ينتظر البرلمان التونسي مصيراً مجهولاً بعد تجميد الرئيس قيس سعيد أعماله لمدة شهر، تنتهي مبدئياً في 28 أغسطس/آب الحالي، إلا أنها قابلة للتمديد، خصوصاً أن عدد الملاحقين من النواب من قبل القضاء كبير.
وبحسب المتحدث باسم القطب القضائي المالي (الهيئة الإدارية) محسن الدالي، فإن عدد الملاحقين قضائياً من النواب يبلغ نحو 40 (دون أن يعني ذلك إدانتهم ريثما تتم كل مراحل التقاضي)، وذلك دون احتساب من سيكشف عنهم القضاء في قضايا أخرى، كما أشار الدالي، وهو ما يعني ملاحقة نحو 20 في المائة من مجموع 217 نائباً، عدد أعضاء البرلمان التونسي، وربما تتجاوز هذه النسبة إذا كان عدد من سيكشف عنهم كبيراً.
سيتم ملاحقة عدة نواب بقضايا خيانة وتحايل وتهرب ضريبي وتبييض أموال وتمجيد الإرهاب وعنف مادي ومعنوي
وأشار الدالي، في تصريحات صحافية أخيراً، إلى أنه تم تحديد جلسة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل لدراسة 26 ملفاً، في حين أن البقية لا تزال في طور البحث. وأعلن أنه "في الأيام القليلة المقبلة ستُثار ملفات من الحجم الكبير"، مشيراً إلى ملاحقة "عدة نواب بقضايا خيانة وتحايل وتهرب ضريبي وتبييض أموال وتمجيد الإرهاب وعنف مادي ومعنوي". وبين أن "رفع الحصانة عن النواب أصبح قانوناً بعد أن صدر في الرائد (الجريدة) الرسمي للجمهورية التونسية"، مشيراً إلى أن "هناك نواباً تمسكوا بالحصانة وآخرين لم يفعلوا". وأوضح أن "هناك 24 قضية ضد أحد النواب، و4 ضد آخر". ولفت إلى أنه "تم تعيين جلسات نظر لملفات النواب"، موضحاً أن "بعض القضايا ستكون طويلة الأمد وأخرى ستصدر فيها أحكام".
وكان القضاء شرع في ملاحقة عدد من البرلمانيين، حيث تم إيقاف نائبين، فيما نفذ القضاء العسكري حكماً بسجن النائب المستقل ياسين العياري، الذي لا يزال مطلوباً في قضايا أخرى أمام التحقيق العسكري. كما تم إيقاف النائب المستقل فيصل التبيني في سجن جندوبة بسبب أحكام في قضايا الإساءة عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. كما يلاحق القضاء العسكري 5 نواب عن ائتلاف "الكرامة" في قضية ما يعرف "باقتحام المطار" والاعتداء على أمنه. ورغم إطلاق سراح النائب ماهر زيد أمس، إلا أنه ما زال مطلوباً مع رئيس الكتلة سيف الدين مخلوف والنواب عبد اللطيف العلوي ومحمد عفاس ونضال سعودي.
وفي سياق متصل، ما زال النائب المستقل راشد الخياري فاراً بعد مداهمة منزله لإيقافه، في قضية تتعلق بالاتهامات التي أطلقها حول "تخابر الرئيس مع جهات أجنبية، وحصوله على تمويل أجنبي لحملته الرئاسية". ونشرت منظمة "أنا يقظ" المختصة في مكافحة الفساد قائمة من برلمانيين والقضايا والشكاوى والتهم التي تتعلق بهم، متوقعة قيام القضاء بملاحقتهم.
وتطرح سيناريوهات عدة حول مصير البرلمان التونسي بعد إنقضاء التدابير الاستثنائية، لعل أهمها العودة للعمل الطبيعي برفع قرار تجميده، كما طالبت به منظمات وطنية ودولية وزعماء دول، في مقدمتهم فرنسا وأميركا وتركيا. وكان رئيس اتحاد الفلاحة والصيد البحري عبد المجيد الزار أعلن، في تصريحات صحافية، أن "سعيد تعهد في حالة استتباب الأمن أن يعود البرلمان إلى نشاطه في غضون أسبوعين".
وتطرح من جهة أخرى إمكانية تمديد سعيد لقرار تجميد البرلمان لشهر أو أكثر، كما بينه خبير القانون الدستوري رابح الخرايفي، لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى أن القرار الوارد في الأمر الرئاسي يتضمن احتمال التمديد. وبين الخرايفي أنه "بالنظر إلى تعهد النيابة العمومية المدنية والعسكرية بعدد من القضايا، والشروع في تنفيذ أحكام وتنفيذ بطاقات جلب وتفتيش في حق نواب، يمكن أن يعطل استئناف البرلمان لأعماله قريباً".
ورأى أن "عدداً من القضايا المنشورة تتطلب وقتاً للحكم فيها، وقد يدوم هذا الأمر لمدة أشهر بسبب الإجراءات الاستثنائية لفيروس كورونا". وأشار إلى أن تطبيق القضاء العدلي للبند 163 من القانون الانتخابي، الخاص بجرائم التمويل الأجنبي للحملة الانتخابية، في حق عدد من النواب سيترتب عليه إسقاط عضويتهم، ما سيحدث شغوراً في عدد من المقاعد ويبطل نتائج الانتخابات ويجعل البرلمان في حكم المعدوم. كما أن القضاء العدلي قد يقوم بحل الأحزاب التي خالفت القانون، وتلقت تمويلاً أجنبياً.
رابح الخرايفي: عدد من القضايا المنشورة تتطلب وقتاً للحكم فيها
ويدفع عدد من نواب المعارضة إلى حل البرلمان، على غرار النائب عن حزب "الوطنيين الديمقراطيين" منجي الرحوي، الذي اعتبر أن "الحل الوحيد لإنهاء (حركة) النهضة وزعيمها راشد الغنوشي يكون بحل البرلمان ومحاسبة الأحزاب الحاكمة"، فيما رد الناشط السياسي والقيادي السابق في "النهضة" عبد الحميد الجلاصي، في تصريحات صحافية أخيراً، بأن ما حصل في تونس "انقلاب" واستحواذ على كل السلطات، معتبراً أن "رئيس الجمهورية هدفه حل البرلمان وتغيير الدستور".
وبيّن الرحوي أن "التعويل على سلطة الفرد الواحد، كائناً من كان، لتصحيح المسار وهم"، مشيراً إلى أن "المطلوب الآن الدفاع عن الحريات وعودة عمل البرلمان، وتشكيل حكومة بالتوافق والحوار، بالإضافة إلى تمهيد الأوضاع في البلاد لانتخابات سابقة لأوانها، تشريعية ورئاسية واستفتاء حول الدستور".
وعلم "العربي الجديد" من مصدر إداري مسؤول أنه لن يتم صرف رواتب ومنح النواب خلال الشهر الحالي، وطيلة فترة تعليق نشاطهم، بمقتضى قرار تجميد عمل البرلمان، مشيراً إلى أنه ينتظر استشارة المحكمة الإدارية لاتخاذ قرار نهائي وإعلام النواب به.
كما أن عملية منع الوحدات العسكرية كاتب عام البرلمان، الذي كلف بقرار رئاسي، تسيير شؤونه الادارية والمالية حتى استئناف نشاطه، من دخول المقر قد تؤدي إلى إطالة مدة إغلاقه، إذ إنه يحتاج إلى صيانة دورية، إلى جانب تأمين أجور ومرتبات الموظفين فيه. وتساءل النائب عن "النهضة" محمد القوماني، على صفحته في "فيسبوك"، عن من يتحمل تبعات منع الكاتب العام وجميع العاملين من الدخول إلى البرلمان، وما يسبّبه من أضرار على مرافق المجلس ومصالح موظفيه وعماله؟ مضيفاً "في المقابل وعملاً بسياسة المكيالين، تم تعليق عمل النواب قبل صدور الأمر (الرئاسي) أصلاً".