انتخابات لبنان النيابية لم "تبطئ" الانهيار: التسويات أولاً

25 مايو 2022
تخوّفات في لبنان من أن "الأسوأ لم يأتِ بعد" (حسين بيضون)
+ الخط -

مرَّ الاستحقاق النيابي في لبنان "على خيرٍ أمنيٍّ"، في ظل مخاوف شعبية رافقت المرحلة الانتخابية من حدثٍ يُفجّر البلاد كانت قوى السلطة أكثر المنبّهين إليه والمروّجين لسيناريوهاته، وهي نفسها اليوم بتلاوينها الحزبية كافة تمسك عصا التحذير من مؤامرة لإشعال الساحة لحين نضوج طبخة التسويات السياسية ربطاً باستحقاقات انتخاب رئيس مجلس النواب، ونائبه، وتكليف رئيس وزراء جديد لتشكيل الحكومة ومن ثم انتخاب رئيس للجمهورية خلفاً لميشال عون.

وتبقي هذه المشهدية المواطن اللبناني في حالة ترقب دائمٍ لمستقبل مجهول وقلق مستمرّ من مقولة تتردّد على لسان المطلعين سياسياً واقتصادياً بأن "الأسوأ لم يأتِ بعد"، خصوصاً أن الانتخابات وبدل أن يفضي إجراؤها إلى أجواء إيجابية، إلا أن الانحدار يستكمل مساره، سواء على صعيد تحليق غير مسبوق لسعر صرف الدولار الذي لامس الثلاثاء عتبة الـ34 ألف ليرة لبنانية، أو على صعيد تفاقم أزمة القمح، والدواء والاستشفاء، وزيادة أسعار المحروقات بشكل كبير، وسط غلاء فاحش وفوضى في التسعير في ظل غياب الأجهزة الرقابية.

على الصعيد الخارجي، وعلى الرغم من ردود الفعل الإيجابية حول إجراء الانتخابات النيابية في موعدها المقرّر وضمن أجواء مستقرة أمنياً، إلا أنّ الدول "المهتمة" بالملف اللبناني لا تعتبر حصول العملية الانتخابية كافية لمدِّ لبنان بالدعم المالي، واضعةً الإصلاحات شرطاً أساسياً لانطلاق قطار المساعدات النقدية، كما أنها لم تكن كفيلة كذلك بطمأنة الخارج على الوضع اللبناني، إذ تعبِّر بعض التصريحات عن خشية من انزلاق لبنان نحو الفوضى.

الشعب أكبر المتضررين

ويقول مصدرٌ دبلوماسي فرنسي (فضَّل عدم ذكر اسمه) لـ"العربي الجديد" إن "فرنسا تتابع التطورات على الساحة اللبنانية وتخشى من أي سيناريو تعطيلي، من هنا تدعو باريس إلى إنجاز الاستحقاقات المنتظرة نيابياً وكذلك على المستوى الحكومي، لأن البلاد لا تحتمل جولة جديدة من تصريف الأعمال، شبيهة بتلك التي حصلت في مرحلة رئيس الوزراء الأسبق حسان دياب، فالوقت ليس لصالح لبنان والشعب أكبر المتضررين من الأزمة".

وبانتظار أن يدعو رئيس البرلمان نبيه بري مجلس النواب للانعقاد في جلسة مخصّصة لانتخاب هيئة مكتبه، بدأت الاجتهادات تخرج بأن مهلة الـ15 يوماً المعطاة لتوجيه الدعوة مع بدء ولاية المجلس المنتخب حديثاً هي غير ملزمة، لتترك الباب مفتوحاً أمام نضوج التسوية، خصوصاً بين رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل وبري، والتي قد تشمل الحكومة ورئاسة الجمهورية، علماً أن مصدراً مقرّباً من بري أكد لـ"العربي الجديد" أن "لا تسوية والرئيس بري مرشح طبيعي لرئاسة مجلس النواب واللعبة الديمقراطية ستسلك طريقها والرئيس بري سيدعو قريباً جداً المجلس لعقد الجلسة".

في حين يؤكد الأستاذ الجامعي المتخصص في القانون الدستوري وسام اللحام لـ"العربي الجديد" أن مهلة الـ15 يوماً ملزمة للدعوة إلى جلسة، والغالبية المطلقة من أصوات المقترعين في الدورتين الأولى والثانية هي المطلوبة لانتخاب رئيس للمجلس النيابي.

مسؤوليات كثيرة

وفي السياق، يفضّل عضو كتلة بري النيابية "التنمية والتحرير" النائب محمد خواجة عدم الغوص في تفاصيل الدعوة إلى جلسة والكلام الذي يقال عن تسويات بين الأطراف السياسية، لكنه يشدد على أنه "إذا لم نتدارك الأمور يمكن أن تسوء الأوضاع كثيراً، وأكبر مؤشر على ذلك الارتفاع السريع والكبير في سعر صرف الدولار".

ويشير خواجة لـ"العربي الجديد" إلى أن "أمام المجلس مسؤوليات كثيرة، ويجب تشكيل حكومة في وقتٍ سريعٍ كي لا نبقى في مرحلة تصريف الأعمال التي قد لا نصمد خلالها"، لافتاً إلى أن المطلوب "تضافر الجهود وفق رؤية إصلاحية واضحة تتخذ خطوات جريئة لتغيير أسلوب العمل الذي أوصلنا إلى الخراب، ولا سيما على صعيد السياسة الاقتصادية التي تعدّ الأسوأ".

لا يرى خواجة المسار التصاعدي لسعر صرف الدولار بريئاً

من جهة ثانية، لا يرى خواجة المسار التصاعدي لسعر صرف الدولار بريئاً، "طبعاً هناك أزمات تنعكس على العملة الوطنية، وأنا لا أعمل بنظرية المؤامرة، لكن ما يحصل ليس بريئاً ولست مرتاحاً لهذه القفزة بأكثر من 4 آلاف ليرة لبنانية في أيام قليلة، ما يطرح علامات استفهام عدة، فهل هناك جهات تتحكم بسعر الصرف ليست راضية مثلاً عن الانتخابات ولا تريد للبلد أن يسلك طريق التعافي. بجميع الأحوال يجب العمل معاً كقوى سياسية منتخبة حديثاً، وعلينا عدم السماح بذهاب البلد إلى الانهيار أو الانفجار".

بدوره، يرى الكاتب السياسي جورج علم أن الأزمات التي توالت فور انتهاء الانتخابات مرّدها إلى أن "الانتخابات لم تجرَ على برامج عمل إنقاذية بحيث غابت عن كل الكتل والمرشحين، بينما كان الخطاب الاستفزازي التحريضي الطائفي الفئوي هو السائد، علماً أن الانتخابات جرت في ظل تمادي الأزمة الاقتصادية والمعيشية، والأزمة مفتوحة اليوم على تفاقم أكبر".

على صعيد انتخابات رئاسة مجلس النواب يقول علم لـ"العربي الجديد" "إننا عدنا إلى نغمة عام 2018؛ أي عندما خرج الثنائي حزب الله وحركة أمل ليقول بري أو لا أحد، واليوم يحصل الأمر نفسه، لكن مع تطور أن الرئيس بري أصبح أكبر الأعضاء سناً في البرلمان، ما يجعله حكماً رئيس الجلسة وبيده الدعوة لانتخاب رئيس للمجلس ونائبه وأعضاء هيئة المكتب".

وأشار إلى أن هذه الخطوة "لن تتم إلا بعد حسم التفاهمات خارج المجلس، من هنا الاتصالات تحصل لإنضاج تسوية يحدد على أساسها موعد الجلسة المنتظرة".

وفي وقتٍ يرى علم أن بري سيكون رئيساً للمجلس لكن بأصوات أقل من تلك التي كان يحصدها سابقاً، ومع تسجيل ارتفاع على صعيد الأوراق البيضاء، يشير إلى أن موقع نائب الرئيس يدخل حتماً ضمن التسوية، والمعركة ستكون بين مرشحَيْ حزب "القوات اللبنانية" (يتزعمه سمير جعجع) والتيار الوطني الحر، لافتاً إلى أن حظوظ مرشح القوات مرتفعة في حال تمكن من الحصول على أصوات حزب "الكتائب اللبنانية" (يتزعمه النائب سامي الجميل) والمستقلين والمجتمع المدني.

تشكيل الحكومة رهن أمرين

على المستوى الحكومي، يقول علم إن تشكيل الحكومة مرتبط بأمرين أساسيين؛ الأول بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي أصبح ضرورة ملحة لمعالجة الازمة الاقتصادية، وبالتالي عليها الأخذ بعين الاعتبار تطبيق الإصلاحات والشروط التي يفرضها الصندوق للحصول على المساعدات المالية، وهذه النقطة عليها خلاف جوهري عميق، وهناك كتل عدة، على رأسها حزب الله، لن ترضى بالإصلاحات ولا بخطة النهوض الاقتصادي.

الأمر الثاني بحسب علم "أن هذه الحكومة يجب أن تشرف على انتخابات رئاسة الجمهورية، فإذا انتهت ولاية عون في شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل من دون انتخاب خلف له ستتولى الحكومة مهام رئاسة الجمهورية، وبالتالي سيكون هناك خلاف سياسي كبير حول تشكيل الحكومة الجديدة وقد تطول العملية بحيث سيصر أقطاب ورؤساء كتل على المشاركة بها وذلك تفادياً للآتي حتى إذا لم تحصل انتخابات رئاسية تكون المكونات السياسية موجودة في الحكومة لإدارة العملية السياسية في البلاد".

تبعاً لذلك، يعتبر الكاتب السياسي اللبناني أن الحل لا يمكن أن يأتي إلا عبر قناتين؛ إما تفاهم داخلي حول شخصية تتولى رئاسة الجمهورية في المرحلة المقبلة ويصار إلى انتخابها منذ الآن، أو بتسوية خارجية ومؤتمر دولي حول لبنان. الحلان مستبعدان لكن من الاحتمالات القائمة، وغير ذلك لا حلّ راهناً إنما مزيد من الانهيارات على المستويات كافة.

المساهمون