لم يتمكن المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون، خلال اليوم الأول من زيارته إلى دمشق، التي بدأت اليوم الأحد، من تحديد موعد لانعقاد الجولة الرابعة من أعمال اللجنة الدستورية التي يشرف عليها بشكل مباشر.
وكان واضحاً وضع النظام السوري العديد من العراقيل أمام مساعي بيدرسون، من خلال اعتراضه على العديد من النقاط، والتي شرحها وزير الخارجية في حكومة النظام، وليد المعلم، للمبعوث الأممي خلال اللقاء الأول من الزيارة، في حين زجّ المعلم بورقة اللاجئين في المؤتمر الذي تنوي دمشق عقده بالتشارك مع روسيا في هذا الصدد في طريق المسار السياسي الأعقد (اللجنة الدستورية).
ووصل بيدرسون برفقة نائبته خولة مطر إلى دمشق مساء أمس السبت، والتقى اليوم صباحاً بوزير خارجية النظام وليد المعلم، حيث أشار بيان خارجية النظام فور انتهاء اللقاء إلى أن "الجانبين بحثا عدداً من القضايا ذات الصلة بالوضع في سورية، إذ تطرق الحديث إلى الوضع الاقتصادي، وكانت وجهات النظر متفقة على أن الإجراءات الاقتصادية أحادية الجانب تزيد هذا الوضع صعوبة، خاصة في ظل انتشار وباء كورونا".
وأشار البيان إلى أنه "فيما يخص عمل لجنة مناقشة الدستور، أكد الجانبان أهمية نجاح عملها، الأمر الذي يقتضي الالتزام بقواعد إجراءاتها المتفق عليها، وخاصة عدم التدخل الخارجي في عملها، وعدم وضع أية جداول زمنية مفروضة من الخارج".
وفي هذا السياق، ذكر بيان خارجية النظام السوري أن "المعلم أكد أن لجنة مناقشة الدستور منذ أن تشكلت وانطلقت أعمالها باتت سيدة نفسها، وهي التي تقرر التوصيات التي يمكن أن تخرج بها وكيفية سير أعمالها، وذلك بحيث تتم كل هذه العملية في كافة مراحلها بقيادة وملكية سورية فقط، وعلى أساس أن الشعب السوري هو صاحب الحق الحصري في تقرير مستقبل بلاده".
وتطرق البيان إلى العرض الذي قدمه الوزير المعلم حول "التفاصيل المتعلقة بعزم الحكومة السورية عقد مؤتمر دولي حول اللاجئين في 11 و12 تشرين الثاني"، منتقداً "الدور الغربي في وضع شروط واختلاق حجج واهية لعرقلة عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، مما يؤكد تسييسهم لهذا الملف الإنساني البحت، واستخدامه كورقة في تنفيذ أجنداتهم السياسية".
وعقب انتهاء اللقاء، قال بيدرسون لصحيفة "الوطن" الموالية للنظام: "أجرينا محادثات موسعة جداً، وتحدثنا مع الوزير المعلم عن كل القضايا المتعلقة بقرار مجلس الأمن رقم 2254، وكما قلت أمس عند وصولي، فإن عشر سنوات من الصراع في سورية هي مدة طويلة جداً، وفيها معاناة للشعب السوري، وحالياً تترافق هذه المعاناة مع وضع اقتصادي متردٍّ، وخاصة في ظل انتشار وباء كورونا".
ولفت بيدرسون، خلال رده على أسئلة الصحيفة، إلى أن المباحثات تناولت أيضاً الوضع الميداني، موضحاً: "تحدثنا عن الوضع في شمال غرب سورية وشمال شرقها وباقي المناطق، والحل الوحيد للأزمة هو المسار السياسي"، مضيفاً أنه "يمكن تنفيذ قرار مجلس الأمن بطريقة تلبي طموحات الشعب السوري، وهناك تعاون وثيق مع دمشق"، إلا أن المبعوث الأممي لم يشر خلال حديثه عن التوصل للاتفاق على موعد جديد لعقد جولة جديد من أعمال اللجنة الدستورية، وهو الغرض الرئيس لزيارته.
والواضح من كلام المعلم أن النظام سيعمل على المماطلة مجدداً في أعمال اللجنة الدستورية لجولتها الرابعة، حيث من المتوقع أن يضع بيدرسون جدولاً لأعمالها يتضمن مناقشة المضامين الدستورية، بعد أن نجح النظام في الجولة الماضي بفرض رؤيته لمناقشة ما سماها "المبادئ والثوابت الوطنية"، في حين يصر على أن يستمر في هذا المنحى خلال الجولة القادمة بمناقشة "الهوية الوطنية" بقصد الابتعاد عن مناقشة مضامين ومواد الدستور، لاستثمار الوقت بأكثر قدر ممكن.
وأشار إبراهيم الجباوي، وهو عضو اللائحة الموسعة من اللجنة الدستورية عن وفد المعارضة السورية، إلى أنهم في وفد المعارضة ليس لديهم أي مانع أو تحفظ على أعمال اللجنة الدستورية، وعلى العكس، كما يوضح الجباوي في حديثه مع "العربي الجديد"، بأنهم أخبروا المبعوث الأممي بيدرسون بـ"الاستعداد لمواصلة الليل بالنهار لإنجاز الاستحقاق الدستوري المتمثل بصياغة دستور جديد للبلاد"، مؤكدين "الحضور في أي وقت تتم فيه دعوتهم لجولة جديدة من أعمال اللجنة".
الواضح من كلام المعلم أن النظام سيعمل على المماطلة مجدداً في أعمال اللجنة الدستورية لجولتها الرابعة، حيث من المتوقع أن يضع بيدرسون جدولاً لأعمالها يتضمن مناقشة المضامين الدستورية، بعد أن نجح النظام في الجولة الماضي بفرض رؤيته لمناقشة ما سماها "المبادئ والثوابت الوطنية"
ولا يتوقع الجباوي أن يعود بيدرسون من دمشق بأي نتائج إيجابية لتحديد موعد للجولة المقبلة، رابطاً ذلك بأنه لم يقم بزيارة موسكو وطهران قبلها، ما يعني "عدم رضا الروس والإيرانيين على عقد جولة جديدة، وبالتالي النظام لا يمكنه إعطاء رأي بمفرده في حال لم تعط روسيا وإيران الضوء الأخضر"، بحسب جباوي.
وتابع المتحدث ذاته، بشأن المماطلة المستمرة من قبل النظام بالانخراط جدياً في أعمال اللجنة، بأن "النظام لا يريد أن يناقش أي شيء، لا ثوابت وطنية ولا هوية وطنية، ولا حتى مضامين الدستور، هو فقط يريد أن يعرقل لا أكثر، في المقابل نجن جاهزون لمناقشة أي شيء يطرحه أي عضو من أعضاء اللجنة، سواء كان من المعارضة أو النظام، أو المجتمع المدني، بشرط أن يكون ضمن تفويض وصلاحية أعمال اللجنة"، مشيراً إلى أنه "على الرغم من أن الثوابت والمبادئ الوطنية الأساسية تعتبر مضامين دستورية، فإننا جاهزون لمناقشة المضامين عندما يكون النظام جاهزاً لذلك".
وأكد الجباوي أن "العملية الدستورية تعتبر مفتاحاً للحل السياسي ككل وطريقاً لإنجاز الحل، ولذلك فإن النظام لا يلتفت كثيراً لها ،كونه لا يزال يفضل الحل العسكري".
ومن المفترض أن يلتقي بيدرسون كذلك خلال زيارته الحالية مع الرئيس المشترك للجنة الدستورية عن قائمة النظام أحمد الكزبري، لكن لا يتوقع أن يحصل من الكزبري على نتائج غير التي سيأخذها من المعلم، كون الأخير مكلفاً من رأس النظام بشار الأسد لرسم الخطط لعمل وفده في اللجنة وإعطاء التعليمات له، بالاستناد إلى قاعدته في التفاوض: "الإغراق بالتفاصيل" للمراوغة والتهرب لكسب الوقت.
وتأتي زيارة بيدرسون إلى دمشق عله يستطيع انتزاع موعد جديد للجولة الرابعة من أعمال اللجنة ليقدمه أمام مجلس الأمن خلال إحاطته الشهرية في 27 من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، أي بعد غد، بعد أن فشل في عقد الجولة في الثالث من الشهر ذاته، حين أعلن عن الموعد مبدئيا، إلا أن النظام تحفظ على المشاركة بأعمال الجولة.
وعلى هامش الجولة الماضية (الثالثة) من أعمال الهيئة المصغرة للجنة الدستورية، أشار الرئيس المشترك للجنة عن وفد النظام أحمد الكزبري إلى "ضرورة التوافق على المبادئ الوطنية قبل الانطلاق إلى المبادئ الدستورية، وأهمها احترام سيادة ووحدة واستقلال أراضي الجمهورية العربية السورية، وهو مبدأ وطني سامٍ"، وفق تعبيره، مشيراً إلى أنه "لا يمكن إنجاز الدستور في مدة زمنية قصيرة"، وأن وفده "حريص على السير في هذه العملية وفق مراحل دقيقة ومنهجية، وليس القفز مباشرة إلى الصياغة"، ما يشير إلى إمكانية ذهاب النظام للمراوغة بجولات تستغرق أشهراً وربما أعواماً في مناقشة مقدمة الدستور، قبل الدخول في المضامين الدستورية، وتلك سياسة أثبتت نجاعتها بالنسبة له في مسار جنيف التفاوضي الذي لا يزال معلقاً إلى الآن".
في حين ذهب رئيس النظام السوري بشار الأسد أبعد من وفده إلى اللجنة الدستورية لجهة عرقلة برنامج أعمالها، بل إن الأسد أقحم نفسه في اختصاصات وتفويض اللجنة رغم تملص نظامه بالاعتراف من أن وفده غير ممثل للنظام أساساً خلال أعمال اللجنة، وإنما يمثل الدولة السورية، ما يعطيه صبغة وطنية حيادية لا يكون فيها طرفاً من أطراف الصراع، ما يتيح للنظام التملص كذلك من المخرجات في حال لم توافق رؤيته واستمراريته.
وقال الأسد، في مقابلة مع قناة تتبع لوزارة الدفاع الروسية، في وقت سابق من الشهر الحالي، إن تركيا والدول الداعمة لها، بما فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها، "غير مهتمة بعمل اللجنة الدستورية بصورة بناءة، وأن مطالبها تهدف إلى إضعاف الدولة السورية وتجزئتها، وهذا ما تشهده مناطق ودول كثيرة تفرض عليها واشنطن دساتير تدفع بها إلى الفتنة والفوضى، وليس إلى الاستقرار"، مضيفاً أن نظامه "لا يقبل هذا المنهج ويرفض التفاوض حول قضايا تخص استقرار سورية".
وحاول الأسد توضيح الرسالة للداعمين لعمل اللجنة الغربيين من أن الاستقرار لن يكون إلا من وجهة نظر النظام، وقبل ذلك أشار إلى المماطلة الزمنية بالقول إن "المفاوضات ستأخذ وقتاً طويلاً"، الأمر الذي سبق إلى التصويب نحوه وزير خارجيته وليد المعلم ونظيره الروسي سيرغي لافروف خلال المؤتمر الصحافي، الذي جمعهما بدمشق في الأسبوع الأول من سبتمبر/ أيلول الماضي، بأن عمل اللجنة غير مرتبط بجدول زمني، وفصل أعمالها وحتى نتائجها عن الانتخابات الرئاسية التي يحين موعدها منتصف العام المقبل، ما يشير إلى أن النظام والروس يحاولون اللعب على الوقت لتمرير الانتخابات الرئاسية قبل استحقاق موعد الانتخابات الرئاسية.
وفي خريف العام الماضي، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة تشكيل اللجنة الدستورية بعد حوالي 18 شهراً من ولادة فكرتها خلال مؤتمر سوتشي، أو ما عرف بـ"مؤتمر الحوار الوطني السوري" بداية عام 2018.
وعقدت الهيئة الموسعة من اللجنة اجتماعها الأول في 30 أكتوبر/ تشرين الأول من العام ذاته، قبل إحالة المناقشات إلى "الهيئة المصغرة".
وتضم هذه الهيئة الموسعة 150 عضواً، 50 عن كل قائمة من القوائم الثلاث، النظام والمعارضة والمجتمع المدني، فيما تتألف الهيئة المصغرة من 45 عضواً، 15 عضواً عن كل قائمة.