لم تحظ الرياضة الفلسطينية قبل النكبة بالتوثيق الدقيق كما حظيت الثقافة والفنون، إلا في منتصف التسعينيات عبر باحثين فلسطينيين، خاصة مع بدء إنشاء السلطة الفلسطينية، على اعتبارها نواة الدولة، فيما ظلت الرياضة الفلسطينية تمثل في اتحادات منظمة التحرير الفلسطينية أنشطة نضالية فقط، من دون أن يكون لها حضورٌ فعليٌ ومؤسسيٌ مستقل.
في منتصف العشرينيات؛ أدركت الحركة الصهيونية ضرورة السيطرة على الأنشطة الثقافية والرياضية في فلسطين، باعتبارها جزءاً من القوة الناعمة، التي يمكن أن تروج من خلالها أحقيتها في الوجود في فلسطين، ونضالاتها ضد "الاحتلال البريطاني" بطرق سلمية، وتطبيع العلاقات مع الدول العربية، لذا حرصت على تمثيل دولة فلسطين في لقاءات عدة بين الفرق الصهيونية والعربية في مصر ولبنان، فضلاً عن تمثيلها في المؤسسات الرياضية الدولية.
أصبح لدى الوسط العربي في منتصف الأربعينيات تصورٌ واضحٌ وإدراكٌ حقيقيٌ لطبيعة الصراع القائم على الساحة الرياضية في فلسطين، بعدما كان الضعف والحضور الباهت ملمح أساسي يعتري الحركة الرياضية الفلسطينية، رغم أن الاتحاد الرياضي أسس في أوائل فترة الثلاثينيات، تحديداً في العام 1931.
لم يقتصر نضال الفلسطينيين في الحركة الرياضية على مواجهة الحركة الصهيونية في الاعتراضات التي قدمت من قبل الكيانات الفلسطينية والعربية لدى الدول والمؤسسات الرياضية الإقليمية والدولية، مثل سعي الفلسطينيين للانضمام إلى الفيفا عام 1929 الذي انتهي بالرفض، بل كثف الرياضيون الفلسطينيون اللقاءات الرياضية (كرة القدم والملاكمة ورفع الأثقال) مع الفرق والرياضيين العرب في فلسطين وفي الدول العربية.
مورست الألعاب الرياضية الفلسطينية قبل الانتداب؛ في أواخر الحكم العثماني، من خلال المدارس التبشيرية المسيحية، وبعض الجمعيات الدينية الإسلامية، في كل مدن فلسطين، وخاصة مدينتي القدس ويافا، ذكرت بعض المصادر أن النادي الأرثوذكسي في يافا أقدم هذه الأندية؛ تأسس عام 1924.
ذكر د.عزت طنوس في بحثه عن الحركة الرياضية في فلسطين قبل الانتداب أن "أول مبارة لكرة القدم بين بلدين في الشرق الأوسط كانت عام 1912، حين جاء فريق الكلية السورية الإنجيلية في بيروت (التي عرفت فيما بعد بالجامعة الأميركية) إلى القدس في الربيع ليلعب مع مختلف فرق كرة القدم في المدينة المقدسة (سي إم إس - الشبان المسيحية - مدرسة سان جورج - منتخب القدس)"، وأضاف طنوس: "في سنة 1913 ذهب فريق القدس لينازل فريق الكلية القدس في بيروت في أربع مباريات دورية حتى عام 1914".
من أشهر لاعبي تلك الفترة في القدس؛ من عام 1910 حتى 1916، شريف النشاشيبي، ما ميز تلك الفترة؛ أن مسلمين ومسيحيين من الفلسطينيين كانوا يمارسون الرياضية في الأندية التبشيرية المسيحية والإسلامية، ويتقاسمون تطوير البنية التحتية الرياضية.
في يافا؛ انضم العديد إلى النادي الأرثوذكسي، الذي ضم صالة ألعاب القوى، وملعب تنس، وتجهيزات أخرى فردية. بينما كان ملعب البرية لكرة القدم تابع لأرض الأوقاف الإسلامية في حي الرشيد في يافا، حيث أسس وانضم إلى نادي يافا عام 1926.
لم تقتصر الأندية على المدن الكبرى، بل تزايد عدد الأندية الرياضية منذ نهاية الثلاثينيات حتى منتصف الأربعينيات، كنادي النهضة في طنطورة، الذي انضم إلى الاتحاد العربي في حيفا ومثل فلسطين دولياً عام 1946، كان من أشهر لاعبيه محمد علي نور، ومدحت هندي، وأحمد نعيم دسوقي.
حظيت كرة القدم بمحبة وانتشار بين الشباب العربي الفلسطيني، أقيمت المباريات بين الفرق العربية الفلسطينية واليهودية قبل ثورة عام 1936 في المدن المختلطة؛ خاصةً مدينة يافا، لكن في بقية مدن فلسطين، كانت المباريات تنظم بين الفرق العربية الفلسطينية، يذكر المؤرخ طنوس أن في المباراة التي أقيمت عام 1910 في القدس، بين فرقتين مقدسيتين، حضر 5 آلاف مشجع ومشاهد، لافتاً النظر إلى حضور النساء المحجبات.
لم يقتصر النشاط الرياضي في فلسطين على كرة القدم، بل حظيت ألعاب القوى والهوكي والبلياردو بحضور بسيط بين سكان المدن الكبيرة، كالقدس ويافا وحيفا، وذكر عيسى أبو الجبين في مذكراته؛ لاعب ملاكمة فلسطيني اشتهر في أربعينيات القرن الماضي ومثل فلسطين في عدة محافل إقليمية ودولية، أن سماحة المفتي الحاج أمين الحسيني سلم كأس فلسطين في بداية الثلاثينيات إلى موسى أبو الجبين في لعبة البلياردو.
حظيت لعبة الملاكمة بشهرةٍ واسعةٍ واهتمامٍ كبيرٍ من الجمهور الفلسطيني، كانت الإذاعات الفلسطينية تبث مبارياتها المحلية والإقليمية، فيجتمع كل الأهالي حول المذياع ليسمعوا مبارياتها. لعل المباراة الأخيرة؛ التي أذيعت في 24 يونيو/حزيران 1946 بين الملاكم المصري عرفة السيد وأديب الدسوقي على بطولة الشرق، أقوى الذكريات التي حملها الأجداد في شتاتهم. أسس صوت خير الدين وهو ينقل خبر منح السيد أديب الدسوقي لقب " بطل فلسطين" لمحبة وشعبية تلك الرياضة، التي مثلت نموذجاً للبطل الشعبي الفرد والمقاوم في المخيلة الفلسطينية.
كان أديب الدسوقي البطل الشعبي في فلسطين في رياضة الملاكمة، حظيت مبارياته بحضور جماهيري واهتمام إعلامي وشعبي كبيرين.
لم تقتصر الأندية على المدن الكبرى، بل تزايد عدد الأندية الرياضية منذ نهاية الثلاثينيات حتى منتصف الأربعينيات
في 1942؛ فاز الدسوقي على بطل الشرق الأدنى ماروس وكرشيان، الذي اعتبر من أبطال الملاكمة المعروفين دولياً، يؤرخ عصام الخالدي في كتابه" مئة عام على كرة القدم في فلسطين" افتتاح أول نادي ملاكمة في فلسطين عام 1933، سمي بنادي الملاكمة والرياضة في حيفا (الذي سمي فيما بعد النادي الغازي نسبة إلى الملك غازي)، بقيادة الملاكم الفلسطيني أديب كمال. كما تأسست في تلك الفترة عدة أندية تعنى بالملاكمة، مثل جمعية التعذيب والمواساة في حيفا، كذلك نادي شباب العرب في حيفا عام 1934.
اهتمت الصحف الفلسطينية في فترة الانتداب البريطاني بالحركة الرياضية، عبر نشر أخبارها وتغطية مبارياتها وقضاياها، وكانت هناك أعمدة وتقارير رياضية في جريدة فلسطين، التي صدرت عام 1936، والدفاع التي صدرت عام 1934، والشعب 1945، واعتبر جميل الطاهر من المحررين الرياضيين الأوائل بجانب إبراهيم سكجها، وخير الدين أبو الجبين الذي كانت له زاوية يومية، وإبراهيم سليم نسيبة المعلق والمذيع الرياضي في إذاعة القدس عام 1935.
النكبة ليست قضية تدمير الأبنية والمؤسسات الفلسطينية التي أقيمت على تلك الأرض حينها، بل هي تدمير شامل وتشتيت الروح الفلسطينية بشعبها وقياداتها ولاعبيها، سلب تاريخنا وجغرافيتنا وهوياتنا، هي دفن حاضرنا ومستقبلنا، ومنذ ذلك التاريخ يصر الفلسطيني على النضال بشتى الوسائل الممكنة؛ الملاعب والمباريات/ الأندية والألعاب، من أجل تحقيق ذلك والصمود أمام العصابات الصهيونية واستعمارها الوجود الفلسطيني.