تستعد المحافظات العراقية للانتخابات المحلية المقررة في 18 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، لكن الأوضاع قد تبدو مختلفة في محافظة كركوك، كبرى المحافظات النفطية العراقية (250 كيلومتراً شمالي بغداد)، والمتنازع على إدارتها بين حكومتي بغداد وحكومة إقليم كردستان.
وبدأ الحراك القومي بين المكونات الثلاثة بالمحافظة، العربي والتركماني والكردي، مبكراً منذ أسابيع، عبر حشد الشارع والتأكيد على أهمية المشاركة، بوصفها انتخابات مصيرية، في إشارة إلى احتمالية تنفيذ حكومة محمد شياع السوداني وعودها للأكراد بإجراء استفتاء شعبي بالمحافظة لتحديد مصير إدارتها، وفقاً للمادة 140 من الدستور.
وعقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، لم تشهد كركوك سوى انتخابات محلية واحدة في عام 2005، كانت مثار جدل بين مكونات المحافظة التي يسكنها خليط من العرب والتركمان والأكراد إضافة إلى أقلية مسيحية.
في انتخابات 2005 كانت الأمور تسير لصالح الأكراد، الذين فرضوا سيطرتهم الأمنية على المحافظة مستغلين الأوضاع المرتبكة لبغداد وموجة العنف التي ضربت مناطق واسعة من البلاد.
ويتهم العرب والتركمان القوى السياسية الكردية بالتلاعب بسجلات الناخبين، وإشراك عشرات آلاف المواطنين الأكراد الذي قدموا من محافظات أخرى، ما رجح كفة الأحزاب الكردية ومنحهم نصف المقاعد في مجلس المحافظة، ومكنهم من السيطرة على الحكومة المحلية.
هدايت طاهر: القوى العربية والتركمانية تحاول حرمان الناخبين الأكراد من حقهم الانتخابي
استمرت سيطرة الأكراد متمثلة بحزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" على كركوك حتى عام 2017. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2017 فرضت بغداد سيطرتها على كركوك بعد أن كانت تدار أمنياً وإدارياً من إقليم كردستان.
ومنذ منتصف الشهر الماضي انطلق حراك سياسي واسع في كركوك استعداداً للانتخابات، وذلك عقب إقرار البرلمان العراقي في مارس/آذار الماضي قانون الانتخابات الجديد، الذي يشمل الانتخابات التشريعية وانتخابات مجالس المحافظات، والذي يُعد تعديلاً لقانون انتخابات عام 2018.
انتخابات كركوك
وبحسب قانون الانتخابات، فإن مجالس المحافظات مكوّنة من 12 مقعداً، يضاف إليها مقعد واحد لكل 200 ألف نسمة للمحافظات التي يزيد تعداد سكانها على مليون نسمة. ووفقاً لذلك فإن عدد سكان كركوك بحسب إحصائيات وزارة التجارة يبلغ 1.6 مليون نسمة وسيكون عدد أعضاء مجلس المحافظة المقبل 15 مقعداً.
ونص قانون الانتخابات الجديد في المادة 13، على اعتماد سجل الناخبين في كركوك على التعداد السكاني لعام 1957. وما يميز انتخابات كركوك عن باقي المحافظات العراقية بأنها تعتمد على التنافس والاصطفاف القومي البحت، فهناك ثلاثة خنادق يجري التحشيد لها من قبل القوى السياسية العربية والكردية والتركمانية.
الأمين العام لـ"المجلس العربي" في كركوك حاتم الطائي، أكد على ضرورة توحيد القوائم والقوى العربية في الانتخابات المقبلة، وشدّد على عدم دخولها متفرقة، لأن ذلك من شأنه أن يضعف تمثيل العرب في الحكومة المحلية المقبلة.
وقال الطائي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الانتخابات المقبلة في كركوك ستكون مفصلية ومهمة لأنها تأتي بعد توقف منذ عام 2005"، مبيناً أن التنافس الانتخابي في كركوك يعتمد على التنافس القومي من قبل المكونات الرئيسية. ودعا القوى العربية إلى التوحد في قائمة واحدة لخوض الانتخابات المحلية، متوقعاً أن تشهد المرحلة المقبلة تشكيل قائمة عربية موحدة للمنافسة في الانتخابات.
واستبعد الطائي إمكانية إجراء تدقيق سجل الناخبين وفق ما نصت عليه المادة القانونية الخاصة بكركوك في الانتخابات، منوهاً إلى أنه إذا لم تتمكن المفوضية من تدقيق سجلات ناخبي كركوك في هذه الانتخابات فسيتم تدقيقها في الانتخابات المقبلة. وأكد أن السجلات المعتمدة في انتخابات 2005 غير صحيحة وجرى التلاعب بها بشكل واضح من بعض القوى، في إشارة إلى القوى الكردية.
أتيلا الأغا: التركمان والعرب يطالبون بتدقيق سجل الناخبين
بدوره، اتهم القيادي في "الاتحاد الوطني الكردستاني" هدايت طاهر، القوى العربية والتركمانية، بما قال إنها "محاولات لحرمان الناخبين الأكراد من حقهم في الانتخابات". وذكر طاهر في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الأكراد حصلوا في انتخابات 2005 على نصف المقاعد، ولهذا يريد العرب من خلال القانون الجديد إبعاد الأكراد عن تحقيق الأغلبية".
معركة منصب المحافظ
وأشار طاهر إلى أن التعديل الجديد في المادة الخاصة بكركوك يهدف إلى حرمان القائمة الأولى (الأكراد) من تسلم منصب المحافظ، وذلك من أجل إبقاء الوضع على ما هو عليه الآن، أي بقاء راكان الجبوري محافظاً لكركوك إلى أجل غير مسمى.
وقال إن "عدم حصول الأكراد على نصف أصوات الناخبين، يعني وجود خلل في الانتخابات"، مهدداً بأن "الأكراد سيتخذون إجراءات قانونية وتحشيد الجماهير للضغط من أجل إلغاء أي نتائج لا تصب في مصلحة القوى الكردية".
ويتخوف التركمان من جانبهم من مستقبل الأوضاع بالتزامن مع إجراء الانتخابات، فبحسب السياسي التركماني عمار كهيه، فإن مخاوف التركمان تتصاعد مع قرب الانتخابات لعدم وجود ممثلين للتركمان في مفوضية الانتخابات.
وقال كهيه لـ"العربي الجديد"، إن "هناك مفاوضات بين قوى سياسية تركمانية لتشكيل تحالفات ولكنها لم تنتهِ بنتائج إيجابية لغاية الآن"، معرباً عن أمله في تشكيل تحالفات موحدة للتركمان لضمان عدم ضياع صوت المكون التركماني.
وأضاف: "نسعى إلى أن تدخل الأحزاب التركمانية العشرة بقائمة موحدة برئاسة تحالف جديد قادر على قيادة المرحلة، للحصول على ثلث المقاعد على الأقل في كركوك وإدارة المحافظة عبر منصب المحافظ".
وأكد أن التركمان يسعون عبر الانتخابات المقبلة إلى الحصول على منصب المحافظ، مشيراً إلى أن هذا المنصب، وفقاً لما يجري في العراق، أصبح استحقاقاً للمكون التركماني بعد أن أخذ المكونان الكردي والعربي استحقاقه في إدارة شؤون المحافظة.
إلى ذلك، رأى الباحث من كركوك أتيلا الأغا، أن هناك ضرورة للاعتماد على تدقيق سجل الناخبين، وذلك لكشف حالات التلاعب السابقة التي حدثت في السجلات. وأشار في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "التركمان والعرب يطالبون بتدقيق سجل الناخبين والاعتماد على تعداد عام 1957، وهو ما يعترض عليه الأكراد".
ولفت إلى أن المكونين العربي والتركماني يتهمان الأكراد بجلب عشرات الآلاف من محافظات أخرى، لتغيير ديمغرافية المحافظة. وهو ما انعكس على نتائج الانتخابات الماضية التي جرت في 2005. وأضاف الأغا أن "التركمان حالياً يطالبون بالاعتماد على تعداد 1957 لأنه سيعيد الوضع إلى طبيعته، كون مركز كركوك كانت تقطنه غالبية تركمانية آنذاك، لكن هذا التأييد يواجه بالرفض من قبل الأكراد والعرب".