تبييض صورة الجولاني أمام الغرب: مهمة مغلّفة بالتزوير

05 ابريل 2021
أعلن الجولاني أن "تحرير الشام" لم تعد ضمن "القاعدة" (موقع فرونت لاين)
+ الخط -

لم تنقطع محاولات قائد "هيئة تحرير الشام" ("جبهة النصرة" سابقاً) أبو محمد الجولاني لتسويق نفسه وفصيله كجزء من الحل السياسي في سورية، حيث كثّف، في الآونة الأخيرة، توجيه الرسائل للمجتمع الدولي لنفي تهمة الإرهاب عن الهيئة، التي تسيطر على أجزاء واسعة من محافظة إدلب ومحيطها في الشمال الغربي من سورية. وأحدث هذه الرسائل ما قاله الجولاني في مقابلة مع الصحافي الأميركي مارتن سميث، بُثت قبل يومين، وستكون جزءاً من وثائقي يسلّط الضوء على صعوده كـ"قائد عسكري إسلامي". 
ونشرت شبكة FRONTLINE أجزاء من المقابلة، التي أجريت داخل محافظة إدلب، وقال فيها الجولاني إن "هيئة تحرير الشام" لا تشكل أي تهديد أمني أو اقتصادي، للولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية، داعياً هذه الدول إلى مراجعة سياستها حيال الهيئة. واعتبر أن "دوره في محاربة الأسد وداعش، وفي السيطرة على منطقة تضم ملايين النازحين السوريين الذين قد يصبحون لاجئين، يعكس المصالح المشتركة مع الولايات المتحدة والغرب". وقال الجولاني "أولا وقبل كل شيء، لا تمثل هذه المنطقة تهديداً لأمن أوروبا وأميركا. هذه المنطقة ليست نقطة انطلاق للجهاديين الأجانب". وأشارت الشبكة إلى أن المقابلة أجريت مع الجولاني على دفعتين في 1 و14 فبراير/شباط الماضي.

عرابي: "تحرير الشام" تسعى لتسويق نفسها دولياً منذ عامين

وأشار إلى أن النظام السوري هو من يجب تصنيفه ضمن الجهات الإرهابية في العالم، "لأنه من ينفذ فعل الإرهاب الحقيقي بقتل الأبرياء"، مضيفاً: هناك اعتراف ببشار الأسد رغم استخدامه السلاح الكيميائي، وقصفه عشرات المدن السورية. واعتبر الجولاني نفسه "جزءا من الثورة السورية"، مشيراً إلى أن الهيئة لم تعد ضمن تنظيم "القاعدة"، لافتاً إلى أن فصيله حارب تنظيم "داعش" في سورية. وأكد أن الهيئة "لا تعتقل معارضين ومنتقدين لها"، معتبراً أن الاعتقالات تستهدف عملاء للنظام أو تنظيم "داعش" أو لصوصاً، لافتاً إلى أنه سيمنح منظمات حقوق الإنسان الدولية حق الوصول إلى السجون. وكانت وزارة الخارجية الأميركية صنفت، في ديسمبر/كانون الأول 2012، "جبهة النصرة" منظمة إرهابية، لكن المبعوث الأميركي السابق إلى سورية جيمس جيفري قال لمارتن سميث، في مارس/آذار الماضي، إنّ "هيئة تحرير الشام" كانت من الأمور المفيدة لاستراتيجية أميركا في إدلب، معتبراً أنها الخيار الأقل سوءا في إدلب.
وهذه ليست المحاولة الأولى من الجولاني لتسويق نفسه جزءا من حل سياسي، ليس في الشمال الغربي من سورية فحسب بل في عموم البلاد، إذ دأب خلال العامين الماضي والحالي على القيام بزيارات دورية للأسواق ومنازل المدنيين في محافظة إدلب، وإطلاق التصريحات الإعلامية. وذهب الجولاني أبعد من ذلك، حين وافق بشكل غير معلن على مجمل التفاهمات التركية الروسية حول إدلب في إطار مسار أستانة التفاوضي، بل سهّل للجيش التركي الانتشار في كل محافظة إدلب.

وشنت "هيئة تحرير الشام"، خلال العام الحالي، حملات اعتقال واسعة النطاق بحق قياديين في تنظيم "حراس الدين" الأكثر تطرفاً في الشمال الغربي من سورية، في محاولة لنفي صفة التشدد عنها، وإحكام السيطرة الأمنية على محافظة إدلب. لكن ينظر إلى الهيئة من قبل شريحة واسعة من الشارع السوري المعارض على أنها فصيل متشدد يحاول فرض تعاليمه على نحو 4 ملايين مدني يقطنون محافظة إدلب، فضلاً عن قيامها باعتقال كل الأصوات المنتقدة لسلوكها المتطرف. ويذهب كثيرون إلى القول إن الهيئة، ومن يدور في فلكها من تنظيمات سلفية جهادية، كانت الذريعة الأكبر للنظام وحلفائه الروس والإيرانيين للفتك بفصائل المعارضة السورية والمدنيين في عموم البلاد، خلال 10 سنوات هي عمر الثورة السورية.
ورأى الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية عرابي عبد الحي عرابي أن تصريحات الجولاني "تضم رسائل للداخل والخارج". وأضاف، في حديث مع "العربي الجديد"، أراد الجولاني التأكيد للمجتمع المحلي أنه جاد، ولديه القدرة على اللقاء مع الدول المؤثرة وصناع القرار في العالم. وتابع: وجّه الجولاني رسائل للغرب مفادها أن تنظيمه لا ينتهك حقوق الإنسان، ويدير مناطق سيطرته بشكل حرفي منضبط عبر "حكومة الإنقاذ"، ولا يوجد هناك سجون خاصة، وأنه يواجه الاحتلالين الروسي والإيراني لأجزاء واسعة من سورية، وهو ما يصب في خدمة السياسة الأميركية في المنطقة. وأشار إلى أن "هيئة تحرير الشام تسعى لتسويق نفسها دولياً منذ عامين"، متوقعاً أن تجد صيغة لـ"قبولها من المجتمع الدولي"، موضحاً: ربما ستكون على شكل اندماج أكبر مع فصائل المعارضة السورية، وربما تضطر الولايات المتحدة الأميركية للتعامل مع الهيئة بحكم الأمر الواقع.

شريفة: ادعاء الجولاني عدم ممارسة التعذيب غير دقيق
 

من جانبه، اعتبر الباحث السياسي في مركز "جسور" للدراسات عباس شريفة أن رسائل الجولاني خلال المقابلة "كانت واضحة جداً للغرب". وأوضح، في حديث مع "العربي الجديد"، أنها تتمحور حول قضية التصنيف ضمن المنظمات الإرهابية التي اعتبرها تصنيفاً سياسياً يستهدف الثورة السورية، وتخدم النظام الذي يستحق هو أن يكون مصنفاً كجهة إرهابية. وتابع "حاول (الجولاني) تقديم سردية مختلفة عن السردية التي كانت تقدمها هيئة تحرير الشام سابقاً حول ارتباطها بالتجارب الجهادية السابقة، إلى سردية ادعاء الارتباط بالثورة السورية".
واعتبر شريفة أن حديث الجولاني عن كون "هيئة تحرير الشام" جزءا من الثورة السورية "مغالطة خطيرة يجب الوقوف عندها"، مشيراً إلى أن "ادعاء الجولاني عدم ممارسة التعذيب في السجون، وحصر الملاحقة بعملاء النظام وتنظيم داعش غير دقيق، بسبب رصد المنظمات الحقوقية مئات الحالات التي تم اعتقالها وتعذيبها من الناشطين وقادة في الجيش السوري الحر". وأعرب شريفة عن اعتقاده أن الجولاني "يسيطر تماماً على فصيله"، مضيفاً: ليس ثمة أي خطر عليه من هذه التصريحات والتحولات التي يبحث هو عنها، بل بالعكس هو يفعل كل ما يفعله لتقديم نفسه كشريك وحارس لمصالح الغرب، ليدفع مراكز صنع القرار لتعيد النظر في الوضع القانوني لـ"هيئة تحرير الشام". ورأى أن "نجاح تحرير الشام في الحفاظ على دورها في إدلب ممكن جداً ضمن المعطيات الإقليمية والدولية الحالية، لكن نجاحها في أن تكون جزءا من مستقبل سورية بحاجة لمقاربات جديدة، تتجاوز مجرد الخدمات الأمنية التي تقدمها إلى تبني خطاب وطني ديمقراطي تشاركي".

تقارير عربية
التحديثات الحية
المساهمون