بالرغم من التصريحات الإيجابية للرئيسين الصيني شي جين بينغ والأميركي جو بايدن، بشأن مستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين في اجتماعهما الأخير، السبت الماضي، على هامش اجتماع زعماء منطقة آسيا والمحيط الهادئ (آبيك) في بيرو، فإن الاتهامات المتبادلة بين الجانبين تشير إلى عكس ذلك. ينبئ ذلك بمزيد من التوتر في العلاقات، خصوصاً في ظل حالة عدم اليقين بشأن السياسة الخارجية التي سينتهجها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب تجاه الصين خلال السنوات الأربع المقبلة. وتتصدر قدرات الصين الإلكترونية التحديات التي تأخذها واشنطن بعين الاعتبار في أي مواجهة محتملة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وعلّقت وسائل إعلام صينية، أمس الأربعاء، على تقرير أميركي يحذر من قدرات الصين الإلكترونية ومن أن الحرب الإلكترونية التي يستخدمها الجيش الصيني قد تشكل تحدياً كبيراً في مضيق تايوان، معتبرة أنه يندرج ضمن تضخيم التهديدات الصينية في إطار الاستراتيجية الأميركية لاحتواء الصين. وذكر تقرير قُدّم إلى الكونغرس الأميركي أن قدرة الصين على شن حرب إلكترونية ستشكل تحدياً كبيراً للولايات المتحدة في حالة نشوب صراع عبر مضيق تايوان. ولفت التقرير الذي نشرته لجنة مراجعة الأمن الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين، أول من أمس الثلاثاء، إلى أن الجيش الصيني طوّر قدرات كبيرة للحرب الإلكترونية من أجل اكتشاف واستهداف وتعطيل الجيش الأميركي وشركائه العاملين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وقالت الوكالة الحكومية الأميركية إنه في حالة نشوب صراع محتمل في مضيق تايوان، تتوقع بكين أن تنشر واشنطن غواصات مسيّرة، وسفنا سطحية مسيّرة، وطائرات من دون طيار، وطائرات من الجيل التالي، وسفنا مزودة بأجهزة استشعار متقدمة، ورادارات، وذخائر موجهة بدقة لاستهداف قوات الجيش الصيني.
وأشار التقرير حول قدرات الصين الإلكترونية إلى أن الصين استعدت لذلك، من خلال تطوير قدرات حرب إلكترونية يمكن أن تشكل تحدياً كبيراً للقوات الأميركية عبر تعطيل روابط البيانات والاتصالات التي تحتاجها القوات الأميركية والقوات المتحالفة للعمل أثناء الصراع. وتتضمن قدرات الحرب الإلكترونية للجيش الصيني، وفق التقرير، قدرات هجومية ودفاعية تعمل على تعطيل معدات العدو أو حماية أنظمة أسلحة الجيش الصيني من هجمات العدو. وأفاد بأن الجيش الصيني درس أيضاً كيفية استخدام الحرب الإلكترونية باعتبارها "استراتيجية خداع" من خلال إخفاء الإشارات الحقيقية وحقن معلومات كاذبة لتضليل الخصوم.
افتراءات حول قدرات الصين الإلكترونية
في هذا الصدد يقول الأستاذ في مركز الدراسات السياسية في جامعة جينان، شياو لونغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "كما هو الحال في السنوات السابقة، يقدم التقرير تكهنات زائفة بشأن التطور العسكري الصيني، ويسوق افتراءات مكشوفة على الدفاع الوطني الطبيعي والبناء العسكري للصين وأنشطتها المشروعة لحماية السيادة الوطنية والأمن والمصالح التنموية". ويرى أن ذلك "يندرج ضمن خطط الولايات المتحدة التي تسعى إلى فرض الهيمنة ومعارضة الأنشطة الطبيعية للجيش الصيني في محيطه ومجاله الحيوي". ويضيف أن "الصين لديها الحق في امتلاك جيش حديث من الطراز العالمي، وهذا أمر بالغ الأهمية للتغلب على البيئة الدولية المتقلبة بشكل متزايد"، مشدداً في الوقت نفسه على أن "سياسة الدفاع الوطني الصينية لا تزال موجهة نحو حماية السيادة والأمن والمصالح التنموية، مع التأكيد على دور الصين باعتبارها دولة مسؤولة وعضواً دائماً في مجلس الأمن في لعب دور أكبر على الساحة الدولية".
جيانغ قوه: تسعى واشنطن لتضخيم التهديد العسكري الصيني ما يدفع المجتمع الدولي إلى التشكيك في نيات الصين الاستراتيجية
من جهته، يقول الباحث في العلاقات الدولية في مركز النجمة الحمراء في العاصمة الصينية بكين، جيانغ قوه، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "ما يسمى تقرير القوة العسكرية الصينية الذي تصدره الولايات المتحدة كل عام يبالغ على نحو متكرر بالعبارات المبتذلة، ويشوه سمعة الدفاع الوطني الصيني والبناء العسكري، ويبالغ في وصف التهديد العسكري الصيني، ويتعمد خلق تصور دولي بأن الصين مدمرة للنظام الدولي". وبحسب جيانغ "كان لافتاً هذا العام أن التقرير أولى المزيد من الاهتمام للتقنيات الاستراتيجية التي يملكها الجيش الصيني، وهذا يكشف سعي الولايات المتحدة إلى تضخيم التهديد العسكري الصيني، ما يدفع المجتمع الدولي إلى التشكيك في نيات الصين الاستراتيجية وحتى في سياساتها الدفاعية وتطويرها العسكري". ويلفت إلى أن "الولايات المتحدة أطلقت تكهنات لا أساس لها من الصحة حول التطور العسكري الطبيعي، وبالغت بشدة في الشعور بإلحاح التهديد العسكري الذي يمثله الجيش الصيني".
خون وانغ: بكين نفسها تتحدث علانية عن توظيف التكنولوجيا في خدمة الأهداف العسكرية
عزل سلطات تايوان
في المقابل، يرى الباحث في معهد الدراسات الاستراتيجية في تايبيه (تايوان)، خون وانغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "التقرير الأميركي يستند إلى معلومات وعمليات رصد متراكمة، ولا يشيع سراً إذ إن بكين نفسها تتحدث علانية عن تحديث جيشها وتوظيف التكنولوجيا في خدمة الأهداف والعمليات العسكرية". يضيف بشأن قدرات الصين الإلكترونية أن الصين "عمدت خلال السنوات الأخيرة إلى توظيف الحرب الإلكترونية والهجمات السيبرانية والعمليات المعلوماتية، لزيادة عزلة السلطات في تايوان وحتى في محاولة السيطرة على الرأي العام الدولي". ولعل آخر هذه المحاولات، حسب قوله "محاولة التأثير على اتجاهات الناخبين في الانتخابات الرئاسية الأميركية" التي جرت في الخامس من الشهر الحالي، معتبراً أن "مثل هذه العمليات تشمل شبكات الكمبيوتر أو الهجمات الديناميكية المحدودة على البنية التحتية السياسية والعسكرية والاقتصادية في تايوان لإثارة الخوف في الجزيرة وتقليل ثقة الشعب التايواني في قادته". ويلفت إلى أن "أحد السيناريوهات التي يفترضها التقرير الأميركي، إمكانية أن تقوم قوات خاصة تابعة للجيش الصيني في اختراق تايوان وتنفيذ هجمات على البنية التحتية من خلال استخدام الصواريخ والغارات الجوية الدقيقة". كذلك "استهداف منشآت ومؤسسات حكومية وعسكرية رئيسية في الجزيرة، بما في ذلك المطارات ومحطات الرادار والصواريخ والأصول الفضائية ومرافق الاتصالات".