مضحك، والتضييقات كبيرة، وما يحصل فضيحة يُراد لها أن تكون عملية شكلية لمبايعة سعيّد لولاية ثانية، وللأسف بهذه الطريقة لن يتغير أي شيء".
وأشار الأمين العام للتيار الديمقراطي إلى أن "من أهداف الشبكة التونسية للدفاع عن الحقوق والحريات، الدفاع عن الحق في الترشح دون خوف، وإن لم تتوفر الشروط من عودة بقية المرشحين وضمان المساواة بين الجميع، فلا يمكن الحديث عن انتخابات، وسيتم الضغط إلى آخر يوم". وحذّر من أن "الأرقام والمؤشرات خير دليل على حقيقة الوضع الحالي الذي لا يحتاج في الحقيقة إلى أرقام، إذ يكفي المرور بأحد الفضاءات التجارية وتأمل الأسعار والوقوف في الشوارع لمعرفة الوضع، والتونسي يفهم الوضع وهو ليس بحاجة إلى أي أرقام". وأضاف: "أما على مستوى الحقوق والحريات، فالإعلام مهدد والمرسوم 54 سيف مسلط على الجميع، ومن يفكّر من السياسيين في الترشح فالسجن في انتظاره، ومن أصرّ على الترشح وجمع تزكيات فهيئة الانتخابات هي التي تقرر وجوده أو لا، وهي الخصم والحكم، وهو ما دفع منظمات وجمعيات وأحزاب عدة إلى التحرك وإنشاء الشبكة التونسية للحقوق والحريات دفاعاً عن الحقوق المدنية والسياسية". والمرسوم 54 وقّعه سعيّد في عام 2022، ويهدف إلى ملاحقة ومحاكمة كل متهم "بنشر شائعات أو معلومات مضللة"، وترى المعارضة التونسية أن هدفه قمع المعارضين والصحافيين وملاحقة المواطنين وكتم أصواتهم.
تعويل على التراكمات
وحول توقيت هذه المبادرة وأهميتها وإذا ما جاءت متأخرة، اعتبر الأمين العام لحزب العمال حمة الهمامي أن "لا شيء متأخراً في أي حراك، فالإيجابي أن نجتمع، منظمات وأحزاب سياسية، بعدما أدرك الجميع أنه لا بد أن نجتمع"، موضحاً في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "هذا الحراك هو مواصلة لكل النضالات السابقة، وأن هذا التجمع مهم جداً لأنه جمع أطيافاً في لحمة واحدة، تونسيين وتونسيات ضد الاستبداد، الذي يعني القمع والفقر والسجن والمرض والجوع".
وحول المشهد الانتخابي ووجود أحد المرشحين في السجن (العياشي زمال)، اعتبر الهمامي أنه "لا يمكن اعتبار ما يحصل انتخابات، إذ إن قيس سعيّد يبحث عن بيعة وليس عن انتخابات حرّة وديمقراطية". وأضاف الهمامي: "لو كانت هناك فعلاً انتخابات حرّة وديمقراطية، فلن يفوز سعيّد، ولذلك هو يبحث عن بيعة، وفي الحقيقة لن يُعترف بنتائجها".
حمة الهمامي: قيس سعيّد يبحث عن بيعة وليس عن انتخابات حرّة وديمقراطية
كذلك، اعتبرت عضو جبهة الخلاص الوطني شيماء عيسى أن "استفاقة المجتمع المدني والقوى الديمقراطية قد تكون متأخرة نسبياً، ولكنها مهمة ودليل على أن الشارع لا يزال حياً ويدافع عن الحقوق والحريات"، مبينة في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "الشارع وحده هو القادر على إيقاف الشعبوية والديكتاتورية، وأنه مهما كان التوقيت، فهذا التحرك ضروري ومهم". وأضافت عيسى أن "الشارع قادر على التغيير، ومطلوب أن يتحمس أكثر للخروج بأعداد أكبر، ويجب العمل على التراكمات، أي ليس مجرد مسيرة وينتهي الأمر، وهذا يتطلب رصيداً نضالياً كبيراً وشارعاً حيّاً لتحقيق الأهداف واسترجاع الديمقراطية". وأضافت أن "الوضع الحالي سريالي، فنحن نعيش منتهى الظلم، إذ إن السلطة تجمع بيدها القضاء والأمن وكل السلطات، ولكن لا توجد أي إنجازات تذكر لها سوى وضع النشطاء في السجون".
أستاذ علم الاجتماع الناشط السياسي ماهر حنين أشار، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن "استفاقة المجتمع المدني وحراك الشارع مكسب منذ الثورة، وهو أحياناً يشهد مدّاً وأحياناً أخرى يتراجع، بحسب المطالب والمواضيع، ولكن الجميع مقتنع بأن التعبير في الشارع مكسب أساسي وآلية من آليات إسماع الأصوات، وأحياناً يكون العدد هو المهم وأحيانا أخرى الرسالة هي الأهم". وتابع أن "صعود فكرة المقاومة ورفض الوضع الحالي هو الأساس، فالقدرة على التغيير لا بد لها من آليات وأشكال أخرى، وهذه بداية وخطوة أولى"، مشيراً إلى أن "المشهد بصدد التغيّر والتحرك، وهناك حساسيات تقترب بعضها من بعض أكثر فأكثر، وبالتالي هناك اتفاق من قبل المعارضة التونسية والجميع للتنسيق والعمل مع بعضهم لأن الجميع متضرر من الوضع الحالي".
ورأت منية براهم، زوجة القيادي والناشط السياسي المعتقل عبد الحميد الجلاصي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "تونس تحولت إلى سجن كبير، وتحرك مكونات المجتمع المدني والأحزاب والمعارضة التونسية هو من أجل المطالبة بالحرية والتحرر". وبيّنت أن "التونسيين أحرار ولا يقبلون بالاستبداد ويعشقون الحرية، ولذلك فهم يشاركون في كل مسيرة وكل تحرك ينادي بالحريات، وتحرك اليوم لم يتأخر لأن التحركات وفي أي وقت تبقى، مهمة ودليل على أن الشارع حيّ".