كشف وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، يوم الخميس، عن البدء بتنفيذ إجراءات تقييدية من حيث الوصول إلى الأراضي الفرنسية ضد شخصيات لبنانية متورطة بالانسداد السياسي الحالي أو المتورطة في الفساد.
وأكد لودريان أننا "نحتفظ بحقنا في اتخاذ إجراءات إضافية ضدّ كلّ من يعيق الخروج من الأزمة وسنفعل ذلك بالتنسيق مع شركائنا الدوليين".
وقال لودريان، في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الشؤون الخارجية والأوروبية في جمهورية مالطا إيفاريست بارتولو، وزعت بيانه الإعلامي السفارة الفرنسية في بيروت، إن "القادة السياسيين في لبنان يواصلون عرقلة تشكيل حكومة من أصحاب الكفاءة قادرة على إجراء الإصلاحات اللازمة، وعلى المسؤولين عن الانسداد وعرقلة العملية السياسية أو التعطيل أن يفهموا أنّنا لن نظل مكتوفي الأيدي".
وأضاف "لقد بدأنا مشاورات مع شركائنا الأوروبيين تدور حول الأدوات المتاحة أمامنا لزيادة الضغط على اللاعبين السياسيين الذين يعرقلون مخارج الأزمة".
وخصّ وزير الخارجية الفرنسي لبنان في كلمته باعتباره "قضية إقليمية، متوسطية ومسألة أوروبية"، وبالنظر إلى "التدهور الخطير على المستويات الاقتصادية الاجتماعية الإنسانية"، وفق تأكيده.
وقال مصدر دبلوماسي فرنسي لـ"العربي الجديد" إن الأسماء ستُعلن في وقتها مع لائحة تتضمّن الأسباب التي أدت إلى اتخاذ الإجراءات بحقها، ولن تكون بالتالي عشوائية أو سياسية أو منحازة لطرف دون الآخر أو تهدف إلى عزل فريق معيّن على حساب آخر".
ولم ينفِ أو يؤكد المصدر ما يتم تداوله عن أن الشخصيات "المعاقبة" تدور في فلك "التيار الوطني الحر" الذي يرأسه صهر الرئيس ميشال عون، النائب جبران باسيل وربما هو شخصياً وبعض مستشاريه والعاملين مع الرئيس اللبناني.
وأوضح المصدر أن "كل معرقل ومعطل ومتسبب بإلحاق الضرر بالشعب اللبناني ودفعه بفعل أنانيته ومصالحه الخاصة إلى الانهيار القاتل سيُحاسب بشتى الطرق سواء منعه من دخول الأراضي الفرنسية أو فرض إجراءات وقيود مصرفية ومالية وعقارية وغيرها من الوسائل المشروعة التي ما كانت فرنسا تريد اللجوء إليها".
وأوضح أن فرنسا كانت قد أطلقت مبادرة إنقاذية منذ ما بعد انفجار الرابع من أغسطس/آب 2020، ولم يتلقفها القادة السياسيون رغم تحذير باريس بأنها لا توقع أي شيك على بياض بعد التجارب السيئة الماضية نتيجة الفساد المستشري والاستيلاء على مساعدات مالية، كانت الغاية منها في مراحل ماضية مساعدة اللبنانيين، وإنعاش البلاد من قبل اقتصاديين، لا السياسيين وجيوبهم، حسب قوله.
وفي وقتٍ تتجه الأنظار إلى باسيل بوصفه "مهدداً" بعقوبات فرنسية، وهو المعاقَب أميركياً، وشبه المعزول عربياً ودولياً، خرج رئيس "التيار الوطني الحر" يوم الخميس بموقفٍ لافتٍ من موسكو أشاد فيه برئيس النظام السوري بشار الأسد، معتبراً أنّ "الانتخابات الرئاسية السورية وتثبيت الأسد سيكونان عوامل مسرِّعة ومشجِّعة لعودة اللاجئين السوريين" (تصرّ السلطات اللبنانية على توصيفهم بالنازحين).
وطلب باسيل في الوقت نفسه من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إجراء مؤتمر في لبنان من أجل تشجيع عودة اللاجئين السوريين، مضيفاً، "شجعنا روسيا أيضاً على الانخراط في عملية النهوض في لبنان من خلال المساهمة بعدة مشاريع استثمارية".
وأدلى باسيل بهذه المواقف، خلال مؤتمر صحافي، عقده بعد لقاء لافروف، وسرعان ما تحوّل إلى مادة متداولة على الساحة اللبنانية وضُعَت من قبل معارضيه في إطار "مغازلة الأسد" تمهيداً للانتخابات الرئاسية اللبنانية في عام 2022 التي يعد باسيل الطامح الأكبر اليها.
لقاء لافروف-باسيل يليه غداء عمل ثم مؤتمر صحافي لرئيس التيار الوطني الحر حول المحادثات pic.twitter.com/jLRZFG5rAG
— Gebran Bassil (@Gebran_Bassil) April 29, 2021
كلام باسيل وضعه أيضاً الخبير في السياسات العامة زياد الصائغ في إطار "الشعبوي، لا قيمة له أو معنى"، وذلك لأسباب عدّة، أبرزها، "أن روسيا أطلقت مبادرة قبل سنتين لعودة اللاجئين وباءت بالفشل نتيجة التعطيل من قوى الأمر الواقع في سورية، ولعدم تسهيل العودة خصوصاً في منطقة القلمون والقلمون الغربي،والزبداني والقصير، كما أنهت روسيا مسار أستانة للمفاوضات والحلّ السياسي في سورية، ورفعت توصيات إلى جنيف".
ويضيف الصائغ، في حديثه الى "العربي الجديد"، "إذا لم يُسمَح بعودة 300 ألف لاجئ سوري إلى المناطق المذكورة أعلاه بشكل خاص والتي تحولت إلى مناطق عسكرية، رغم أنه لا أعمال عسكرية فيها، فإننا سنكون أمام كارثة كبرى، إلى جانب أسباب أخرى، منها تعثر عملية إعادة الإعمار، والتواجد الروسي الغربي الإيراني في سورية، وغيرها من العوامل التي تجعل من كلام باسيل شعبوياً وبلا قيمة".
وأضاف أنه يجب عدم نسيان "دور باسيل وحلفائه في إفشال قيام سياسة عامة في لبنان لمعالجة أزمة اللجوء وتخلف أركان المنظومة في المقابل عن المواجهة والدفع باتجاه إقرارها، وللأسف يستمر التعاطي بالملف والكلام بهذا المنطق السياسي الشعبوي غير المسؤول".
من ناحية ثانية، تطرق باسيل أيضاً إلى الملف الحكومي، مشيراً إلى طلبه من وزير الخارجية الروسي أن "يلعب الدور اللازم لحثّ رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري على إنهاء ملف تشكيل الحكومة".
وأضاف "روسيا لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول، لكننا شجعناها على القيام بدور تحفيزي للفرقاء للإسراع بتشكيل حكومة في لبنان يحتاج إلى حكومة، وهناك تقصير في إنجاز هذا الأمر، ولا خيار آخر، إلا أن تكون لنا حكومة لكي تنطلق بتحقيق المطلوب".
وتابع "روسيا تدفع باتجاه الإصلاح، وهذا ما نشكرها عليه، ونحن كلّنا بانتظار أن يأخذ رئيس الحكومة المكلّف قراره بالسير بتشكيل الحكومة والأهم قراره بالإصلاح".
وأردف باسيل "لبنان اليوم، نتيجة الضغوطات والفساد انهار، ويلزمه إصلاحات جذرية وبنيويّة، وهذا يتطلّب قراراً سياسياً لبنانياً غير مكتملة عناصره، ويلزمه حكومة من الاختصاصيين تكون مدعومة من القوى السياسية والبرلمانية الأساسية، من دون أن يكون فيها القدرة لأحد على السيطرة عليها وعلى منع هذه الإصلاحات".
وأضاف "فكرنا في إنشاء السوق المشرقي الذي يضمّ لبنان وسورية والعراق والأردن (وفلسطين طبعاً عند إنشاء الدولة)، وكيف لهذا الإطار الاقتصادي أن يسهم إيجاباً باستقرار المنطقة ويساعد بإعادة إعمار سورية والعراق وبإنهاض لبنان من محنته. وفي هذا الإطار، يأتي موضوع الغاز والنفط بالبر والبحر".