شهدت الساحة اللبنانية، اليوم الإثنين، حركة سياسية دبلوماسية "دينية" ركّزت على ضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية وإعادة تفعيل عمل المؤسسات، ولا سيما حكومياً وبرلمانياً، في ظلّ تصاعد حدّة الأزمة الاقتصادية والنقدية في البلاد، وإصرار المجتمع الدولي على ربط دعمه المالي بشروع لبنان بالإصلاحات المالية اللازمة.
وكان الاتفاق السعودي الإيراني من الملفات الأساسية التي جرى البحث بها لبنانياً في ظلّ تعويل سياسي على أن تطاول شراراته الإيجابية الانتخابات الرئاسية في لبنان، بما يمهّد لتسوية قريبة من شأنها أن تضع حدّاً للشغور الرئاسي المستمرّ منذ 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2022.
وفي السياق، عقد رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، اليوم الإثنين، سلسلة من اللقاءات، أبرزها مع سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان وليد بخاري، التي تناولت ملف انتخابات الرئاسة اللبنانية والعلاقات الثنائية بين البلدين، وكذا ارتدادات الاتفاق السعودي الإيراني لبنانياً، في ظل إشارة بخاري إلى أنه سيكون لديه مؤشرات إيجابية للبنان، وذلك في معرض رده على أسئلة الصحافيين.
وقال مصدر مقرّب من بري لـ"العربي الجديد"، إنّ "البحث مع السفير السعودي كان يتطرق إلى صعيد الملف اللبناني، واللقاء اليوم أبقى قنوات التواصل مفتوحة بين رئيس البرلمان والجانب السعودي"، مشدداً على أنّ "السعودية لا تدخل بعملية اختيار الأسماء"، وذلك في معرض ردّه على ما يُشاع عن رفض سعودي لمرشح بري، وحليفه "حزب الله"، أي رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، المقرّب من النظام السوري.
وفي وقتٍ يُشاع فيه عن مبادرة قد يقوم بها بري على خطّ حلّ الأزمة الرئاسية ويلاقيه فيها البطريرك الماروني بشارة الراعي، أشار المصدر إلى أن "التواصل قائم ومستمرّ بين الطرفين، وكل منهما يبذل جهده لإحداث خرقٍ ما، وتقريب وجهات النظر بين القوى السياسية".
في المقابل، يؤكد المصدر أنه "حتى الساعة لا نية للرئيس بري بالدعوة إلى جلسة انتخاب رئيس تحمل الرقم 12، إلا في حال بادرت الأطراف كلها إلى تقديم أسماء مرشحيها والذهاب إلى مجلس النواب لانتخابها، والتحدي الأساسي اليوم بات في تأمين نصاب انعقاد الجلسة، أي 86 من أصل 128 نائباً، في ظلّ إعلان أحزاب سياسية عن تعطيل النصاب حتى انتخاب الشخص الذي يلائم مواصفاتها، أي أن يكون معارضاً لحزب الله وحركة أمل (يرأسها بري)"، مشيراً أيضاً إلى أن "الرئيس بري متمسك دائماً بالدعوة إلى الحوار، لكن المشكلة تكمن عند الطرفين المسيحيين، حزب القوات اللبنانية (يرأسه سمير جعجع) والتيار الوطني الحر (يرأسه النائب جبران باسيل) اللذين يرفضان المشاركة في الحوار".
ويشدّد المصدر على أن "بري يدعم ترشيح فرنجية ولن يتخلى عنه، والحديث عن تسوية من بوابة الاتفاق السعودي الإيراني سابق لأوانه".
بدورها، تؤكد أوساط الأحزاب المعارضة، على رأسها "القوات" و"الكتائب اللبنانية" (برئاسة النائب سامي الجميل)، وبعض النواب المستقلين والتغييريين، أن مرشحها سيكون النائب ميشال معوض أو من يملك مواصفاته السيادية والإنقاذية والإصلاحية، مؤكدةً في الوقت ذاته أنها ستبذل كل جهدها لتعطيل أي جلسة من شأنها أن تؤدي إلى انتخاب رئيس محسوب على "حزب الله" وحلفائه.
وقال المكتب الإعلامي للرئيس بري أن "اللقاء مع بخاري عرض الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة والعلاقات الثنائية بين البلدين، وقد لفت السفير السعودي إلى أن المرحلة الراهنة تستوجب الاحتكام أكثر من أي وقتٍ مضى إلى الكلمة الطيبة والرهان دائماً على الإرادات الخيّرة".
إلى ذلك، استقبل بري رئيس فريق العمل الأميركي من أجل لبنان والسفير السابق إدوارد غابرييل، والوفد المرافق، بحضور السفيرة الاميركية دوروثي شيا، حيث جرى عرض الأوضاع العامة في لبنان، وشدّد غابرييل على أهمية انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت وإجراء الإصلاحات الضرورية لسير عمل المؤسسات ووقف النزيف الحاصل.
يدوره، أكد بري خلال لقائه وفداً من نقابتي الصحافة والمحررين على أن المطلوب هو "رئيس وطني يجمع ولا يفرق، رئيس له حيثية مسيحية وإسلامية، وقبل أي شيء حيثية وطنية، رئيس يجمع ولا يطرح، رئيس يؤمن بعلاقات لبنان مع محيطه العربي، ويؤمن باتفاق الطائف"، مؤكداً أن "الضرورات تبيح المحظورات".
وتحدث بري عن حيثيات ترشيح فرنجية بعد مضي 5 أشهر على الفراغ، مشيراً إلى أنه أقام حوارات مع جهات دولية وشكرها على الدعم الذي ستقدمه للشخص الذي نختاره، كما تحدث عن "الحاجة إلى رئيس يتحدث مع النظام السوري بموضوع ترسيم الحدود وحلّ أزمة اللاجئين"، معتبراً أنه "إذا كنا سنعتمد على الأميركيين والأوروبيين فهم غير مكترثين". وتابع: "ليس العاقل فقط من يعرف الخير من الشرّ، العاقل هو الذي يعرف الخير من الشرين".
وختم بري بأن "الحل السياسي يبدأ برئاسة الجمهورية، وسليمان فرنجية مدّ يده للجميع (...) فإذا كان سليمان فرنجية لا يجمع فمن هو الذي يجمع؟"، مؤكداً أن "لا خلاص للبنان إلا بالدولة المدنية".
في السياق ذاته، قال عضو المجلس المركزي في "حزب الله" الشيخ نبيل قاووق: "إننا لا ننتظر أي تسوية خارجية، لا ثنائية ولا خماسية تفرض على اللبنانيين مواصفات وأسماء لرئاسة الجمهورية".
موفد البطريرك الراعي يستطلع آراء القوى السياسية
في سياق متصل، عقد البطريرك الماروني بشارة الراعي، اليوم الإثنين، لقاءً مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، تناولت التطورات الراهنة والزيارة التي سيقوم بها الأخير إلى الفاتيكان للاجتماع بالبابا فرنسيس.
وقال ميقاتي إن الراعي أطلعه على الاتصالات التي يقوم بها من أجل الإسراع في انتخاب رئيس للبلاد، و"كانت الآراء متفقة، ولا سيما على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت من أجل انتظام العمل العام في البلاد، وعمل المؤسسات الدستورية، وللبدء بالدخول في الحل".
وقال مصدر مقرّب من البطريرك الراعي لـ"العربي الجديد"، إن "موفد الراعي يقوم بزيارات على القوى السياسية لاستطلاع آرائها حول الملف الرئاسي، وهناك سلة من الأسماء التي باتت بعهدة البطريرك الماروني، التي ترى القوى السياسية أنها مناسبة لملء الشغور الرئاسي، وإدارة المرحلة المقبلة، بيد أن التوافق مطلوب بين الجميع حول اسم واحد".
وأشار المصدر إلى أن البطريرك الراعي سمع الكثير من المواقف الخارجية حول ملف الاستحقاق الرئاسي، وكان الموقف شبه جامع حول ضرورة أن يكون الرئيس الجديد قادرا على الجمع لا التفريق، وبناء أفضل العلاقات مع الخارج، وألا يكون "مرشحاً استفزازياً".
وحول وجود "فيتو" سعودي على فرنجية، ولا سيما بعد إعلان "حزب الله" و"حركة أمل" رسمياً دعم ترشيحه، يقول المصدر إن الموقف السعودي معروف من سياسة "حزب الله"، لكنه لم يضع "فيتو" على اسم معين، بل مواصفات سبق أن أعلن عنها، أبرزها إعادة لبنان إلى محيطه العربي، وأن يكون سيادياً وإنقاذياً وإصلاحياً.