يدخل النزاع بين عشيرتي "عتاب" و"آل حاتم" العربيتين في محافظة ذي قار، جنوبي العراق، يومه الرابع عشر، في ظل توتر أمني كبير وخسائر بشرية لم يجر حصرها بعد، بسبب عدم إفصاح العشيرتين عنها، ومحاولات قوات الأمن احتواء الأزمة وعدم التصعيد إعلامياً.
وكان الأسبوعان الماضيان شهدا معارك طاحنة في قضاء "النصر" في محافظة ذي قار، استخدمت فيها أسلحة مختلفة، لا سيما الثقيلة منها، كصواريخ الكاتيوشا وقذائف الهاون.
وعلى الرغم من استنفار وزير الداخلية العراقي عبد الأمير الشمري، الذي زار المحافظة عدة مرات برفقة عدد من القيادات الأمنية الرفيعة، بينهم نائب قائد العمليات المشتركة قيس المحمداوي وقائد قوات الرد السريع كامل الحسيني، واجتماعهم مع قائد عمليات الجيش العراقي في المنطقة وقائد شرطة ذي قار والمحافظ محمد الغزي، إلا أنه لم يتمكن من التوصل إلى حل للمشكلة العشائرية الجارية، بحسب مصادر "العربي الجديد".
هدنة لمدة أسبوع بين العشيرتين
وتوصلت عشيرتا "عتاب" و"آل حاتم" إلى هدنة بوساطة رجال دين وشيوخ عشائر أخرى لمدة أسبوع، تنتهي الثلاثاء المقبل، وتسمى قبلياً بـ"العطوة". لكن الأهالي يخشون عودة الاشتباكات بين الطرفين، خصوصاً مع عجز قوات الأمن عن اعتقال المتورطين في اندلاع النزاع.
مسؤول محلي في ذي قار: جزء غير قليل من المشاركين في المواجهات العشائرية هو من المنتسبين إلى فصائل بالحشد الشعبي
الأزمة بدأت بمقتل زعيم عشيرة "عتاب" الشيخ جميل العتابي، وهروب الجناة. ويتهم "العتابيون" عناصر من عشيرة "آل حاتم" بالتورط في الجريمة، بسبب مشاكل قديمة بين الطرفين.
وشهدت مناطق في محافظة ذي قار مواجهات عنيفة استخدمت بها قذائف الهاون والأسلحة المتوسطة، استدعت تدخل قوات الجيش وفرض حظر تجول في بعض المناطق، بينما أغلقت الكثير من المحال أبوابها، بسبب توافد أفراد وفروع العشيرتين من مناطق أخرى للمساندة في النزاع، قبل أن يتم التوصل إلى الهدنة التي سمحت لقوات الأمن بإعادة انتشارها، والسعي إلى تحقيق وساطات مختلفة، بينها رجال دين بارزين.
ومنذ مساء الثلاثاء الماضي، تشهد المدينة هدوءاً حذراً جرّاء الهدنة، وهو ما مكّن قوات الأمن من النزول إلى الشوارع، فيما غادر العشرات من المواطنين إلى خارج مركز قضاء النصر الذي شهد النزاع المسلح، لا سيما أنّ العشيرتين حصلتا على دعم إضافي من مسلحين من محافظات أخرى، منها بغداد ومحافظة واسط.
نزاع جديد بين عشيرتين
وبالتزامن مع هذه الأزمة الأمنية في محافظة ذي قار، توّلد نزاع جديد بين عشيرتي "آل عمر" و"الرميض"، في منطقة "الإصلاح" في نفس المحافظة. وأشارت وسائل إعلام عراقية إلى احتمال أن يكون النزاع المسلح بينهما بدأ على خلفية اغتيال ضابط في جهاز الأمن الوطني من عشيرة "آل عمر"، التي اتهمت العشيرة الأخرى بالوقوف خلفه.
في الأثناء، أعلنت قيادة عمليات سومر (القيادة العسكرية في محافظة ذي قار) وضع خطة من ثلاثة محاور لوقف النزاعات العشائرية في المحافظة. ونقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع)، عن قائد "عمليات سومر" اللواء سعد حربية، قوله إن "الشمري وضع خطة أمنية في محافظة ذي قار خلال اجتماعه مع قيادة عمليات سومر، وتم تشكيل لجان استخباريّة لمتابعة الخطة".
وأضاف حربية أن "الخطة تضمنت إلقاء القبض على كل شخص كان يحمل السلاح في النزاعات العشائرية التي حدثت أخيراً في النصر والإصلاح، والذين ظهروا في مقاطع مصورة نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، مع اتخاذ الإجراءات اللازمة بحق القتلة، ومتابعة السلاح المنفرد في بعض المناطق، فضلاً عن التجهيز لشن حملة كبرى ضد مروجي تجارة المخدرات، سواء المتعاطين أو التجار".
وأشار إلى أن "وزير الداخلية أكد ضرورة تقليص النزاعات العشائرية، وذلك بالاتفاق مع شيوخ العشائر والإدارة المحلية في محافظة ذي قار".
النزاعات العشائرية التهديد الأول لذي قار
مسؤول محلي في ذي قار قال، لـ"العربي الجديد"، إن "الأزمات العشائرية المتكررة هي التهديد الحقيقي والأول بمحافظة ذي قار". وأضاف، طالباً عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الأوضاع في المحافظة حسب وصفه، إن "جزءا غير قليل من المشاركين بالمواجهات العشائرية العنيفة هو من المنتسبين إلى فصائل بالحشد الشعبي، وطلبنا من هيئة الحشد الشعبي، التدخل كوسيط تهدئة عبر نفوذها لدى الطرفين"، وفقاً لقوله.
وتابع المسؤول المحلي أن "جزءاً غير قليل من سلاح العشائر هو في الوقت ذاته سلاح أفراد منتمين لفصائل مسلحة، ووفرة السلاح بالمجمل داخل الشارع أرهقت أمن المحافظة".
أحمد النعيمي: المواجهات العشائرية المتواصلة مثال على ضعف الدولة وانتشار السلاح
وحول الخسائر البشرية والمادية جراء المواجهات المتكررة، قال: "هناك ضحايا وجرحى من الطرفين، ونأمل أن يتوقف نزيف الدم، فمدن عدة بالمحافظة مرت بأيام صعبة، ويخشى أن يؤدي استمرارها للتأثير على الوضع الاقتصادي وانسحاب شركات عاملة فيها، لا سيما النفطية منها".
وكانت السلطات العراقية قد عدت، في وقت سابق، "الدكّات العشائرية" بأنها من الجرائم الإرهابية، مشددة على ضرورة التعامل مع مرتكبيها بحزم، فيما يعد السلاح المنفلت في العراق واحداً من أخطر مشكلات البلاد، لما له من تأثيرات كبيرة على الأمن المجتمعي. ومنذ عام 2005 وحتى اليوم، رفعت الحكومات العراقية شعار "حصر السلاح بيد الدولة"، فيما لا يبدو أن هناك خطوات فعالة لتنفيذه.
ولا يوجد إحصاء رسمي بعدد قطع السلاح الموجود داخل المجتمع العراقي، لكن التقديرات تتحدّث عن أرقام متفاوتة بين 13 و15 مليون قطعة سلاح متوسط وخفيف، أبرزها بنادق كلاشنكوف، و"بي كي سي"، و"آر بي كي" الروسية، إلى جانب مدافع هاون وقذائف "آر بي جي"، التي باتت تُستخدم أخيراً بكثرة في النزاعات القبلية جنوبي ووسط البلاد.
ومساء الخميس الماضي، أشارت شبكة "أخبار الناصرية"، المقربة من حكومة محافظة ذي قار، إلى بدء طيران الجيش بعملية إسناد لقوات الجيش على الأرض في قضاء النصر، الذي شهد أعنف تلك المواجهات العشائرية.
ونقلت الشبكة عن مسؤول أمني تأكيده أن الحملة تستهدف الضالعين بالمواجهات العشائرية، بمشاركة أفواج الطوارئ والشرطة الاتحادية، وستشمل تفتيش المناطق الزراعية والمفتوحة، مع وجود قائمة مطلوبين لديها للبحث عنهم، من دون تحديد سقف زمني للعملية التي لا تزال متواصلة حتى أمس الجمعة.
المواجهات العشائرية مثال على ضعف الدولة
الباحث في الشأن العراقي أحمد النعيمي قال، لـ"العربي الجديد"، إن المواجهات العشائرية المتواصلة في مناطق مختلفة من العراق "مثال على ضعف الدولة وانتشار السلاح".
وأضاف النعيمي أن "دور ونفوذ العشيرة زادا بعد عام 2003، بل نافسا دور قوات الأمن والقضاء. ومع وجود السلاح بوفرة، تكون النتيجة إحياء صراعات وثأر ومشاكل قديمة يريد البعض تصفيتها بطريقته".
واعتبر أن الحالة "لا تقتصر على الجنوب، بل في كل مكان بالعراق، بما فيها مناطق إقليم كردستان العراق شمالي البلاد". وبين أن "المواجهات العشائرية المتصاعدة دافعها قبلي والتنافس على المكاسب والنفوذ، ولا علاقة لها بأي جانب طائفي أو عرقي، كون جميع العشائر المتصارعة من نسيج ديني واحد". ووصف الوضع في ذي قار بأنه يمثل تحدياً أمنياً لحكومة محمد شياع السوداني.