أطلقت الأمم المتحدة نداء استغاثة، تطالب فيه بأكثر من ثلاثة مليارات دولار لتأمين خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن، بما يضمن عدم انزلاق الملايين من سُكانه في مجاعةٍ وشيكة، فجاء التبرع من المجتمع الدولي على شكل مبعوثين. أعاد فيروس كورونا ربما، تذكير دول العالم بالتبرعات العينية بدلاً من النقدية. وإلى حين وصول المبعوث رقم 11 إلى اليمن، ستكون الأزمة اليمنية قد دخلت موسوعة الأرقام "القلقية" (لكثرة ما يبدون القلق)، بعد استقطابها حتى الآن لفريقٍ محترف ومتكامل من المبعوثين الدوليين والإقليميين، وذلك بعد الكشف عن الوافد الجديد، الأميركي تيم (تيموثي) ليندركينغ، الذي أعلن رئيس الولايات المتحدة جو بايدن تعيينه قبل أيام. رفعت الحكومة اليمنية عبارة "عام التعافي"، كشعار لها عند وصولها إلى عدن، ولكن من الواضح أنه سيكون "عام القلق"، في ظلّ وجود هذا الكم من المبعوثين الدوليين والإقليميين، الذين سيقدّمون للشعب اليمني أطباقاً مختلفة من القلق، تتنوع بين قلقٍ شديد وقلق بالغ إزاء الانتهاكات الكبيرة، أو قلق "حاف"، في ما خصّ المصائب الصغيرة.
الازدحام المقلق للمبعوثين إلى اليمن، لا يمكن اعتباره ظاهرة إيجابية، فالطبخة التي يكثر طبّاخوها تحترق، كما يقول المثل الشعبي، والأزمة السياسية التي تتحول إلى حلبة مبعوثين، لا تثمر سوى أزمات جانبية وحساسيات بين مبعوث بدأ باستيعاب أبجديات ما يجري داخل البلاد، وآخر ملّ من الأطراف اليمنية، وثالث أصبح لديه طريقة تفكير مختلفة، ورابع يخشى من أن يسرق الخامس إنجازه الذي بدأ بالعمل عليه منذ سنوات، وسادس لا يعرف شيئاً من اليمن سوى أنه مبعوث لديه.. وهكذا.
أسابيع من القلق تنتظر اليمنيين، وحتى أطراف النزاع الذين جاء المبعوثون لتفكيكهم، قد يشعرون بالعبء. وليس بعيداً أن نشاهد، في الأيام المقبلة، جماعة الحوثيين، تصدر بياناً تدعو فيه المندوبين الخاصين إلى ضبط النفس وعدم التحرش ببعضهم البعض، وتغليب مصلحة السلام. حالياً، من المتوقع أن ينتزع المبعوث الأميركي شارة قيادة فريق المبعوثين الدوليين، فالعصا الأميركية لها وقع خاص في نفوس الأطراف المحلية. ويكفي أن مجرد تعيين بايدن لتيم ليندركينغ، جعل المبعوث الأممي مارتن غريفيث يفكر بطريقة صحيحة، ويتوجه إلى إيران، باعتبارها طرفاً في الأزمة، بدلاً من الاستقرار في تطبيق "زوم" منذ منتصف العام الماضي.
سننتظر ماذا ستجلب لليمنيين هدية بايدن. هناك فرص سلام متاحة حالياً ينبغي البناء عليها، خصوصاً في حال تمّ شطب جماعة الحوثيين من قوائم الإرهاب. الشطب يجب أن يكون في مقابل التزامات جادة بالخوض غير المشروط في عملية سلام شاملة.
وبالإضافة إلى الأميركي والأممي، لدى السويد مبعوث خاص هو بيتر سيمنبي، وإيطاليا لديها مبعوث هو جانفرانكو بتروتسيلا، وألمانيا لديها مبعوث هو ميخائيل أونماخت. حتى بريطانيا التي يلتقي سفيرها إلى اليمن، مايك آرون، كافة الوزراء في الحكومة، ويعرف أسماء مدراء المديريات أكثر من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، قامت بتعيين مبعوث خاص لليمن أيضاً منذ 2014 يُدعى ألن دنكن.
دكّة احتياط المبعوثين تضمّ كوادر إقليمية، فالأمين العام لمجلس التعاون الخليجي لديه مبعوث، رغم أن مجلس التعاون نفسه لديه مبعوث (حالياً سرحان المنيخر)، والإمارات كان لها مبعوث (مبارك الجابري)، أما إيران فلديها مبعوث (حسن إيرلو) الذي يشغل منصب السفير الإيراني لدى جماعة الحوثيين. تخمة، وارتباكٌ دولي يكشف عن قصر نظر وعدم استيعاب حقيقي للأزمة اليمنية. بدلاً من قرار دولي صارم يطيح بكافة الألغام التي يتمسك بها كل طرف وتعقّد فرص نجاح المشاورات السابقة، تقوم الدول بتصدير مبعوثين يجدون فقط في الأزمة اليمنية فرصة للتمرن على إدارة الصراعات، واكتساب خبرات من واحد من أبرز الملفات تعقيداً على مستوى العالم.