قال مسؤول في وزارة الخارجية العراقية، اليوم الجمعة، لـ"العربي الجديد"، إنّ زيارة وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، لم تتوصل إلى تفاهمات نهائية بين العراق وتركيا حيال ملفات وصفها بأنها شائكة ومعقدة، لافتاً إلى أن أنقرة تنتظر رداً من بغداد على جملة من المطالب التي طرحها وزير الخارجية التركي والوفد المرافق له.
وأضاف المسؤول العراقي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أنّ "زيارة الرئيس التركي (رجب طيب) أردوغان للعراق، والمتوقعة الشهر المقبل، مرتبطة بتجاوب العراق مع ما عرضه فيدان".
مطالبات تركية
وكان فيدان قد وصل إلى بغداد، الثلاثاء الماضي، في زيارة استمرت يومين التقى فيها عدداً كبيراً من المسؤولين الحكوميين والقيادات السياسية في البلاد.
وتضمنت مباحثات الوزير التركي مع القادة العراقيين ملف مياه نهر دجلة والفرات، والتعاون الأمني لتتبع خلايا وبقايا تنظيم "داعش"، ومشروع طريق التنمية الرابط بين موانئ البصرة على مياه الخليج العربي والأراضي التركية، الذي تعتبره بغداد وتركيا ضرورياً كطريق مختصر إلى أوروبا ورابط تجاري مهم بين المنطقتين (الخليج العربي وتركيا)، عبر خط سكك حديدية وطريق بري يصلان إلى أكثر من 1200 كيلومتر.
وأضاف المسؤول أنّ "تركيا تُطالب العراق بتصنيف حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، والعمل على منع استخدام الأراضي العراقية، لتنفيذ اعتداءات مسلحة داخل الأراضي التركية".
وقال إنّ فيدان "قدم وثائق وصوراً جوية للمسؤولين العراقيين تظهر كيفية انتقال مسلحي الكردستاني من داخل العراق إلى تركيا وتنفيذهم اعتداءات، وأنشطتهم المسلحة في قنديل ومخمور وسيدكان والزاب ومناطق في السليمانية، التي قال إنهم يحظون فيها برعاية من أطراف سياسية كردية، في إشارة منه إلى الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل الطالباني".
ووفقاً للمسؤول ذاته، فإنّ "تركيا تعتبر نفسها طرفاً غير معني بالخلاف النفطي بين بغداد وأربيل والذي على أثره جرى رفع دعوى في باريس من قبل الحكومة العراقية السابقة، على اعتبار أن نفط إقليم كردستان يجري تصديره عبر الأراضي التركية الى ميناء جيهان للتصدير". وطالب فيدان بعدم تحميل تركيا أي تبعات مالية في هذا الملف لقاء الموافقة على استئناف تصدير النفط، مشيراً إلى أن تركيا أبدت مرونة في مسألة مساعدة العراق تجاوز أزمة شح المياه بزيادة ضخ المياه عبر نهر دجلة.
وأوضح المسؤول العراقي أنّ تركيا تنتظر "رداً عراقياً على ما جرى عرضه من طلبات خلال الفترة المقبلة، وتحديداً ملف حزب العمال الكردستاني واستئناف تصدير النفط، لقاء المضي بزيارة أردوغان التي يفترض أنها تكون لتوقيع اتفاقيات نهائية حول تلك الملفات".
حزب العمال الكردستاني
ووفقاً لبيانات رسمية صدرت عن الجانبين العراقي والتركي، بحث الطرفان ملفات حزب العمال الكردستاني ووجوده داخل العراق، والخطر الذي يشكله على الأمن القومي التركي، وكذلك ملف استئناف تصدير النفط العراقي عبر ميناء جيهان التركي والمتوقف منذ أشهر عدة، على خلفية قرار هيئة التحكيم في غرفة التجارة الدولية في باريس التي حكمت لصالح العراق في نزاعه مع تركيا بشأن سماح أنقرة بتصدير نفط إقليم كردستان، دون موافقة بغداد، وقضت المحكمة بتغريم تركيا أكثر من مليار ونصف مليار دولار.
❞في الوقت الحالي، يتخفى تنظيم "بي كي كي" الإرهابي في الأراضي العراقية، وبإذن الله سنطهر معا العراق أيضا من هذا الفيروس❝
— Anadolu العربية (@aa_arabic) August 24, 2023
هاكان فيدان
وزير الخارجية التركي
https://t.co/I2CswM61iN pic.twitter.com/Zg37zFlziI
وحول رد بغداد المتوقع، قال المسؤول العراقي إن "رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، أجرى سلسلة اتصالات مع قيادات سياسية عراقية وأخرى رسمية، أبرزهم رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، لأخذ الدعم حيال التوصل لتفاهمات مع تركيا إزاء الملفات العالقة"، متوقعاً أن يبدأ العراق "بمعالجة قضية حزب العمال في سنجار ومخمور قريباً، عبر إجراءات أمنية وأخرى سياسية، حيث يؤيد السوداني عدم التضحية بالعلاقة مع تركيا بسبب ملف حزب العمال".
ولم يصدر عن بغداد حتى الآن أي موقف واضح حول ملف حزب العمال باستثناء بيان للخارجية العراقية صدر، الأربعاء الماضي، عقب لقاء وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين بنظيره التركي، وجاء فيه أن "الدستور العراقيّ لا يسمح لأي منظمة باستخدام العراق منطلقاً للهجوم على دول الجوار".
ويتسبب وجود عناصر حزب العمال الكردستاني، الذي تصنّفه أنقرة "منظمة إرهابية"، في الأراضي العراقية بالعديد من الأزمات السياسية بين البلدين، كان آخرها العام الماضي عندما اتهمت بغداد القوات التركية بقصف منتجع سياحي في دهوك، والتسبب بقتل عدد من المواطنين وهو ما نفته أنقرة.
وتكمن صعوبة إجراء تفاهمات كاملة بين حكومة بغداد ونظيرتها التركية بشأن إنهاء وجود مسلحي الحزب في العراق بعوامل ميدانية عسكرية عدة؛ أبرزها وجوده في مناطق يصعب وصول القوات العراقية إليها، ضمن المثلث العراقي الإيراني التركي الواقع تحت إدارة إقليم كردستان، إلى جانب الدعم الذي يتلقاه مسلحو الحزب من فصائل مسلحة توصف عادة بأنها حليفة لإيران، خاصة في مناطق سنجار غربي نينوى.
تصفير المشاكل
وقال الناشط السياسي العراقي، والمرشح السابق للانتخابات البرلمانية في بغداد، أحمد الساعدي، لـ"العربي الجديد" إن السوداني "لديه رغبة حقيقية بتصفير المشاكل مع تركيا، ويرى أهمية الشراكة التجارية معها".
وأضاف أنّ العراق بحاجة لتركيا "في ملف المياه الذي يعتبر أبرز خطر يواجهه العراق اليوم، لذا فمن المتوقع أن يوافق العراق على الكثير من المطالب التركية، وخلال فترة زمنية تدريجية".
وأكد أن "اهتمام العراق بالمطالب الإيرانية بمعالجة قضية جماعات المعارضة الإيرانية الكردية في إقليم كردستان وعدم التجاوب مع المطالب التركية نفسها فيما يتعلق بحزب العمال الكردستاني، غير صحيح وكيل بمكيالين، ويجب التعامل مع الأمر من باب حسن الجوار بمنع استخدام الأراضي العراقية للإضرار بدول الجوار".
وحول الزيارة، علق الباحث بالشأن السياسي العراقي، مجاهد الطائي، على مطالبة فيدان من العراق بتصنيف حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، بالقول في حسابه على موقع إكس "كيف يعترف العراق بأن PKK، (حزب العمال الكردستاني) تنظيم إرهابي والحكومة تعطي عناصره رواتب شهرية؟ هل هناك حكومة تعطي رواتب لإرهابيين؟"، وذلك في إشارة إلى مليشيا وحدات حماية سنجار التي ترتبط بحزب العمال الكردستاني في مدينة سنجار غربي الموصل.
هاكان فيدان:
— مجاهد الطائي (@mujahed_altaee) August 22, 2023
ننتظر أن يعترف #العراق رسميا بأن "PKK" تنظيم إرهابي.
كيف يعترف العراق بأن PKK تنظيم إرهابي والحكومة تعطي عناصره رواتب شهرية؟ هل هناك حكومة تعطي رواتب لإرهابيين! pic.twitter.com/6a4BpK6kzc
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل، فراس إلياس، في منشور على موقع إكس: "لطالما نظرت تركيا إلى علاقاتها مع العراق على أنها علاقات من جانب واحد، إذ لا تحتمل النظرة التركية للعراق على أن تكون العلاقات متوازية، ونظرة بسيطة للعلاقات بعد 2003، توضح ذلك، وعلى هامش زيارة فيدان لبغداد، لا يتوقع جديد على صعيد الملفات العالقة، فهو قادم لتأكيد النفوذ لا أكثر".
لطالما نظرت تركيا إلى علاقاتها مع العراق على إنها علاقات من جانب واحد، إذ لا تحتمل النظرة التركية للعراق على أن تكون العلاقات متوازية، ونظرة بسيطة للعلاقات بعد ٢٠٠٣ توضح ذلك، وعلى هامش زيارة فيدان لبغداد، لا يتوقع جديد على صعيد الملفات العالقة، فهو قادم لتأكيد النفوذ لا أكثر.
— فراس إلياس (@FirasEliasM) August 22, 2023