مع دخول القوانين الانتخابية التي ستؤطر الانتخابات المغربية، المقررة السنة الحالية، مرحلة الحسم بشروع مجلس النواب، الغرفة الأولى للبرلمان، في مناقشتها ابتداء من الثلاثاء المقبل، تبرز إلى السطح 3 قضايا خلافية ينتظر أن تلقي بظلالها على المشهد البرلماني.
ويعد مقترح اعتماد احتساب "القاسم الانتخابي" على أساس عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية، من القضايا التي ينتظر أن تفتح الباب واسعاً أمام الخلاف بين الفرق النيابية، في تكرار لما عرفته المشاورات السياسية بين الأحزاب ووزارة الداخلية من انسداد جراء الخلاف حوله، لا سيما بين حزب "العدالة والتنمية"؛ قائد الائتلاف الحكومي الحالي، وباقي الأحزاب الممثلة في البرلمان.
وعلى الرغم من أنّ التعديلات الجديدة، التي أقرها المجلس الوزاري بخصوص القانون التنظيمي الخاص بمجلس النواب، لم تتضمن من أي إشارة إلى مصير "القاسم الانتخابي"، إلا أنّ مصادر من الأغلبية الحكومية، تحدثت لـ"العربي الجديد"، تتوقع أن يتم اقتراحه ضمن التعديلات البرلمانية، وأن يتم الحسم فيه وفق الأغلبية العددية خلال الدورة الاستثنائية للبرلمان المتوقع أن تدعو إليها الحكومة خلال شهر مارس/ آذار المقبل.
وفيما ترى المصادر ذاتها، أنّ "العدالة والتنمية" سيجد نفسه في موقف صعب في مواجهة أغلبية عددية تسمح بتمرير المقترح، كان لافتاً استباق الحزب الإسلامي بدء المسار التشريعي لإقرار القوانين التي ستؤطر الانتخابات بتجديد أمانته العامة، الأربعاء الماضي، "رفضها المبدئي والصارم" لاحتساب "القاسم الانتخابي" على أساس عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية، واعتباره "انتكاسة، وانزياحاً عن روح المقتضيات الدستورية المؤطرة للخيار الديمقراطي، والمنطق الانتخابي السليم، وأنه أمر نشاز يتعارض مع ما هو معمول به في التجارب الديمقراطية المقارنة".
وكانت نقطة "القاسم الانتخابي" على وجه الخصوص قد فجرت الخلافات بين حزب رئيس الحكومة وباقي الأحزاب الممثلة في البرلمان، على اعتبار أنّ ذلك المقتضى سيحدد إلى مدى بعيد، وربما حاسم، نتائج الانتخابات المقبلة، وطبقاً لذلك طبيعة الخريطة السياسية والحكومة القادمتين.
وفي الوقت الذي تعتبر فيه الأحزاب أنّ اعتماد احتساب "القاسم الانتخابي" على أساس عدد المسجلين يضمن تمثيلاً أفضل لكل الأحزاب، فإنّ حزب "العدالة والتنمية" يرفض ذلك، ويتمسّك بالإبقاء على حسابه على أساس الأصوات الصحيحة؛ لأنّ هذه الطريقة ستؤدي إلى تقليص عدد مقاعده في الانتخابات المقبلة.
ثاني القضايا الخلافية التي ينتظر أن تتوقف الفرق النيابية كثيراً عند بدء مناقشتها، هي إلغاء لائحة الشباب بعد تحويل اللائحة الوطنية، المكوّنة حالياً من 60 مقعداً مخصصة للنساء، و30 مقعداً مخصصة للشباب لا تزيد أعمارهم على 40 عاماً خلال فترة الاقتراع، إلى لوائح جهوية، سيكون فيها للنساء الحظ الأوفر.
ويبدو، أنّ مهمة الحسم في مصير اللائحة لن تكون بالأمر السهل، في ظل خلافات تصل إلى حد التناقض، ففي الوقت الذي تعلن فيه أحزاب من قبيل "العدالة والتنمية"، قائد الائتلاف الحكومي، و"التجمع الوطني للأحرار" (ثاني حزب في الائتلاف الحكومي) و"الاستقلال" (ثاني أكبر حزب معارض) و"الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (المشارك في الحكومة) تمسكها الشديد باللائحة، تصر "الأصالة والمعاصرة" و"الحركة الشعبية" على إنهاء العمل بها باعتبارها "ريعاً سياسياً".
ووفق مصادر برلمانية، تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإنّ بدء مناقشة مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب، سيكون محطة للتجاذب السياسي بين المتمسكين بها والداعين إلى إلغائها، مشيرة، في هذا السياق، إلى أنّ الرافضين لإلغاء اللائحة أعدّوا تعديلات تشدد على ضرورة ضمان حضور الشباب في البرلمان وعدم التراجع عن اللائحة التي كان قد اعتمدها المغرب منذ عام 2011، بهدف تذليل العقبات أمام تلك الفئة لتحمل المسؤولية التشريعية، وإشراكها في صناعة القرار السياسي.
وبحسب التعديلات التي أدخلت على القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجلس النواب تحوّلت اللائحة الوطنية التي تضم 90 عضواً، إلى لائحة جهوية مقسمة على 12 جهة بحسب عدد سكانها، وتشمل كل لائحة ترشيح يتم تقديمها برسم الدوائر الانتخابية الجهوية أسماء مرشحات لا يقل عددهن عن ثلثي عدد المقاعد الواجب ملؤها في كل دائرة انتخابية جهوية، مع "تخصيص المرتبتين الأولى والثانية في كل لائحة حصرياً للنساء"، مع ما يعنيه ذلك من استحالة حصول أي شاب على مقعد في اللوائح الجهوية.
أما ثالث القضايا التي ينتظر أن تكون مثار خلاف وجدل أثناء المناقشات بين الفرق النيابية، فهي المشاركة السياسية للمغتربين من خلال انتخاب ممثليهم بالبرلمان، وفي الوقت الذي لم ينص مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، على المشاركة السياسية للمغتربين من خلال انتخاب ممثليهم بالبرلمان، تمارس تنسيقية ممثلي الأحزاب المغربية بالخارج، ضغوطاً من أجل تفعيل مبدأ المشاركة، محذرة من استمرار "إقصائهم من المساهمة المباشرة في تدبير الشأن العام".
في ظل هذا الواقع، تعول التنسيقية في إقناع وزارة الداخلية ومعها الحكومة، على أحزاب من قبيل "العدالة والتنمية"، الذي جددت أمانته العامة، الثلاثاء الماضي، تأكيدها على موقفها الثابت من إقرار تمثيلية مناسبة لمغاربة العالم في مجلس النواب.
وينص مشروع القانون التنظيمي على فتح المجال لأول مرة للمغتربين المغاربة للترشح في الانتخابات، ويشير المشروع إلى أنه "يمكن للمغاربة المقيمين في الخارج أن يقدموا ترشيحاتهم للانتخابات على مستوى الدوائر الانتخابية الجهوية"، مشدداً على أن الترشيحات توضع بمقر ولاية الجهة بالنسبة للدوائر الانتخابية الجهوية.
وظل مطلب المشاركة السياسية للمغتربين المغاربة في الانتخابات مطروحاً منذ سنوات، في ظل معوقات متعددة تحول دون ذلك، وترتبط بطريقة التصويت والتقطيع الانتخابي الملائم ونسبة التمثيل، وحساسية الانتماء السياسي للأحزاب بالنسبة للمغتربين، وكذلك غياب التمثيل الدبلوماسي للمغرب في بعض البلدان التي يوجد فيها المهاجرون في أفريقيا وأميركا الجنوبية. كما أن إشراك المغتربين المغاربة في الحياة السياسية يصطدم بتحدي الحسم في طريقة التصويت وتقسيم الدوائر الانتخابية ومصير الطعون الانتخابية مستقبلاً، وكذا منع بعض الدول الأوروبية لازدواجية الجنسية مثل إسبانيا.
ويسمح المغرب للمغتربين المقيدين في اللوائح الانتخابية العامة بإحدى جماعات المملكة أو مقاطعاتها أن يصوتوا في الاقتراع عن طريق شخص يفوضونه التصويت نيابة عنهم.