تصعيد النظام السوري في إدلب محكوم بتفاهمات أنقرة وموسكو

25 سبتمبر 2024
من أضرار خلّفها قصف النظام في سرمين، إبريل الماضي (عزالدين قاسم/الأناضول)
+ الخط -

شهد الشمال الغربي من سورية، على مدى اليومين الماضيين، تصعيداً عسكرياً من قبل قوات النظام السوري والمليشيات المساندة لها، طاول المدنيين، وذلك بعد فترة هدوء نسبي على جبهات القتال مع هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل المعارضة السورية. ويأتي تصعيد النظام السوري في إدلب كما يبدو، في نطاق الضغط على هذه الفصائل وعلى ملايين السوريين الذين تكتظ بهم المحافظة وريفها.

تصعيد النظام السوري في إدلب

واستهدفت قوات النظام السوري بالمسيّرات، أمس الثلاثاء، منطقة جبل الزاوية، الواقعة ضمن ما يُعرف بمنطقة "خفض التصعيد الرابعة" (إدلب وما حولها)، وفق ناشطين اعلاميين محليين أكدوا أن طائرة مسيّرة استهدفت قرية بينين ما تسبب بأضرار في ممتلكات المدنيين. وأشاروا إلى أن الأجواء في الشمال الغربي من سورية، شهدت تحليقاً مكثفاً للطائرات المُسيّرة، بالتزامن مع قصف مدفعي وصاروخي استهدف العديد من القرى والبلدات في ريف إدلب الجنوبي المتاخم لخطوط التماس، وفي منطقة سهل الغاب بريف حماة الشمالي الغربي، وجبل الأكراد في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، فيما تركز الاستهداف في إطار تصعيد النظام السوري في إدلب خلال اليومين الماضيين، على مناطق في عمق المحافظة وبعيداً عن خطوط التماس.

القصف الذي طاول بلدة كفريا كان مصدره عناصر حزب الله والمليشيات التابعة للجانب الإيراني

وقتل أربعة مدنيين، مساء أول من أمس الاثنين، بينهم امرأة ورجل مُسن، وأصيب 13 آخرون، بينهم ستة أطفال وثلاث نساء، جراء تصعيد النظام السوري في إدلب. وشمل التصعيد القصف المدفعي والصاروخي مستهدفاً منازل المدنيين في بلدة كفريا بريف إدلب الشمالي.

إلى ذلك، استهدفت "الجبهة الوطنية للتحرير" (المنضوية تحت مظلة غرفة عمليات "الفتح المبين" المُشكلة من فصائل عسكرية عدة في شمال غربي سورية)، مواقع عسكرية تابعة لقوات النظام السوري في مدينة سراقب، الواقعة عند تقاطع الطريقين الدوليين أم 4 وأم 5 في ريف إدلب الشرقي. كما استهدفت مواقع عسكرية أخرى في بلدة كسب الواقعة على الشريط الحدودي مع تركيا شمال شرقي محافظة اللاذقية.

ردّ على خطط "الفتح المبين"

ورأى القيادي في فصائل المعارضة السورية في إدلب، العقيد مصطفى البكور، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تصعيد النظام السوري في إدلب "زادت وتيرته بعد انتشار حديث عن تحضير فصائل غرفة الفتح المبين لشنّ عملية عسكرية". وأشار إلى أن التصعيد "جاء من خلال القصف المدفعي والصاروخي المتكرر والطيران المسيّر الانتحاري مع تكثيف عمليات الاستطلاع على مدار الساعة"، مضيفاً أن "هدف التصعيد إحباط أي محاولة من قبل فصائل المعارضة لحشد القوات ولكشف تحركاتها عبر المحاور". واستبعد البكور تجاوز هذا التصعيد نطاق عمليات القصف المعتادة.

من جهته، أشار المحلّل العسكري النقيب عبد السلام عبد الرزاق، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن القصف من قبل قوات النظام والمليشيات التي تدعمها في شمال غربي سورية "لم يتوقف بشكل نهائي منذ عام 2020"، مضيفاً أن "القرى والبلدات القريبة من خطوط التماس وجبهات القتال تتعرض بشكل متكرر لقصف مدفعي وصاروخي أو بطيران انتحاري مسيّر من قبل هذه القوات". وبرأيه، فإنه "هذه المرة، كان عدد الشهداء والمصابين بين المدنيين كبيراً نتيجة استهدافهم بشكل مباشر من قبل هذه المليشيات". وعن السياق الذي يأتي به هذا التصعيد، رأى عبد الرزاق أنه "لا يأتي إلا في سياق الرغبة في ضرب استقرار المناطق المحرّرة في الشمال الغربي من سورية لا أكثر ولا أقل"، مضيفاً أن "المعلومات والمعطيات الميدانية تشير إلى أن القصف الذي طاول بلدة كفريا في ريف إدلب مساء الاثنين، كان مصدره عناصر حزب الله والمليشيات التابعة للجانب الإيراني والمتمركزة في منطقة سراقب في ريف إدلب الشرقي".

إلى ذلك، اتهمت ما يسمّى بـ"حكومة الإنقاذ"، الذراع الإدارية لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)، وهي سلطة الأمر الواقع في شمال غربي سورية، حزب الله اللبناني الذي ينشر عناصر له في ريف إدلب الواقع تحت سيطرة النظام، بقصف بلدات في ريفي إدلب وحلب "ما أسفر عن سقوط عدة شهداء في صفوف المدنيين منهم كبار السن وأطفال، وعدد من الجرحى"، وفق بيان صدر عن هذه الحكومة. وأشارت إلى أن قوات النظام والمليشيات الإيرانية المساندة لها "تستهدف المدنيين الآمنين في منهجية واضحة لزيادة المعاناة لدى أهلنا ودفعهم لترك منازلهم عبر استخدام المسيّرات الانتحارية في المناطق السكنية الزراعية وقصفها بشكل شبه يومي للمدنيين".

مصطفى البكور: هدف التصعيد إحباط أي محاولة من قبل فصائل المعارضة لحشد القوات ولكشف تحركاتها عبر المحاور

ولا يزال الشمال الغربي من سورية، يُحكم وفق تفاهمات روسية تركية توصل إليها الطرفان في مارس/آذار من عام 2020 بعد تصعيد عسكري واسع من قبل قوات النظام التي اصطدمت في حينه مع الجيش التركي في ريف إدلب. وثبّت اتفاق الجانبين وقف إطلاق للنار على جبهات القتال، حيث لم تجر منذ ذلك التاريخ أي تغييرات على خريطة السيطرة في المنطقة، فقوات النظام لم تحاول التقدم على الأرض واكتفت بالقصف الصاروخي والمدفعي وعبر الطيران المسيّر لزعزعة استقرار المنطقة والضغط على ملايين السوريين في إدلب وريفها والتي تكتظ بالنازحين.  

ويعد ملف الشمال الغربي من سورية من أكثر الملفات تعقيداً على طاولة التقارب التركي مع النظام السوري، بسبب الخصوصية التي تُميّز هذه المنطقة عن باقي المناطق الخارجة عن سيطرة هذا النظام في شمال البلاد. ويطمح النظام إلى استعادة الطريق الدولي أم 4 الذي يصل غرب سورية بشمالها ويمر عبر مناطق تسيطر عليها فصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام، من خلال تفاهمات مع الجانب التركي برعاية من روسيا التي تدفع باتجاه تطبيع كامل بالعلاقات بين تركيا والنظام السوري. وبقيت عقدة هذا الطريق الذي يربط اللاذقية على الساحل السوري بحلب، كبرى مدن الشمال من دون حلّ، رغم أن الجانبين الروسي والتركي وقّعا أكثر من اتفاق حول هذا الطريق الحيوي، إلا أنها بقيت من دون تطبيق، آخرها اتفاق موسكو في مارس 2020، الذي على نصّ على إنشاء ممر آمن على طول الطريق الدولي بعمق ستة كيلومترات من الجنوب ومثلها من الشمال.

المساهمون