نجحت المشاورات بين القوى المعارضة لانتخاب رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، رئيساً للجمهورية في لبنان، بالتوصل إلى "اتفاق مبدئي" على دعم ترشيح وزير المال السابق جهاد أزعور، لمواجهة المرشح المدعوم من "حزب الله" و"حركة أمل"، والمقرّب من النظام السوري، ورغم ذلك، لا تزال الأجواء ضبابية حول ما إذا كان رئيس البرلمان نبيه بري سيدعو قريباً إلى جلسة نيابية لانتخاب رئيس قبل مهلة 15 يونيو/حزيران التي سبق أن حدّدها.
وسارع الثنائي "حزب الله" و"حركة أمل"، برئاسة بري، إلى رفض أزعور، بذريعة أنه "مرشح تحدٍّ"، وهو المنطلق نفسه الذي اعتُمِد للإطاحة بمرشح المعارضة الأول النائب ميشال معوض (باستثناء التيار الوطني الحر برئاسة النائب جبران باسيل، الذي كان يتمسك بالورقة البيضاء)، ما يجعل التشاؤم بقرب انتخاب رئيس سيّد المشهد، مع تمسّك الفريق الأول بفرنجية، وبحث الطرف المعارض بوسائل قطع الطريق أمام وصول الأخير، منها تطيير نصاب الجلسة المرتقبة عند الدعوة إليها (86 نائباً من أصل 128).
وعلى الرغم من الاتفاق الذي أُعلِن عن توصل القوى المعارِضة ومعها "التيار الوطني الحر" (يرأسه النائب جبران باسيل) إليه حول اسم أزعور، من قبل النائب في "حزب القوات اللبنانية" (يرأسه سمير جعجع)، فادي كرم الذي يقوم بالمشاورات مع القوى المعارِضة، بيد أن تصريح النائب عن "التيار"، سيمون أبي رميا، لقناة "الجديد" المحلية، حول عدم طرح اسم أزعور على طاولة النقاش في التيار، وعدم اتخاذ بعد القرار على صعيد تبنّيه كمرشح لرئاسة الجمهورية، أثار بلبلة، في ظلّ حديث عن انقسام في أوساط "التيار"، وتغريد باسيل لوحده خارج سرب نوّابه.
في السياق، رفض عددٌ من نواب "التيار" الإدلاء بأي تصريح بهذه المسألة، بانتظار الموقف الرسمي الذي يصدر عن باسيل، في حين يقول مصدر نيابي في التكتل، فضّل عدم الكشف عن اسمه، إن هناك آراءً مختلفة في التكتل بطريقة مقاربة الملف الرئاسي، والأسماء المطلوب ترشيحها، والتشاور مستمرّ للخروج بموقف رسمي واحد.
ويشير المصدر إلى أنه جرى طرح اسم أزعور وحصل توافق مبدئي عليه، لكن ليس نهائياً. وهناك تشاور يجب أن يحصل معه ومتابعة لرؤيته للأزمة الاقتصادية، وطريقة مقاربته لها.
كذلك، أكد مصدرٌ نيابي في "حزب الكتائب اللبنانية" (يرأسه النائب سامي الجميّل)، أن "الاتفاق مبدئي على اسم أزعور، لكنّ المشاورات لا تزال مستمرة، خصوصاً مع نواب التغيير، الذين يفضلون عدم حرق الأسماء، والاطلاع على برنامج أزعور قبل إعلان تأييده رسمياً".
وفي موازاة ذلك، تتجه الأنظار إلى الزيارة التي يقوم بها البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى باريس، حيث سيلتقي يوم غد الثلاثاء، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ومن المرتقب أن يحمل معه اسم أزعور، الذي يشغل منصب مدير دائرة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، بعدما مهّد في عظته يوم أمس الأحد، إلى دعم غير مباشر له.
وقال الراعي: "نشكر الله على ما نسمعه بشأن الوصول إلى بعض التوافق بين الكتل النيابية حول شخصية الرئيس المقبل، بحيث لا يشكل تحدياً، ويكون في الوقت عينه متمتعاً بشخصية تتجاوب وحاجات لبنان اليوم، وتوحي بالثقة الداخلية والخارجية".
وأمل البطريرك الماروني أن "يتم انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقتٍ، كي تنظم المؤسسات الدستورية، وتعود إلى العمل بشكل طبيعي وسليم وفعّال، وبذلك تتوقف الفوضى الحاصلة على مستوياتٍ عدّة، وتتوقف القرارات والمراسيم العشوائية التي تستغيب رئيس الجمهورية وصلاحياته، وبالتالي فهي تبقى عرضة للشك والاعتراض".
وفي السياق، قال مصدرٌ مقرّبٌ من الراعي لـ"العربي الجديد"، إن "البطريرك متفائل بالمشاورات الإيجابية التي تحصل بين القوى المسيحية، واتفاقها حول اسم مرشح يتمتع بمواصفات مطلوبة دولياً وعربياً، وتملك المقومات التي تتلاقى مع شروط المجتمع الدولي الإصلاحية المطلوبة لعودة الدعم الخارجي إلى لبنان".
وأشار المصدر إلى أن "البطريرك الراعي لا يقف مع فريقٍ بوجه آخر، ولكنه يدعم وصول مرشح لا يشكّل تحدياً، ويمكنه أن يقرّب بين اللبنانيين ويوحّد الصفوف"، لافتاً إلى أنه "سيحمل معه أبرز المستجدات على الساحة السياسية الرئاسية، وملف اللجوء السوري، وأزمة لبنان الاقتصادية، وضرورة مساعدة البلاد على تخطي هذه الضائقة الكبيرة".
فرنسا لا تتمسّك بفرنجية
على المقلب الفرنسي، يقول مصدرٌ دبلوماسي من السفارة الفرنسية في بيروت لـ"العربي الجديد"، إن "باريس لا تدعم مرشحاً على حساب آخر، وليس صحيحاً أنها تتمسّك بفرنجية أو لا أحد، بل هي مع اتفاق اللبنانيين على اسم موحّد، قادر على إدارة المرحلة المقبلة، والقيام بالإصلاحات المطلوبة، وعقد اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، وذلك مع تشكيل حكومة جديدة أيضاً تعمل مع الرئيس على المسار نفسه، وبالتالي، أي اسم تختاره القوى السياسية في لبنان سيلقى دعم فرنسا".
من جهته، يقول عضو "تكتل الجمهورية القوية" البرلماني (يمثل حزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع) النائب فادي كرم، لـ"العربي الجديد"، إن "المشاورات بين القوى المعارضة تسير باتجاه صحيح، وحصل التقاء مع التيار الوطني الحر على السير بالمرشح جهاد أزعور، ولا تزال الاتصالات قائمة للإخراج، والتقاء النواب والكتل الكبيرة والصغيرة معه للاستماع إلى رؤيته، وكيفية مقاربته للمشاكل الاقتصادية والمالية والسياسية والسيادية".
ويضيف كرم: "يجب أن نعمّق القناعة بالمرشح، ونقارب مرحلة المعركة، لأن الموضوع لا يقتصر على النزول إلى البرلمان عندما يدعو الرئيس بري إلى جلسة نيابية، فقد تحصل الدعوة أو لا، وقد يؤمّن النصاب ثم يسقط في الدورة الثانية، الأمور تحتاج إلى تفاهم بيننا كقوى حتى نكون ملتزمين مع بعضنا البعض، ونستمرّ مع المرشح نفسه، لا أن يكون مرشحاً للحرق".
وحول زيارة الراعي إلى باريس، يقول كرم: "واضح أنه سيلتقي ماكرون ويعرض عليه التطورات الخطيرة التي يمرّ بها البلد، وفرنسا صديقة للبنان منذ زمن، ونتمنى أن تكون عاملاً مسهّلاً لنهضة لبنان، لا أن تأخذ طرفاً مع فريق أثبت على مدى السنوات الماضية أنه فشل بإدارة البلد".
"حزب الله" و"حركة أمل" يقطعان الطريق على أزعور
وفي سياق مواقف "حزب الله" و"حركة أمل"، يقول عضو كتلة "حزب الله"، "الوفاء للمقاومة" النائب رامي أبو حمدان، لـ"العربي الجديد"، إننا "لم نتأكد بعد من ترشيح الفريق الآخر لأزعور، المسألة تحتاج إلى وقتٍ لتظهر من حيث المبدأ، لكن في حال اتفقوا عليه، نحن لا مشكلة لدينا بالاسم، فليتفقوا ونتحاور ونذهب إلى انتخابات ديمقراطية".
ويضيف أبو حمدان: "من وجهة نظرنا، الفريق الآخر لا يزال يفكّر بمنطق التحدّي وإلغاء الآخر، وهذا ثابت بكلامه، فهو لا يريد مرشحنا بالدرجة الأولى، ولا النقاش بأصل اسم المرشح الذي ندعمه. وفي المقابل، هو لا يقدّم أحداً، وبالتالي هو لا يريد الحوار بل الاستفراد، ومصرّ على سياسة الإلغاء بينما نحن مصرّون على الحوار".
ويشير أبو حمدان إلى أن "مشكلتنا ليست في الاسم، بل في طريقة تعاطيهم مع الاستحقاق، فهم مرّة يتفقون وأخرى يتخاصمون، ويحرقون الأسماء، ونحن جاهزون للحوار ولا نسمّي مرشح تحدٍّ، إلا إذا أتى من منطلق ما بدأوا به"، معتبراً أن "ما يحصل مضيعة للوقت، إذ لا جدية بالطرح ولا كيفية الطرح، وللأسف، لا يستفيدون من الوقت. المنطقة كلها ذاهبة إلى الأمان والاستقرار إلا نحن لا نزال في مرحلة المناكفات الداخلية".
ويتمنى أبو حمدان أن يكون هناك بصيص أمل، "لكن إذا أردت أن أكون واقعياً، فإن لا مؤشرات جدية حتى اللحظة تفضي إلى التفاؤل، ولنترك الأمور للوقت"، وفق قوله.
من جهته، يقول عضو كتلة بري البرلمانية "التنمية والتحرير"، النائب ميشال موسى، لـ"العربي الجديد": "ننتظر إعلان الفريق الآخر اسم أزعور بشكل رسمي ونهائي، لأن الموضوع لا يزال قيد التداول بين الأفرقاء، وعندها يبنى على الشيء مقتضاه". ويلفت موسى إلى أن "المهلة التي وضعها الرئيس بري كحدّ أقصى لانتخاب رئيس هي مهلة حثّ وليست نهائية، وارتبطت بالقمة العربية، والاجتماعات التي حصلت داخلياً وخارجياً، والتواصل بين الأفرقاء، على أمل أن تنتهي الأمور بإيجابية بشكل يتيح الدعوة إلى جلسة مثمرة".
ويشير موسى إلى أن التوافق مطلوب لانتخاب رئيس، فالدستور واضح بنصّه الذي يضع نصاب 86 نائباً من أصل 128 لانعقاد الجلسة، والنصف زائداً واحداً أي 65 لانتخاب رئيس، وبالتالي، على الأفرقاء التشاور، والقيام بالحسابات اللازمة، لنرى إلى أين تصل الأمور. وبالتالي، يقول موسى: "على الفريقين أن يتشاورا ويجلسا معاً ويتفقا على مرشح أو مرشحين يرتاحان لهما، ومن خارج إطار التحدّي، وأي فريق قادر على تأمين نصابي الجلسة والانتخاب، له حق السير بمرشحه، ولكن ما عدا ذلك، فإن التواصل مطلوب والتلاقي لانتخاب رئيس".
تجدر الإشارة إلى أن وزير المال السابق جهاد أزعور سبق أن أعلن أنه يرفض أن يكون مرشحاً للمواجهة أو الاستفزاز أو الحرق، وذلك بينما كان الخلاف قائماً بين "التيار الوطني الحر" و"حزب القوات اللبنانية" حوله، علماً أن الفريقين يعدّان أبرز خصمين على الساحة السياسية والمسيحية، علماً أنهما كانا عرّابا وصول الرئيس السابق ميشال عون إلى سدّة الرئاسة.
وقام أزعور خلال زيارته إلى لبنان قبيل أيام، بجولة على بعض المسؤولين السياسيين من مؤيديه ومعارضيه، واستمع منهم إلى مواقفهم حول الاستحقاق الرئاسي، ومسألة ترشيحه، ومن المرتقب أن يقوم بجولة ثانية عند الاتفاق رسمياً على اسمه.