استمع إلى الملخص
- **انقسام سياسي حاد**: رئيس الوزراء إيراكلي كوباخيدزي يتهم المعارضة بالتخطيط للشغب، بينما تحاول رئيسة البلاد سالومي زورابشفيلي توحيد المعارضة ضد الحزب الحاكم الذي أقر قانون التأثير الأجنبي.
- **مستقبل غامض**: الانتخابات المقبلة حاسمة، حيث يرى منتقدو الحزب الحاكم أنها تعني التبعية لروسيا، بينما تعاني المعارضة من ضعف شعبيتها، مما ينذر بمظاهرات متوقعة ودعوات لبيئة انتخابية سلمية.
في سياق الحرب الإعلامية التي دشنها حاكم الظل في دولة جورجيا بيدزينا إيفانشفيلي، والتي اندلعت مع قرب إجراء الانتخابات العامة المرتقبة في 26 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، طالب مؤسس حزب الحلم الجورجي الحاكم بقيام هذه الدولة القوقازية بتقديم اعتذار رسمي لشعب أوسيتيا عن حرب العام 2008 مع روسيا التي انتهت باعتراف موسكو بمنطقتين جورجيتين متمردتين، هما أوسيتيا وأبخازيا، اللتان تشكلان 20% من مجمل الأراضي الجورجية الوطنية.
وجاء ذلك في خطاب ألقاه الميلياردير إيفانشفيلي، الذي كون ثروته في موسكو وتربطه علاقات متينة بالكرملين الروسي، في مدينة غوري، السبت الماضي، ضمن جولاته الدعائية الرامية إلى إعادة انتخاب حزب الحلم الجورجي الحاكم، حيث أضاف "إن النظام الإجرامي للرئيس السابق ميخائيل ساكاشفيلي كان قد أشعل فتيل الحرب بأوامر من قوى أجنبية".
إيفانشفيلي هدد أيضاً في خطابه بأن من وصفهم بالمحرضين على تلك الحرب سيواجهون العدالة فور إقرار نتائج الانتخابات، الأمر الذي اعتبره عديد من النشطاء الشباب انصياعاً أعمى لإدارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، دون أخذ مصالح البلاد الوطنية بعين الاعتبار، ولا سيما أن تطلعات الجيل الجديد ترنو إلى الانضمام للاتحاد الأوروبي وتعتبر نظام بوتين بمثابة التهديد الأكبر لمستقبل البلاد.
كما سبق أن اتهم رئيس وزراء جورجيا إيراكلي كوباخيدزي المعارضين لحزب الحلم الجورجي الحاكم بالإعداد لخطط تهدف إلى إثارة الشغب خلال الانتخابات، ملوحاً باتخاذ "عقوبات صارمة" ضد من وصفهم "بالمتطرفين". وأضاف كوباخيدزي خلال مؤتمر صحافي عقده في الرابع من سبتمبر/أيلول الجاري، أن "قوى المعارضة الراديكالية تسعى إلى شن هجمات على المؤسسات العامة، بل وحتى القيام بثورة"، على حد تعبيره. وجاءت تصريحات رئيس الوزراء الجورجي في وقت تشهد فيه البلاد انقساماً حاداً بين مؤيدي الحزب الحاكم الراغبين بتوطيد العلاقات مع روسيا ومختلف أطياف المعارضة السياسية، التي ترى أن مستقبل البلاد ينبغي أن يكون تحت مظلة الاتحاد الأوروبي.
هذه الهجمة الإعلامية التي دشنها الحزب الحاكم جاءت إثر محاولات رئيسة البلاد سالومي زورابشفيلي، منذ شهر مايو/أيار الماضي، المضي لعقد لقاءات مكوكية مع مختلف قوى المعارضة بهدف توحيدها ضمن لائحة انتخابية تتمكن من تنحية الحزب الحاكم، الذي أقر قانون التأثير الأجنبي الذي يصنف أي مؤسسة غير حكومية تتلقى أكثر من 20% من تمويلها من الخارج بأنها "مؤسسة تسعى إلى تحقيق مصالح قوى أجنبية". ويعد هذا القانون استنساخاً لقانون مماثل سبق أن أقره الكرملين الروسي، ويهدف وفقاً للمعارضة إلى تكميم أفواه المؤسسات الإعلامية وفرض رقابة صارمة على قوى المجتمع المدني التي تدافع عن حقوق الإنسان. وتتهم المعارضة الحزب الحاكم أيضا بمحاولة جر جورجيا إلى فلك موسكو وإحكام تبعيتها لنظام بوتين.
جورجيا.. بين روسيا والغرب
وفي هذا الصدد، يقول الشاب ماموكا أباشيدزه (21 عاماً)، لـ"العربي الجديد"، إنه يعتقد "أن سالومي ستنجح في توحيد المعارضة وتنحية حزب الملياردير، لكن ساكاشفيلي لا ينبغي أن يكون البديل، لا يفترض حتى أن يكون خيارا مطروحا، رغم أني أرى أن المستقبل الأفضل للبلاد هو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي".
أما ديفيد آيورامشفيلي، فيعتقد أن الاستقطاب الذي تشهده بلاده هو نتيجة للصراع بين روسيا والغرب، ويقول في حديث لـ"العربي الجديد": "التظاهرات التي شهدناها في شهر مايو الماضي كانت مدفوعة من قبل قوى غربية. صحيح أن قانون التأثير الأجنبي أو ما يصفونه بالقانون الروسي بحاجة إلى بعض التعديلات لضمان الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكن أيضاً على القوى الأجنبية الخضوع للرقابة"، ويضيف أن "تلك التظاهرات كانت تهدف إلى استفزاز الروس، وهو ما يشكل خطراً على مستقبل وأمن جورجيا"، مشيراً إلى أنه "من السهل ادراك أن الولايات المتحدة تستغلنا لاستفزاز الروس، وفي حال استمرار الوضع على هذا النحو سنكون في خطر، لا ينبغي أن نكون وقودا لمصالح الولايات المتحدة".
آيورامشفيلي أعرب أيضاً، في حديثه لـ"العربي الجديد"، عن عدم ثقته بالمعارضة، قائلاً: "ألقي باللوم على كل من أطياف المعارضة والحكومة على حد سواء، فرفضنا التبعية لروسيا لا ينبغي أن يجعلنا عبيدا للغرب، فهذا أسوأ، أما بالنسبة للحزب الحاكم فإن محاولاته الحفاظ على السلام مع روسيا ما كان يجب أن يبلغ كل هذه المبالغة في استرضاء عطف بوتين"، ويختم بالقول: "أمام الانتخابات المرتقبة قررت الوقوف على الحياد، إذ إنني لا أثق بكلا الطرفين المتصارعين".
من جهته، قال الناشط جابا جامبولادزي (27 عاماً)، في حديث لـ"العربي الجديد": "هناك محاولات لخلق معارضة موحدة، قد تنجح سالومي في ذلك، لكن عليها الابتعاد عن حزب الحركة الوطنية الموحدة. أما في ما يتعلق باتهامات رئيس الوزراء لرئيسة البلاد، فهي ليست بمحلها، إذ إن زورابشفيلي ليست عضوا في حزب الحركة الوطنية، وساكاشفيلي لم يكن إلا دكتاتوريا طموحا، لكن رئيستنا أبعد ما تكون عن نهجه".
وستكون الانتخابات التي يترقبها الشعب في جورجيا حاسمة في ما يتعلق بمستقبل البلاد، إذ إن إعادة انتخاب الحزب الحاكم لا تعني إلا التبعية المطلقة لروسيا، وفقاً لمنتقدي حاكم الظل إيفانيشفيلي، الذي يقود الحزب الحاكم نحو أحضان موسكو، وفقاً للمعارضة.
ويُذكر أن الغالبية العظمى من أهالي البلاد يرغبون بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وفي هذا الصدد وصفت رئيسة جورجيا سالومي زورابشفيلي، في تصريح إعلامي أدلت به في 27 أغسطس/آب الماضي، الانتخابات المنتظرة بأنها بمثابة "استفتاء لاختيار روسيا أو الغرب".
زورابشفيلي كانت قد أضافت في تصريحها، الذي أدلت به عند توقيع مرسوم إجراء الانتخابات: "إننا لا نتعامل مع انتخابات عادية.. قرارنا الحالي وجودي، وسيحدد مصير البلاد لسنوات عديدة"، كما انتقدت محاولات الحزب الحاكم الترويج لأن عدم انتخابه مجددا سيكون بمثابة إعلان حرب مع روسيا، قائلة إن "فكرة أن تكون الانتخابات المقبلة بمثابة اختيار بين الحرب والسلام هي كذبة"، على حد وصفها.
وتواجه رئيسة البلاد المعارضة لمحاولات الحزب الحاكم إحكام التبعية لموسكو، تحديات جدية في الانتخابات القادمة لأن قوى المعارضة، باستثناء حزب الحركة الوطنية المتحدة، لا تحظى بثقل شعبي يمكنها من حسم المعركة الانتخابية لصالحها وتنحية حزب الملياردير الذي يصفه المعارضون بدمية بوتين.
أما بالنسبة لحزب الحركة الوطنية، فإن تاريخ مؤسسها الدكتاتور ميخائيل ساكاشفيلي، الحليف الاستراتيجي للغرب والقابع حالياً في السجن بسبب جرائم سوء استخدام السلطة، يحول دون أي إمكانية حقيقية لخلق البديل، الأمر الذي قد يدفع العديد من الناخبين إلى إعادة انتخاب حزب الحلم الجورجي باعتباره "أهون الشرين".
كما سبق أن أكد رئيس وزراء البلاد، من حزب الحلم الجورجي، أن حزبه سيحظر في حال فوزه بالانتخابات حزب الحركة الوطنية وكافة الأحزاب المتحالفة معه، متهماً إياها بأنها تسعى إلى "تحقيق أهداف إجرامية"، على حد تعبيره.
ومن جهتها، قالت رئيسة حزب الحركة الوطنية المتحدة تينا بوكوتشافا، في تصريح صحافي أدلت به في 30 أغسطس الماضي: "إن توحيد كل قوى المعارضة المؤيدة للغرب هو مطلب عام في هذه المرحلة، وعلينا أن نرتقي إلى مستوى التحدي". وهنا تكمن تفاصيل الشيطان، إذ إن من مصلحة قوى المعارضة الائتلاف في قائمة موحدة تنأى بنفسها عن الحركة الوطنية ومؤسسها ساكاشفيلي، نظراً لتاريخه الموسوم بالاستبداد.
وينذر الاستقطاب الحاد الذي يشهده هذا البلد القوقازي بين مساري التبعية لروسيا، التي تحتل 20% من أراضيه، أو الارتماء في أحضان الغرب، باندلاع مظاهرات متوقعة خلال المرحلة الانتخابية، الأمر الذي دفع المحامي العام لجورجيا ليفان إيوسيلياني لدعوة كافة الجهات السياسية إلى "العمل من أجل خلق بيئة انتخابية مواتية وسلمية"، واصفاً الانتخابات المرتقبة بالتاريخية.
كما حذر إيوسيلياني، في بيان مشترك مع لجنة الانتخابات المركزية، صدر في 2 سبتمبر، مما وصفه بـ "الاستخدام المتزايد لخطاب الكراهية والممارسات التمييزية" من قبل "الكيانات السياسية المختلفة"، مشيرا إلى أن مثل هذه الإجراءات "تقوض نزاهة العملية الانتخابية".
وسيكون طلبة الجامعات وقود التظاهرات المتوقعة خلال المرحلة الانتخابية، والذين لم يخفت نشاطهم منذ التظاهرات المناوئة لقانون التأثير الأجنبي في شهر مايو الماضي، إذ باتت الجامعات منذ ذلك الوقت معقل اجتماع النشطاء الشباب الرافضين قطعاً لأي شكل من أشكال التبعية لموسكو. لكن التساؤل الذي يفرض نفسه هنا: هل بإمكان الطلبة خلق البديل الثالث وتنحية حزب الحلم الجورجي دون استعادة هيمنة الحركة الوطنية بتاريخها المناهض للحريات العامة والحقوق الأساسية؟!