لا تهدأ الأجواء السياسية بين الأحزاب والكيانات المدنية الجديدة في العراق، إذ تتواصل الأزمات الداخلية في صفوف تلك القوى لأسباب متفرقة، أبرزها ما يرتبط باختلاف وجهات النظر بشأن المشاركة في إدارة الدولة إلى جانب القوى التقليدية من عدمه، ومشاكل أخرى تتعلق بالتنظيمات الحزبية للكيانات.
وتأسست الأحزاب والكيانات المدنية الجديدة عقب الاحتجاجات الشعبية التي تفجرت في العراق بالربع الأخير من عام 2019، واستمرت لأكثر من 14 شهراً في مدن جنوب ووسط العراق والعاصمة بغداد. وتعاني حركة "امتداد"، المدنية التي حصلت على 9 مقاعد في البرلمان الجديد، منذ أيام، مشاكل حادة سبّبت جملة استقالات في صفوفها، بالتزامن مع مشاكل في بيوت وحركات مدنية أخرى، كما يحصل حالياً بين "التيار الاجتماعي الديمقراطي والبيت الوطني".
وتفجر الخلاف أخيراً داخل حركة "امتداد"، على إثر كشف النائب عن الحركة، غسان الشبيب، تصويت عدد من أعضاء الحركة الفائزين بعضوية البرلمان لمصلحة محمد الحلبوسي رئيساً لمجلس النواب، على خلاف ما اتُّفِق عليه بعدم تأييد أيٍّ من القوى التقليدية في المشهد السياسي العراقي، وأخذ خط المعارضة.
وعلى إثر ذلك، قدم عدد من أعضاء الحركة استقالاتهم، فيما ظهرت خلال الأيام الماضية بوادر خلافات قوية بين حزبي "البيت الوطني و"التيار الاجتماعي الديمقراطي"، بسبب نشر الأول عن التيار الثاني أخباراً اعتبرت "كاذبة"، بشأن الدعم المالي ومصادره، ما دعا أعضاءً من الطرفين إلى نشر سلسلة من المنشورات التي تنال من بعضهما.
ويخشى نشطاء من تعاظم الخلافات بين الكيانات المدنية العراقية الجديدة، التي قد تؤدي إلى انهيار فكرة "المعارضة الشعبية المنظمة" أو البرلمانية على أقل تقدير، مقابل آخرين يرون أنها طبيعية، في ظل حداثة التجربة وقلة الخبرات وتأثيرات القوى السياسية المهيمنة على المشهد بتلك الحركات ومحاولة تشويه صورتها.
في السياق، بيّن الناشط علي الحجيمي من مدينة النجف جنوبيّ البلاد، لـ"العربي الجديد"، أن "لدى معظم الأحزاب المدنية الجديدة مشتركات مهمة وأساسية، سواء على مستوى العمل الشعبي والاحتجاجي والسياسي".
وأوضح أن "أبرز هذه المشتركات، محاسبة الفاسدين وقتلة المتظاهرين وإبعاد العمل الحكومي عن السلاح، ومعاقبة المليشيات وحصر سلاحها بيد الدولة، لكن في الوقت نفسه هناك اختلاف في وجهات النظر بين بعض هذه الكيانات".
ولفت إلى أن "حركة (امتداد) تعاني حالياً من مشكلة الانسحابات التي لم تتوقف منذ أسبوع، إضافة إلى حزب (البيت العراقي) الذي شهد انسحابات مماثلة".
بدوره، قال كتاب الميزان، وهو ناشط سياسي انسحب أخيراً من حزب "البيت العراقي"، إن "انسحابه جاء بعد أن وضح عدم الجدية في الاستقطاب السياسي داخل الحزب، وبدء العمل الحزبي والتنظيمي، إضافة إلى اختلاف الرؤى والتوجهات وعدم الانسجام، وجميعها أسباب جوهرية".
ورأى في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "معظم الشخصيات التي تقود الأحزاب الجديدة تفتقر إلى الخبرة السياسية، كذلك فإنهم لم يدخلوا سابقاً في عمل سياسي مباشر، ووصلوا إلى مستوى قيادة الأحزاب بالصدفة".
واعتبر الميزان أن "الخلافات والانسحابات حالات صحية وطبيعية جداً، وهي لا تقود إلى اعتبار أن "التشرينيين" لم يخفقوا في صناعة أنموذج جيد للحزب السياسي"، مؤكداً أن "الحزب السياسي الجيد والقوي، يحتاج إلى تراكمات وأخطاء وحتى إخفاقات من أجل الوصول إلى مرحلة تمكنه من التحوّل من حزب ناشئ إلى قوة سياسية بديلة من الأحزاب التقليدية".
من جهته، قال رئيس التجمع العلماني العراقي، الذي يستعد ليتحول إلى حزب سياسي، ضياء الشكرجي: "هناك مشاكل وعقبات تعاني منها الكيانات العلمانية والمدنية السياسية الجديدة، إذا لم تبادر بحلها ومعالجتها، فإنها قد تتحمل مسؤولية تاريخية بعدم استثمارها فرصة الظروف التي وفرتها الاحتجاجات".
وأردف في حديث لـ"العربي الجديد"، بأن "هناك تشرذماً غير مبرر من خلال التعددية التي تتجاوز التعددية السياسية الطبيعية المبنية على أساس الاتجاهات السياسية المتطلعة إلى التغيير، وبعض الكيانات مفصلة على مقاسات قادتها".
وأوضح أن "من الأسباب التي تؤدي أحياناً إلى المشاكل، الدوافع النرجسية وعدم التحول من ثقافة الفردانية إلى ثقافة المأسسة المواكبة للعصر، فضلاً عن ادعاء كل جماعة أنها المشروع الجامع والقادر على إحداث التغيير، ويصاحب ذلك ضعف الخبرة والتجربة السياسية، وعدم امتلاك الكثير من الوجوه التي ظهرت بعد تشرين للخطاب السياسي الذي يوفق بين الوضوح والمبدئية والخطاب للتأثير الجماهيري المطلوب، كذلك تأخر التحول من الأداء الثوري الذي تألقوا فيه إلى الأداء السياسي الذي كانوا يرفضونه في السابق".
أما علي البيدر، وهو باحث سياسي، فقد اعتبر أن "الخلافات بديهية في التجمعات الفتية، وهي تؤشر على غياب الاستراتيجية في العمل والنضج في التجارب، وجميع التجمعات السياسية التي تنشأ من أزمة تلاقي ذات هذا المصير تقريباً".
وأوضح لـ"العربي الجديد"، أن "هناك سلوكيات شخصية أدت إلى هذه الخلافات، وهي حالة صحية كي تؤدي في النهاية إلى صناعة الأفضل، فضلاً عن وجود أحزاب عتيقة استطاعت المناورة وتأسيس كيانات جديدة تحت غطاء المدنية لتحصن نفسها إن تمكن المدنيون من التواجد داخل منظومة السلطة، ولتفتيت فكرة أو مشروع الخط والتيار المدني أيضاً، وهي مناورة ماكرة".
ولفت في السياق إلى أن "أحد أسباب الخلافات التي تؤدي إلى الانسحابات هو التمويل، لكن المواقف السياسية لها دور أيضاً، وتحديداً ما تبنته بعض الكيانات داخل مجلس النواب، التي تنافت مع رأس الجمهور الذي انتخب الكيان وأوصله إلى مجلس النواب".