للشهر الثاني على التوالي يتواصل مسلسل أعمال العنف في مدن وبلدات عدة ضمن محافظة ديالى، شرقي العراق، تخضع لسيطرة خليط من المليشيات المسلحة الموالية لإيران، ويبدو وجود قوات الأمن النظامية فيها أقرب للشكلي.
جلولاء وخانقين وأبي صيدا والعظيم، ومناطق أخرى، شهدت خلال الأسابيع الماضية عمليات اغتيال وهجمات بقذائف الهاون وتفجير عبوات ناسفة وكمائن مسلحة، بلغت، وفقا لمصادر أمنية عراقية ببغداد، 29 خرقا أمنيا منذ مطلع ديسمبر/ كانون الأول المنصرم، بين هجوم مسلح وقصف بالهاون، واشتباكات وتفجير عبوات ناسفة، وأخرى لاصقة في سيارات مدنية.
ووفقا لمسؤول بوزارة الداخلية العراقية، فإن هجمات مدن شمال شرق ديالى، التي تنتهي مع الحدود الدولية الشرقية للعراق مع إيران، لا تصنف كلها عمليات إرهابية لمسلحي تنظيم "داعش" الإرهابي، بل إن صراعا بين المليشيات والجماعات المسلحة في تلك المنطقة في ذروته على غنائم ومكاسب مالية متعلقة بالمعبر الحدودي العراقي الإيراني، وعلى أنشطة تهريب تجري على الحدود فضلا عن صراع تقاسم النفوذ في تلك المناطق.
وبيّن أن "أخطر ما في الموضوع أن تلك الصراعات بدأت تنسحب على بعض العشائر التي دخلت بالصراع بسبب انتماء أفراد المليشيات لبعض تلك العشائر أساسا".
وتابع المسؤول ذاته، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن "قسما من الهجمات الأخيرة لا يمكن اعتبارها إرهابية، بل إنها تمثل جانبا من الصراع الدائر في تلك المناطق نتيجة ضعف الدولة والقانون أمام نفوذ تلك المليشيات وتورط ضباط شرطة في عمليات فساد مع تلك المليشيات"، واصفا تلك المناطق بأنها باتت "بصرة ثانية"، في إشارة إلى نفوذ وهيمنة فصائل مسلحة على أنشطة تجارية ومالية مختلفة في محافظة البصرة جنوبي العراق.
وذكر أن "طبيعة الهجمات والمستهدف فيها بات من خلالهما إمكانية معرفة الجهة المنفذة للهجوم إذا كان من إرهابيي "داعش" أم الجماعات التي تسيطر على تلك المناطق".
عضو البرلمان العراقي عن محافظة ديالى، رعد الدهلكي، حذّر خلال حديثه مع "العربي الجديد"، من مخاطر عدم معالجة الملف الأمني بالمحافظة، مبينا أن "الملف الأمني في المحافظة مهم جدا، فإذا ما انهار أمن المحافظة فإن أمن بغداد سيكون بخطر"، مؤكدا أن "هناك من يراهن على عدم استقرار المحافظة، وهناك ضعفا في الإجراءات الأمنية، وعمليات استهداف المواطنين تتصاعد من جديد".
مسؤول: قسم من الهجمات الأخيرة لا يمكن اعتبارها إرهابية، بل إنها تمثل جانبا من الصراع الدائر في تلك المناطق نتيجة ضعف الدولة والقانون أمام نفوذ تلك المليشيات وتورط ضباط شرطة في عمليات فساد مع تلك المليشيات
وشدد على أنه "يجب أن يتم قطع الطريق أمام بقايا "داعش"، وبالوقت نفسه أن يتم العمل بخطوات استباقية للسيطرة على المليشيات والسلاح المنفلت في المحافظة"، مشيرا إلى أن "عدم وجود رأس للقرار الأمني هو السبب وراء هذا التراجع الأمني بالمحافظة، إذ نحتاج إلى وحدة القرار الأمني، ونحتاج إلى حصر السلاح بيد الدولة، ونحتاج إلى تحديد العدو بشكل واضح، مع التعزيزات اللوجستية".
وأكد أن "هناك جهات تستفيد من تراجع الأمن بالمحافظة، وتريد تحقيق أجنداتها الخاصة للسيطرة على الكثير من المناطق التي منع النازحون من العودة إليها"، داعيا رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي إلى "إعادة النازحين إلى مناطقهم حتى لا تكون ملاذا آمنا لـ"داعش" والمليشيات".
وشدد أن "الخطر يهدد المحافظة، وأن عدم الاكتراث لهذا الواقع وعدم اتخاذ خطوات متسارعة للسيطرة عليها سيكون خطيرا على أمنها وأمن العراق".
النائب عن المحافظة مضر الكروي كشف عن تقديم طلب رسمي إلى وزير الداخلية، لأجل تعزيز العدد الموجود من قوات الأمن في المناطق التي تشهد أعمال عنف متصاعدة شرقي ديالى، محذرا، في تصريح لمحطة تلفزيون محلية عراقية، من مغبة عدم اتخاذ خطوات عاجلة لسد الفراغات الأمنية في تلك المحافظة.
وحول ذلك، قال الخبير بالشأن الأمني العراقي أحمد النعيمي إن "تتبع الهجمات الأخيرة في شرق ديالى يؤكد أنها خليط بين عمليات إرهابية وأخرى لفصائل بـ"الحشد الشعبي" ذات بعد طائفي، أو ضمن الصراع الدائر على النفوذ والمكاسب بينها، بسبب الأنشطة المالية والتجارية بتلك المناطق، التي تمثل ممرا إلى الحدود الدولية مع إيران، وفيها يتم تهريب النفط والمخدرات ومختلف المواد الممنوعة".
وأضاف النعيمي، لـ"العربي الجديد"، أن "تنظيم "داعش" يستفيد من التناقضات والخلافات في تلك المناطق أيضا، وينفذ عمليات نوعية ذات طبيعة استخبارية اخترق فيها تلك المليشيات، وأيضا قوات الأمن الموجودة، لكن التقصير الأول يجب أن تتحمله الحكومة في عدم إخضاع هذه المناطق لسلطة الدولة والسماح بالنفوذ المليشياوي والديني، واستشراء الفساد في أجهزة الأمن بتلك المناطق".