- دول مثل كندا واليابان وبلجيكا وإسبانيا وهولندا بدأت بالفعل في وقف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، بينما الدنمارك تغير سياساتها بعد ضغوط بسبب تزويد طائرات "أف 35".
- الولايات المتحدة تظل الداعم الرئيسي لإسرائيل بتقديم 69% من الذخائر والمعدات العسكرية، لكن توسع النقاش قد يزيد الضغط على إسرائيل لتغيير سياساتها مع تزايد الوعي والرفض العام في الغرب.
ارتفعت أخيراً نبرة الدعوات لوقف تصدير الأسلحة والمعدات العسكرية إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، تزامناً مع تقارير وتحقيقات عن تسبّب بعضها في ارتكاب جرائم حرب بحق غزة.
والدعوات لحظر مبيعات الأسلحة إلى الاحتلال لم تعد تقتصر على منظمات حقوقية، بل توسعت لتشمل سياسيين ووزراء وبرلمانيين في أوروبا.
وفي السياق، ذكرت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية الأربعاء، أن أكثر من 130 عضواً في البرلمان ووزراء وقعوا على رسالة تدعو لندن إلى حظر مبيعات الأسلحة لدولة الاحتلال. ورأى الموقعون، وفق الصحيفة، أنّ "من غير المقبول على الإطلاق أن تواصل بريطانيا تجارة الأسلحة مع إسرائيل بالطريقة نفسها التي كانت تتبعها في الماضي".
بريطانيا التي اتخذت مواقف مؤيدة لحرب تل أبيب الدامية على غزة، ليست الوحيدة التي تشهد مثل هذا الحراك. ففي الفترة الماضية، قامت العديد من الدول بمراجعة سياسات صادراتها من الأسلحة لجيش الاحتلال المتهم بارتكاب حرب إبادة أمام محكمة العدل الدولية.
فمنذ يناير/ كانون الثاني الماضي، لم ترسل كندا أسلحة إلى تل أبيب، وأعلنت أخيراً أنها لن تصدّرها حتى تتأكد حكومة جاستن ترودو من أن الحرب الإسرائيلية "تتماشى مع القانون الكندي"، حسبما نقلت وكالة رويترز. ذلك بطبيعة الحال يزيد رقعة الدول التي تشعر بإحباط من سياسات تل أبيب المتجاهلة للقوانين الدولية.
كذلك فإن اليابان، التي قالت أخيراً إنها تعتزم استئناف تمويل "أونروا"، كما فعلت غيرها، انضمت إلى بلجيكا وإسبانيا وهولندا في وقف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل.
من جهتها، وقعت الدنمارك في حرج شديد بعد تزايد الاتهامات الحقوقية والقانونية بشأن أنها تخاطر، من خلال تزويدها طائرات الاحتلال "أف 35" بمعدات حيوية لإطلاق القنابل الضخمة فوق غزة، بملاحقتها على خلفية جرائم حرب. وعليه، اضطر أخيراً وزير الخارجية لارس لوكا راسموسن، إلى التجاوب مع الضغوط البرلمانية والشعبية، لتغيير سياسات الموافقة على التصدير، بحيث يصبح من مسؤولية خارجيتها، وليس فقط وزارة العدل والشرطة الوطنية، وفي ذلك قرار واعتراف ضمني بوقف التصدير، مع خشية من محاكمتها محلياً ودولياً، بحسب برلمانيين وخبراء في كوبنهاغن راقبوا المتغيرات الحاصلة.
ويعتقد الأستاذ المتخصص في سياسات الولايات المتحدة تجاه إسرائيل وفلسطين، ستيفن زونس، في تصريحات لصحيفة داغنسنيهتر السويدية مساء أمس الجمعة، أن "المزيد من الدول ستنضم إلى خط قطع إرسال الأسلحة إلى إسرائيل". ويؤمن زونس بأن ذلك يأتي على خلفية أنه "بات من الصعب أكثر فأكثر إنكار ارتكاب جرائم حرب، وأن الاحتجاجات تتزايد طوال الوقت".
من جهتها، توسع المنظمات الحقوقية الدولية، وبينها منظمات العفو الدولية (أمنستي)، وأوكسفام، وإنقاذ الطفولة، دعواتها أيضاً لبقية دول العالم لأجل وقف صادراتها من الأسلحة والمعدات العسكرية إلى الاحتلال.
وكان خبراء من الأمم المتحدة قد وجهوا في فبراير/ شباط الماضي نداءً في السياق عينه، حيث اعتبروا أنّ من المرجح أن تستخدم الصادرات في انتهاك القانون الدولي الإنساني.
ومع تكشف فظائع ما اقترفه الاحتلال في غزة، اضطر حتى الاتحاد الأوروبي إلى الحديث عن تلك الصادرات العسكرية المدمرة، والتي تساعد على ارتكاب حرب الإبادة. فقد دعا في السياق منسق السياسات الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الدول، وبخاصة الولايات المتحدة، إلى وقف صادراتها إلى إسرائيل، "لأن الكثيرين يموتون في غزة"، وذلك على الأقل ما ذكرته صحيفة تايمز أوف إسرائيل.
الموقف الأميركي حاسم في تصدير الأسلحة إلى إسرائيل
مع ذلك، وعلى الرغم من قلق دولة الاحتلال الإسرائيلي من توسع دائرة الداعين إلى قطع الذخيرة والأسلحة عن جيشها، يبقى الموقف الأميركي هو الحاسم في سياق هذه المقاطعة. فواشنطن تبقى الدولة المانحة الرئيسية للذخائر والمعدات العسكرية لتل أبيب بحوالى 69 في المائة، وفقاً لمعهد أبحاث السلام الدولي في استوكهولم "سيبري". هذا إلى جانب أن ألمانيا تأتي في المرتبة الثانية بنحو 20 في المائة من أسلحة مصدّرة إلى الاحتلال (2021).
ويعتقد ستيفن زونس أن جيش الاحتلال قادر على البقاء دون السلاح الأميركي، "لكنه لن يتمكن من القتال بالقوة نفسها التي كان عليها من قبل". أضف إلى ذلك أن اتساع نطاق النقاش، ووصوله إلى الحليف الأميركي، برأي زونس، "قد يؤدي إلى قيام الجيش وسكان البلاد (الاحتلال) بزيادة الضغط على (رئيس الحكومة بنيامين) نتنياهو، لأنهم لا يريدون تدمير العلاقات مع الولايات المتحدة".
وتُعَدّ مسألة وقف تصدير معدات وذخائر تساهم في معاناة الفلسطينيين، أيضاً قضية مهمة على مستوى الرأي العام الغربي، حيث يزداد الوعي ورفض أن تشارك دولهم في الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين.
وحتى وإن استمر تجاهل المشرعين الأميركيين لمسألة قطع أو خفض منح الاحتلال أدوات جريمة الإبادة، فمن الواضح أن الاستطلاعات الأميركية الأخيرة ليست في مصلحة المتجاهلين. فنحو 52 في المائة من سكان أميركا يعارضون استمرار تزويد الاحتلال بالأسلحة، بحسب ما نقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأربعاء الماضي. هذا إلى جانب أن الكثيرين من ناخبي الحزب الديمقراطي ممتعضون بعمق من سياسات الرئيس جو بايدن، وبالأخص مع محاولته إعادة انتخابه في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
ويكرّر بايدن في مناسبات مختلفة خشيته على "سمعة إسرائيل" الدولية، بينما عملياً تتضرر سمعة واشنطن نفسها، جراء استمرار سياساتها الرسمية الداعمة لجرائم الحرب. إذ على الرغم من الاتهامات الموثقة للاحتلال بارتكاب جرائم حرب وانتهاك للقوانين الدولية، تبقي واشنطن تلك الاتهامات ومساهمتها بارتكابها، عائمة ومشككة بمصداقيتها، وكأنها لا تحدث، وهو ما انتهجه بايدن منذ بداية الحرب على غزة، حين انخرط شخصياً في التشكيك بعدد الضحايا من الأطفال والنساء.
في كل الأحوال، أي حديث أميركي، مهما كان طفيفاً، عن الحد من مساعدة بنيامين نتنياهو عسكرياً، سيهدف إلى تهدئة الرأي العام، وإنقاذ بعض سمعة واشنطن على المستوى الدولي، وخصوصاً لدى الأوروبيين المحرجين مما يحصل، بحسب ما يذهب مراقبون أوروبيون لهذه التطورات. فالعديد من الدول الغربية الحليفة لواشنطن باتت ترى الحاجة إلى وقف النار، بعد تكشف حجم الجريمة المرتكبة بحق غزة، في وقت تحاول فيه إدارة بايدن الإيحاء، داخلياً، على مستوى القلق من صناديق اقتراع الانتخابات الرئاسية، ودولياً على مستوى امتعاض متزايد من حمايتها لتل أبيب دبلوماسياً، وسياسياً، وعسكرياً، بأنها تريد وقف القتال.