فور انفراط عقد التهدئة المؤقتة لعدوان غزة، التي اخترقها الاحتلال الإسرائيلي، محاولاً اغتيال القائد العام لكتائب القسام، محمد الضيف، ظهر جليّاً تركيز المقاومة على قصف البلدات الاستيطانية والمدن المحيطة بقطاع غزة، على مسافة 7 كيلومترات، الذي يطلق عليها "غلاف غزة". وأجبرت كثافة الصواريخ، وقذائف الهاون، التي تتساقط في كل ساعة على "غلاف غزة"، غالبية المستوطنين على الفرار من مستوطناتهم، حتى قبل انتظار القرار الحكومي بذلك.
وأكدت حركة "حماس" أن "الإسرائيليين في الغلاف، لن يعودوا إلى بيوتهم إلا بقرار من القائد محمد الضيف، وبعد الالتزام الإسرائيلي بوقف العدوان ورفع الحصار"، في حين مارس سكان مستوطنات الغلاف ضغوطاً على دولة الاحتلال لتأمين خروجهم، قبل أن تقرر رسميّاً مساعدة السكان الراغبين في ترك منازلهم.
وركزت قوى المقاومة، وخصوصاً "كتائب القسام" و"سرايا القدس"، في الأيام الماضية على قصف مناطق غلاف غزة بصواريخ قصيرة المدى، مثل"107" و"قسام"، وبقذائف الهاون من أعيرة مختلفة.
ويرى خبراء أن تركيز المقاومة على قصف المستوطنات المنتشرة حول الغلاف يحقق أهدافاً على المستويين السياسي والعسكري، ويخلق حالة من الإرباك في صفوف الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وهو ما سيولد حالة ضغط على الحكومة الإسرائيلية.
ويؤكد الأسير المحرر، المختص في الشؤون الإسرائيلية، محمود مرداوي، لـ"العربي الجديد"، أن "المقاومة نجحت في قراءة المحيط السياسي الإسرائيلي المدعوم من بعض الدول العربية، والذي يماطل في التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار يلبي مطالبها، فلجأت إلى حرب استنزاف تتركز في جنوب الكيان".
وأشار إلى أن "المقاومة تستطيع أن تخوض هذه الحرب إلى أمد طويل، نظراً لقدرتها على تصنيع قذائف الهاون والصواريخ قصيرة المدى، التي تستهدف بها غلاف غزة خلال فترة العدوان". ولفت إلى أن "الدلائل تؤكد سير المقاومة وفق خطة معدة سلفاً ومحكمة التنفيذ، بالإشارة إلى التنسيق بين الأجنحة العسكرية في تركيز القصف على غلاف غزة واستهدافه بقوة نارية كبيرة".
ويكشف أن "المقاومة تسعى إلى تشريد المستوطنين إلى وسط إسرائيل وشمالها وهذا ما حصل بالفعل، إلى جانب إيجاد ورقة ضغط سياسية جديدة في أي مفاوضات قادمة لوقف إطلاق النار تنص على أنه لا عودة للمستوطنين ولا هدوء إلا بتلبية شروطنا".
ويعزو مرداوي، سبب استخدام المقاومة قذائف الهاون، بشكل مكثف، إلى "دقتها ولعدم قدرة القبة الحديدية في اسقاطها، نظراً لقصر مداها، وأيضاً لان المقاومة تدرك أن نحو 85 ألف جندي، يرابط حول الحدود ويتخفون في التجمعات الاستيطانية، لذلك تركز قصفها عليهم باستخدام قذائف الهاون".
وقد تعطلت حياة المستوطنين بالفعل في جنوب فلسطين المحتلة، بشكل كامل، وفق مرداوي، الذي يؤكد أن "الوضع ليس أفضل وسط إسرائيل وشماله، فهناك شبه توقف للحياة بسبب سقوط صواريخ طويلة المدى بين الحين والآخر، الأمر الذي وضع حكومة الاحتلال أمام تحديات صعبة وضغوطات تُفرض عليها لأول مرة".
من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي، حازم قاسم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "استمرار قصف البلدات المحيطة بقطاع غزة، يشكل أزمة حقيقة للحكومة الإسرائيلية، لأنها ستكون المرة الأولى التي تقع فيها إسرائيل في حرب استنزاف يكون السكان طرفاً فيها". وأضاف أن "حالة الهروب الموجودة في الجنوب تدمر أسس الاستيطان اليهودي القائمة على الأمن الشخصي، وبالتالي ستقع الحكومة تحت ضغط حقيقي من السكان والإعلام والائتلاف الحاكم والمعارضة، قد تجبرها على القبول باتفاق مع المقاومة".
ويعتبر الكاتب الفلسطيني أن "البديل الآخر عن عدم تلبية مطالب المقاومة سيكون العمل البري في غزة، وهو ما لا يرغب فيه رئيس الحكومة ووزير حربه ولا حتى قيادة الجيش، كما الجبهة الداخلية لا تتحمل القصف عليها بهذه الوتيرة". ويشير إلى أنّ أحد أركان العقيدة الأمنية الإسرائيلية، هي نقل المعركة الى أرض العدو وإبعاد مركز الدولة والمدن الكبيرة عن تداعيات الحرب، وتأمين الجبهة الداخلية من النيران والحفاظ على نمط الحياة العصرية رغم الحرب، ولكن كل ما سبق تبدد خلال العدوان الحالي". ويجزم بأن "تركيز المقاومة على استخدام قذائف الهاون، ناتج عن دقة المدافع التي تملكها، والقدرة على استهداف الآليات والحشود العسكرية بدقة واضحة واستخدامها بشكل آمن، إلى جانب امتلاك المقاومة مخزوناً كبيراً من القذائف وانخفاض التكلفة المالية لها".
ويذكر قاسم أن إسرائيل "تقف حائرة أمام تركيز القصف على غلاف غزة واستخدام الهاون، فالبعض يقترح خيارات تكنولوجية للتعامل معها، لكن الأمر يحتاج إلى وقت، والحل الآخر تهجير سكان الجنوب الى أن ينتهي العدوان، وهذا حل غير عملي، أما الدخول البري فهو تحدي كبير، ليبقى اتفاق تهدئة مع المقاومة هو الخيار".